بجسده الضخم ولحيته الكثة يتسوق الفتى محمد عامر، الفلسطيني الأصل، في إحدى محلات البقالة الأميركية الضخمة مرتديا القبعة الأميركية الشهيرة. يقترب من إحدى السيدات التي تروج للمنتجات الغذائية داخل المحل وتدعوه لتناول الحمص بالشوكولاتة. يستنكر محمد دعوتها قائلا “تقولين حمص بالشكولاتة؟ لقد أهنت جدتي”، فترد السيدة معتذرة وهي تقول “لم أكن أعلم أن الحمص أصله مكسيكي”.

يستغرب الفتى من معلوماتها السطحية عن فلسطين والتي تتشابه مع معلومات كثير من الأميركيين مثل ذلك المزارع الذي قابله واشتكى له محمد من ظاهرة سرقة محاصيل الزيتون في موطنه الأصلي. يسأله الرجل أين موطنك؟ فجيب “فلسطين”. فيظن أنها بلدة فلسطين الواقعة في ولاية تكساس قبل أن يوضح صديقهما الثالث أنها إسرائيل، فيظن الرجل أن محمد شخص إسرائيلي ويحييه بشالوم في إطار عدة مواقف كوميدية يتعرض لها الفتى في المسلسل الجديد “مو عامر” على شبكة “نتفليكس” (Netflix) بطولة الممثل الكوميدي الأميركي من أصل فلسطيني محمد عامر ومن إخراج المخرج الأميركي من أصول جزائرية سوليفان “سليك” نعيم.

برز اسم محمد عامر كممثل كوميدي من أصل فلسطيني في الولايات المتحدة الأميركية. وهو يمثل نموذج الحالة المتكررة للفلسطيني في بلاد المهجر خاصة في الدول الغربية. فهو من مواليد الكويت واضطرت أسرته لمغادرة البلاد ككثيرين بعد حرب الخليج عام 1990 واستقر بهم المقام في ولاية تكساس الأميركية

يدور الفيلم حول مسألة صدمة النزوح التي يتعرض لها المهاجرون مع أوطانهم الجديدة، وتتناول القصة لجوء الشاب مو إلى هيوستن بولاية تكساس بصحبة أخيه الأكبر وأخته وأمه، وسعيه إلى الحصول على حق اللجوء ومن ثم الجنسية الأميركية. والمسلسل الجديد يقدم موضوعا تقليديا عن الصعوبات التي تواجه اللاجئين العرب القادمين في الولايات المتحدة، خاصة ما يتعلق منها بأوضاعهم القانونية وتحدي الاندماج والتأقلم مع الاختلافات الثقافية والدينية واللغوية. لكن الجديد الذي يقدمه المسلسل أنه تناول قضية حساسة من الناحيتين السياسة والاجتماعية في الولايات المتحدة وهي القضية الفلسطينية.

ليس هذا وحسب، بل أيضا يتناولها في إطار كوميدي ساخر لنكتشف كيف ينظر المواطن الأميركي للشعب الفلسطيني وقضيته من خلال المواقف اليومية. كما يبين المشاكل الهيكلية داخل المجتمع الأميركي من ناحية نظام التأمين الصحي وقوانين اللجوء التي تحرم طالب اللجوء من العمل القانوني ريثما يتم البت في طلبه.

الجديد أيضا في هذا المسلسل أنه رغم القالب الكوميدي إلا أنه يقترب من مساحات واقعية قلما تطرقت إليها الدراما الأميركية بهذا العمق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وهي المساحة الإيمانية وعمق العلاقة مع الله تعالى في مواجهة مشكلات الحياة. وهنا نكتشف كيف يلعب البعد الإيماني الغيبي دورا في حياة البطل “مو النجار” وحياة والدته وكيف يترجمان هذا البعد في التعامل مع المجتمع متعدد الثقافات والديانات في الولايات المتحدة الأميركية.

