موجة الجفاف الحالية في الصومال خلقت أزمة إنسانية حادة، أثرت على 4.5 ملايين شخص من أصل 15 مليون نسمة هم تعداد سكان الصومال.

مقديشو- كان تأثير جائحة كورونا على حركة الاستيراد والتصدير واضحا في عموم الصومال منذ عام 2020، متسببا في غلاء السلع الاستهلاكية بما فيها المواد الغذائية والوقود، إلا أن تبعات الحرب على أوكرانيا ضاعفت المشكلة متزامنة مع اقتراب حلول شهر رمضان، في بلد منهك بموجات جفاف متكررة وحرب داخلية ووضع اقتصادي هشّ يقدّر فيه معدل الفقر بنحو 73% ومعدل البطالة بنحو 67% ودخل الفرد بأقل من دولارين، وفق البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة.

ويعتمد الصومال في تأمين حاجاته الغذائية بنسبة 80% على الاستيراد، بينما تأثرت المحاصيل الزراعية غير المنتظمة بهزات الجفاف في المواسم الثلاثة الأخيرة، نتيجة عدم هطول الأمطار في مناطق واسعة من جنوب ووسط الصومال، أو شحها في باقي المناطق. ولعل تراكم تلك العوامل والأزمات ضاعف صدمة الغلاء في حركة البيع والشراء.

أسعار ملتهبة

سعدية محمد حائرة لدى مجيئها إلى سوق حمروين بوسط مقديشو لشراء حاجيات أسرتها في شهر رمضان، حيث فوجئت بأسعار ملتهبة للمواد الغذائية الأساسية بشكل لا تكاد تطيقه كثير من الأسر، قائلة “العمل غير مؤمّن والدخل متواضع والأسعار مرتفعة، فكيف يمكن أن نعيش؟!”.

وتضيف في حديث للجزيرة نت “نحن مضطرون في ظل الوضعية الحالية لقبول هذا الواقع وشراء ما تكفيه الشلنات والدولارات التي معنا، وهي بالكاد تغطي نصف احتياجاتنا السابقة. التجار لا يشفقون ولا أحد يتدخل في كبح جماح جشعهم المفرط لكسب ثروة هائلة في وقت قصير”.

غير أن التاجر محي الدين عبدي يقول إن الحركة التجارية في الصومال متأثرة بما يجري في العالم من حروب وأزمات، ففي ظل ذروة أزمة كورونا كانت حركة وصول البضائع المستوردة إلى البلاد بطيئة جدا، مما يجعلها مرتفعة الأسعار نتيجة كثرة الطلب مع قلة المعروض، لكن الحرب على أوكرانيا فاقمت المشكلة حيث ارتفعت تكاليف الشحنات من السلع المستوردة، مما يجبر الموردين على رفع أسعار المواد الغذائية مثل الأرز والدقيق والسكر والزيت والمعكرونة والذرة والقمح وغيرها، بغية جني فوائد معقولة.

ويفعل تجار التجزئة -وهو منهم- الشيء نفسه عند بيع سلعهم، مما جعل حركة البيع فاترة وغير نشطة ومختلفة تماما عن نمطها المعتاد، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار ولجوء كثير من الناس إلى تغيير سلوك شرائهم واستهلاكهم وتقليل مشترياتهم ولا سيما الضروريات من المواد الغذائية واحتياجاتهم الأخرى المرتبطة بشهر رمضان، بحسب ما يقول عبدي للجزيرة نت.

الحرب على أوكرانيا فاقمت أزمة البضائع المستوردة في الصومال (الجزيرة)

تبعات سلبية

وبما أن الغلاء قد أثر على أسعار المواد الغذائية بنسب متفاوتة، فإن الأستاذ عبد العزيز أحمد إبراهيم المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة الصومال يقدّر معدل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ50%، والوقود بـ90%، مما يترتب عليه تبعات سلبية تلقي بثقلها على الطبقة المتوسطة للجوئها إلى ما وفرته سابقا جراء عدم كفاية دخلها لتغطية احتياجاتها، فضلا عن تضاؤل قدرتها على التوفير، مما ينعكس سلبا على مجال الاستثمار.

ويرى إبراهيم أيضا أن الغلاء يعمّق جراح الطبقة الفقيرة والنازحين ويزيد معاناتهم، في ظل استمرار موجة الجفاف التي ضربت مناطق شاسعة من الصومال، وتداعياتها من فقدان كثير من سكانها مواشيهم وأراضيهم الزراعية، وأنه في حال طال أمد الحرب بين روسيا وأوكرانيا واستمرت الأسعار في الصعود وتفاقمت أزمة البطالة، فإن ألم الجوع قد يجبر الفقراء على البحث عن لقمة العيش بوسائل قد تسبب فلتانا أمنيا، بحسب إبراهيم في حديثه للجزيرة نت.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن موجة الجفاف الحالية في الصومال خلقت أزمة إنسانية حادة أثرت على 4.5 ملايين شخص من أصل 15 مليون نسمة هم تعداد سكان الصومال.

وتسبب الجفاف في نزوح 671 ألف شخص من المجتمع الريفي بحثا عن الطعام والماء، بعد نفوق مواشيهم وتعطل مزارع معظمهم في جنوب ووسط الصومال، مما جعل عدد النازحين الداخليين في البلاد يرتفع إلى 2.9 مليون نازح، وبهذا تعقّد انعدام الأمن الغذائي، وبات 7.7 ملايين صومالي بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 2.2 مليون يحتاجون إلى مساعدة عاجلة بحسب المكتب الأممي.

لا شك أن الصوماليين يستقبلون شهر رمضان هذا العام وهم يواجهون أزمة غلاء أسعار خانقة، تضاف إلى أزمات: الجفاف وجائحة كورونا والحرب الدائرة بين الحكومة وحركة الشباب وعدم الاستقرار السياسي، وهي أزمات تعقد أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، وباستمرارها تشتد معاناتهم في ظل غياب حلول قريبة وجذرية تنهي تلك الأزمات أو تخففها.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.