العواصف الترابية تتشكل عندما تهب رياح قوية فوق التربة المكونة من مواد “قابلة للتآكل وقابلة للتعبئة”.

قد تغطي سحابة من الغبار قادمة من الصحراء أوروبا، مما يمنح السماء لونا أصفر يميل إلى البرتقالي؛ حينها تبدو أنها علامات على إمكانية حدوث عاصفة رملية.

ويقول الكاتب خوان كواستا، في تقرير نشرته صحيفة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية، إنه من الشائع خلال فصلي الربيع والصيف، في العاصمة الفرنسية، أن تجد سيارتك مغطاة بطبقة رقيقة من الغبار الأبيض أو المصفر، التي يعود أصلها بالتحديد إلى عاصفة ترابية حدثت في الصحراء.

ويبين الكاتب أن العواصف الترابية تتشكل عندما تهب رياح قوية فوق التربة المكونة من مواد “قابلة للتآكل وقابلة للتعبئة”، أي مواد حساسة للتعرية بفعل الرياح، وهذه ظاهرة شائعة جدا في المناطق الصحراوية الشاسعة؛ حيث تمتد العواصف من مئات إلى آلاف الكيلومترات.

ينتقل الغبار مع الريح لعدة آلاف من الكيلومترات، حتى يصل إلى القطبين الشمالي والجنوبي (غيتي)

تأثيرات مهمة

وأورد الكاتب -في تقريره- أنه في الصحاري لا تحمل الرياح حبيبات الرمل لمسافات طويلة، لأن الحبوب ثقيلة نسبيا وتسقط على الأرض بالقرب من مكان الرفع؛ حيث ترفع الرياح حبات الرمل من بضعة سنتيمترات إلى بضعة أمتار فوق مستوى سطح البحر ثم تجعلها تسقط على الأرض.

وينتج عن هذا تأثير مع الحبيبات الموجودة على الأرض، التي تُقسمها إلى جزيئات أصغر، وهذه العملية -التي تُسمَّى بالقفز الرملي- تنتج حبيبات أخف بكثير من غبار الصحراء، التي تسقط ببطء شديد تحت تأثير الجاذبية؛ حيث يمكن أن يظل الغبار معلقا في الهواء لعدة أيام، وبالتالي ينتقل مع الريح على مدى عدة آلاف من الكيلومترات، حتى يصل إلى القطبين الشمالي والجنوبي.

ويضيف الكاتب أن كميات الغبار الكبيرة جدا التي تثور في الصحراء لها دور رئيسي في المناخ ونظام الأرض؛ حيث إنها تُعدِّل بقوة موازين طاقة الأرض من خلال عكس وامتصاص أشعة الشمس والأشعة تحت الحمراء، وبالتالي يؤدي امتصاص الضوء إلى تسخين الهواء بشكل كبير حيث يوجد الغبار، ومن ثّمَّ تعديل دوران الرياح.

ويتابع الكاتب فيقول إنه عندما يستقر الغبار على الأرض، فهو يُعد أيضًا مساهمة أساسية للمعادن في النظم البيئية البحرية والبرية. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي العواصف الترابية الصحراوية إلى تدهور جودة الهواء والرؤية بشكل كبير في شمال أفريقيا، مما قد يؤثر بشكل كبير على صحة السكان في هذه المناطق على خلفية تفاقم أمراض الجهاز التنفسي.

يكون الغبار المتطاير في الغلاف الجوي في الصيف أكثر وفرة (غيتي)

كيف تولد العواصف وتتطور؟

ويشير الكاتب إلى أنه في وسط الصحراء يكون الغبار المتطاير في الغلاف الجوي في الصيف أكثر وفرة؛ حيث تتأثر ظروف الغلاف الجوي خلال هذه الفترة بشدة بتدفق الرطوبة من خليج غينيا بواسطة الرياح المصاحبة للرياح الموسمية الأفريقية، ثم ترتفع هذه الكتل الهوائية الرطبة عاليًا عندما تواجه عوائق، مثل الجبال، أو عندما تمر فوق أرض عاكسة للغاية فتنتج تيارات هوائية متصاعدة، وهو ما يؤدي إلى تكوين عواصف كبيرة جدًّا، حيث يؤدي هطول الأمطار فجأة إلى تبريد الهواء عن طريق التبخر عند التلامس مع هواء الصحراء شديد الحرارة.

وبحسب الكاتب، فإنه توجد جيوب من الهواء البارد في البيئة الشديدة الحرارة، إذ تنتج من الاختلاف المفاجئ في كثافة الهواء بين المناطق الدافئة والباردة التي تولد رياحًا قوية جدا، والتي بدورها ترفع الغبار الذي يمكن أن يتجمع على الأرض ويشكل جدرانًا عملاقة من الغبار.

