بيروت – شكل فوز شخصيات من القوى المنبثقة عن المجتمع المدني -بما لا يقل عن 12 مقعدا برلمانيا- تطورا يختبره لبنان لأول مرة في انتخابات جرت بظروف استثنائية.

وتعددت التسميات لهذه القوى الوافدة حديثا، بين من يلقبها بقوى “الثورة” تيمنا بحراك 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أو قوى “التغيير” أو “المعارضة”، علما أن فوزهم لم يتحقق بإطار ائتلاف منسق ولا ضمن برنامج موحد.

لذا، يقف عند مستقبلهم السياسي الكثير من التحديات، وأولها اختبار قدرتهم على التماسك في كتلة موحدة مقابل كتلة حزب الله وحلفائه، وحزب القوات اللبنانية وحلفائها، إضافة إلى نواب مستقلين آخرين.

وتتمحور الأسئلة وفق محللين حول قدرتهم على التأثير داخل النظام اللبناني، وكيفية مقاربتهم لمختلف الملفات السياسية والمدنية والاقتصادية والإقليمية، لأنهم لم يأتوا جميعا من خلفيات وأيديولوجيات متجانسة.

خروقات صائبة

ودخل هؤلاء النواب الانتخابات تحت 60 لائحة للقوى “التغييرية”، من بين 103 لاوائح. وكان لافتا طبيعة الخروقات التي سجلوها بدوائر صعبة ومعقدة، نظرا لاعتباراتها السياسية والطائفية والحزبية.

مثلا، في دائرة الجنوب الثالثة التي يتمحور فيها حضور ثنائي حزب الله وحركة أمل، تمكنت لائحة “معا نحو التغيير”، من الفوز بمقعدين برلمانيين، أحدهم للنائب المنتخب عن المقعد الأورثوذكسي إلياس جراده، والثاني عن المقعد الدرزي للنائب المنتخب فراس حمدان (35 عاما)، وهو أصغر النواب سنا، سبق أن سقط جريحا إثر إصابته بصدره في مظاهرة أمام البرلمان عقب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، وتمكن من الفوز بدل مرشح الثنائي، المصرفي اللبناني مروان خير الدين.

وفي حديث سابق مع الجزيرة نت، قال الأكاديمي علي مراد، الذي كان مرشحا بهذه اللائحة “إن هدفنا تحقيق إنجاز تاريخي بوجه الثنائي وكسر حصرية تمثيلهم جنوبا”.

وفي دائرة بيروت الثانية -حيث كان يتمحور حضور تيار “المستقبل” وزعيمه سعد الحريري- استطاعت لائحة “بيروت التغيير” الفوز بـ3 مقاعد، من بين 11 مقعدا، بمعركة وصفها كثيرون بالشرسة نتيجة الصراع على جذب الأصوات السنية بعد غياب الحريري.

وقبيل الانتخابات، قال النائب المنتخب عن المقعد السني إبراهيم منيمنة للجزيرة نت “نسعى لكسر أحادية تمثيل الطائفة بغياب الحريري، وإعطاء مؤشر لأهل بيروت أن الاتكال على زعيم واحد، خطر كبير عليها”.

وفي دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف عاليه) التي يتمحور فيها حضور الطائفة الدرزية وزعامة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، استطاعت لائحة “توحدنا للتغيير” كسب 3 مقاعد من 13 مقعدا.

وهنا، يقول النائب المنتخب عن المقعد الدرزي مارك ضو، إن مرشحي لائحتهم عملوا على قاعدة شبابية واسعة النطاق، وتضاعف رصيدها بعد حراك 17 أكتوبر/تشرين الأول، “حتى تنامت شبكة من الناشطين توازي قواعد بعض الأحزاب التي أصرت بالجبل على تجاهل وجودنا”.

وسجلت هذه الدائرة سقوط زعامات ونواب لأول مرة من حلفاء حزب الله، مثل النائبين الدرزيين السابقين وئام وهاب والأمير طلال أرسلان.

ومارك ضو أكاديمي وناشط سياسي برز بحراك أكتوبر/تشرين الأول. ويوضح للجزيرة نت أنه يسعى مع آخرين “لتشكيل تكتل مشترك بين النواب التغييريين، لأن خطتنا إنقاذية، عبر العمل تشريعيا نحو استقلالية القضاء”.

لكن، كيف ستتعاملون مع الاستحقاقات المرتقبة من انتخاب رئيس للبرلمان إلى تشكيل حكومة فانتخابات الرئاسة؟ يجيب ضو “بما يخص رئاسة البرلمان، قدرتنا محدودة جدا على التأثير بالخيار في ظل تمسك الثنائي بمرشحه نبيه بري، وغير قادرين على اختيار هوية رئيس جديد تفاديا للصدام، لكن سنسعى للدفع باتجاه التغيير بهذه المسألة”.