المسلسل من تأليف الممثل محمد عامر نفسه بالاشتراك مع الممثل الأميركي من أصل مصري رامي يوسف وهو الممثل الذي حاز مسلسله الكوميدي “رامي” عبر منصة “هولو” (Hulu) على جائزة أحسن ممثل في مسابقة الغولدن غلوب الدولية قبل عامين. ويشارك في البطولة الممثلة الأردنية من أصول فلسطينية فرح بسيسو والممثل الأميركي من أصل مصري عمر علبة.

ظاهرة محمد عامر

برز اسم محمد عامر كممثل كوميدي من أصل فلسطيني في الولايات المتحدة الأميركية. وهو يمثل نموذج الحالة المتكررة للفلسطيني في بلاد المهجر خاصة في الدول الغربية. فهو من مواليد الكويت واضطرت أسرته لمغادرة البلاد ككثيرين بعد حرب الخليج عام 1990، واستقر بهم المقام في ولاية تكساس الأميركية. ولم تنته صعوبات حياته بعد الهجرة للولايات المتحدة، إذ كان عليه أن ينتظر 20 عاما حتى يحصل على الجنسية الأميركية. خلال هذه الفترة برز اسم عامر في مجال الكوميديا، وكان يتخذ من معاناته مع وثيقة السفر مادة للسخرية، إذ سافر بهذه الوثيقة إلى 40 دولة حول العالم وتعرض لكثير من الصعوبات بسببها مع موظفي الهجرة في المطارات.

وتنبع أهمية المسلسل الجديد من أنه يعد سيرة ذاتية لمحمد عامر أو بالأحرى للحالة الفلسطينية المتكررة ومعاناتها في المهجر الغربي الذي يظن كثيرون أنهم بمجرد الوصول إليه قد تركوا كل مشاكلهم على الضفة المقابلة من المحيط التي تركوها.

كما تعد موهبة الكتابة لدى محمد عامر مع رفيقه رامي يوسف حدثا يستحق الاحتفاء لسببين: أولهما هو اكتشاف بعد إبداعي آخر بعيد عن التمثيل وهو التأليف. وثانيهما هو القدرة على الوصول بالسيرة الشخصية بكل ما تحمله من آلام إلى حبكة كوميدية تثير الضحك. وغني عن البيان أن القضايا العربية لا سيما الإنسانية منها هي مادة تراجيدية بالأساس تثير من البكاء أكثر ما تثيره من الضحك، وخاصة إذا تعلق الأمر بقضية فلسطين وأهلها.

وربما لم تكن مصادفة أن يكون رامي يوسف هو شريك محمد عامر في كتابة قصة هذا المسلسل، لأن رامي نفسه نجح في أن يجعل من مادة حياته ونشأته في ولاية نيوجيرسي الأميركية حبكة فكاهية في مسلسل يحمل اسمه (رامي) على شبكة هولو. ورامي هو من كتب هذا المسلسل بالاشتراك مع آري كاتشر وريان ويلش. وأهمية هذه التجارب أنها تعيد الاعتبار لفكرة التركيز على التجربة الشخصية أو فكرة دراما وسينما السيرة الذاتية.

وسينما أو دراما السير الذاتية محدود جدا في العالم العربي، وإن وجدت فإنها تتناول الشخصيات التاريخية وبعض الشخصيات السياسية من دون التركيز على سير المفكرين والأدباء والعلماء، ناهيك عن أن تكون هذه السيرة هي سيرة مؤلف أو مخرج العمل الدرامي أو السينمائي كما في حالة محمد عامر ورامي يوسف. ولهذا فإن هذه السير الكوميدية تقدم للمشاهد جانبا حياتيا واقعيا مهما سيثير ولا شك فضول المشاهد الغربي باعتبار أن مسرحه الأساسي في الولايات المتحدة، لكنه سيصل إلى المشاهد العربي عبر منصة نتفليكس التي تقدم هذه الأعمال مترجمة ومدبلجة. وبالتالي فهي تفتح بابا مهما أمام الجيل الجديد من المؤلفين والمخرجين للتعامل مع السير الذاتية لهم ولغيرهم من الشخصيات كمادة فنية قابلة للتشكل.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.