باختصار، يقول الكاتب إن العواصف الاستوائية في الصحراء مصدر هذه العواصف الترابية، التي تسمى “هبوب”، والتي تعني “الرياح القوية”.

ويؤكد الكاتب أنه لا يُعرف إلا القليل جدا عن أصل هذه العواصف؛ فمن ناحية، هي متفرقة بطبيعتها وتنجم عن آليات ديناميكية معقدة. ومن ناحية أخرى، تجعل ظروف الغلاف الجوي عمليات المراقبة صعبة وغالبًا ما تكون وسائل التحقيق محدودة للغاية في المناطق الصحراوية، التي تلعب فيها المراقبة عبر الأقمار الصناعية دورًا رئيسيًّا، مما يجعل من الممكن مراقبة كميات الغبار المتصاعدة في الغلاف الجوي ومسارها إلى مناطق أخرى.

العواصف الترابية تصل إلى مناطق مختلفة جدًّا اعتمادًا على ارتفاعها (غيتي)

ولكن حتى الآن، لا تُميِّز عمليات رصد الأقمار الصناعية التقليدية سوى التوزيع ثنائي الأبعاد لغبار الصحراء عبر رسم أفقي للخرائط يتم إجراؤه باستخدام أجهزة استشعار سلبية، التي تعمل بطريقة مشابهة للكاميرات عالية الأداء.

أهمية الظواهر ثلاثية الأبعاد في تطور العواصف

ويلفت الكاتب إلى أن العواصف الترابية تصل إلى مناطق مختلفة جدًّا، اعتمادًا على ارتفاعها، لأن شدة الرياح واتجاهها يختلفان بشكل كبير عموديًّا، مضيفًا أن تأثيرات الغبار على البيئة تعتمد بشدة أيضًا على مداه العمودي، ولكن يؤثر الغبار القريب من السطح فقط بشكل مباشر على الظروف المعيشية للسكان من خلال تدهور جودة الهواء والرؤية.

ويوضح الكاتب أن الغبار يمكن أن يستقر على السطح، إما بسبب الجاذبية عند ملامسته للأرض، أو بواسطة قطرات المطر؛ حيث توجد التأثيرات على توازن طاقة الأرض وعلى دوران الغلاف الجوي بشكل أساسي على الارتفاعات، حيث يوجد الغبار الذي يمتص ضوء الشمس، وبالتالي يسخن الهواء المحيط به.

وينبه الكاتب إلى أن الأبحاث العلمية الحديثة مكنت من قياس التوزيع ثلاثي الأبعاد للغبار في أثناء حدوث العواصف في قلب الصحراء، لأول مرة من الفضاء، ولا سيما العاصفة الترابية الصحراوية الواسعة التي حدثت في يونيو/حزيران 2020 والتي وصلت إلى منطقة البحر الكاريبي، ثم الولايات المتحدة.

من الشائع خلال فصلي الربيع والصيف أن تجد سيارتك مغطاة بطبقة رقيقة من الغبار الأبيض أو المصفر (غيتي)

ويشرح الكاتب ذلك قائلا إن هذا العمل يعتمد على طريقة مبتكرة تم تطويرها في المختبر المشترك لأنظمة الغلاف الجوي باستخدام مقياس “التداخل السابر للغلاف الجوي بالأشعة تحت الحمراء” (IASI)، الذي يقيس شدة الضوء في الأشعة تحت الحمراء الحرارية بدقة شديدة وبالتفصيل، وفقا لطول الموجة، أي لون الضوء، وتتمثل الميزة الكبرى لهذا المقياس في أن قياساته تغطي سطح الأرض بالكامل مرتين في اليوم، بينما يقوم الليزر برصد الغلاف الجوي فقط تحت مسارات مفصولة بحوالي ألفي كيلومتر في خط الطول.

ويبين الكاتب أن هذه القياسات حساسة للتوزيع العمودي للغبار، مع كونها مفصلة للغاية على المستوى الأفقي، وهو ما يوفر عرضًا ثلاثي الأبعاد لمدى الغبار، وبالتالي يمنح فهمًا أفضل للآليات الديناميكية للعواصف الترابية في الصحراء خلال فصل الصيف، حيث إنها تعطي إمكانات هائلة لدراسة آليات المزج العمودي لغبار الصحراء، فضلًا عن كونه طريقة أصلية لتحسين دقة النماذج الرقمية للتوزيع ثلاثي الأبعاد للغبار.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.