ولجهة تشكيل الحكومة، فـ”سيكون لنا تأثيرنا ومرشحنا، ونسعى للدفع نحو تشكيل حكومة من المستقلين، ولن نشارك فيها إذا كانت حكومة سياسية من القوى التقليدية”.

وينفي ضو إمكانية أن يسعى حزب الله والقوات لجذب أفراد منهم إلى صفوفهما. ومع ذلك، يؤكد أن “ملف سلاح حزب الله هو على قائمة أجندته مع حلفائه الجدد، ويسعى لعرضه ضمن المؤسسات بطريقة شفافة، إذ لا حل للبنان بلا حل سياسي واقتصادي وأمني شامل، ولا يمكن الرجوع إلى معادلة التسعينيات على قاعدة أن السلاح والحرب شيء والاقتصاد شيء آخر”.

وبالتوازي يقول النائب المنتخب بدائرة البقاع الثانية عن المقعد السني ياسين ياسين على لائحة “سهلنا والجبل”، إن فوزهم هو “انتصار لشرعية انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول بعدما أرادت السلطة تبديدها وخرقها بالفتن الطائفية والسياسية لقمع الناس عن المطالبة بأبسط حقوقها”.

وفي البقاع الثاني، يبرز حضور الأحزاب التقليدية وفي طليعتها تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، وشخصيات سنية ومسيحية نافذة موالية لحزب الله، وقد سقط فيها لأول مرة نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي على اللائحة المدعومة من حركة أمل والتيار الوطني الحر.

وياسين هو رجل أعمال ومستثمر، يشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن دخولهم إلى البرلمان هو “للوقوف بوجه منظومة الفساد التي أفقرت اللبنانيين وهجرتهم، وعنواننا هو ثورة أكتوبر/تشرين الأول وإقرار قوانين تشريعية تكرس المحاسبة”.

ويقول “نريد بناء الدولة خارج الاصطفافات السياسية والطائفية وحصر شرعية السلاح بيد الجيش اللبناني”. ويؤكد على مساعيه لتشكيل تكتل موحد، “رغم أننا لم نعرض بعد كامل وجهات نظرنا على طاولة واحدة”.

كتلة متماسكة؟

يعد الباحث اللبناني وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد، أن فوز هؤلاء النواب، يمكن وضعه بسياق “اعتراضي واسع، يرى بالسلطة أنها مسؤولة عن الانهيار الاقتصادي والأزمات السياسية وترفض الإصلاحات الجدية، وضغطت على القضاء لمنع التحقيق بجريمة انفجار مرفأ بيروت”.

ويعتقد الباحث -في حديث مع الجزيرة نت- أن المشترك بينهم هو خصائص التصويت لهم أكثر مما هو برامج ورؤى وخلفيات. بمعنى أن “جميعهم فازوا بأصوات اعتراضية، وكانت بنسبة عالية من الجيل الشاب، وهو ما يُعرَض مسألة سن الاقتراع بقانون الانتخاب، وضرورة خفضه من الـ 21 عاما إلى 18 عاما”. إضافة إلى أن شريحة ممن صوتت لهم، “أرادت فقط تسجيل موقف اعتراضي ضد الأحزاب التقليدية التي تهيمن على مناطقها، وتتحكم بلبنان منذ انتخاب أول برلمان (1992) بعد الحرب الأهلية”.

والمشترك بين هؤلاء النواب، وليس جميعهم، هو أن بعضهم يحمل أفكارا تتجاوز السياسة والاقتصاد، ومرتبطة بتنظيم المجتمع، والحريات الخاصة والعامة والقضايا النسوية وقوانين الأحوال الشخصية والقضايا البيئية، وجميعها كانت مغيبة عن السجال بالأطر السياسية المعروضة الرسمية منذ عقود.

ومع ذلك، يستبعد الباحث أن يتمكنوا من رصّ صفوفهم والتماسك على المدى الطويل بوجه تكتلات الأحزاب التقليدية ومعاركها. وقال “لا أعتقد أنهم يحملون نفس الرؤى السياسية والمواقف من الاستحقاقات المرتقبة”، مرجحا أن تبرز بصفوفهم تيارات أو اتجاهات متباينة بما يخص الاقتصاد والقضايا المجتمعية كمسائل الزواج المدني وحقوق المرأة والحريات الخاصة.

ويتوقع أن يغيب التجانس فيما بينهم حول الموقف من المصارف وكيفية توزيع الخسائر والمفاوضات مع صندوق النقد والبنك الدولي، إضافة إلى الموقف من نفوذ حزب الله وسلاحه، وهي مسائل شائكة وشديدة التأثير على اللبنانيين؛ في حين قد “يتوافقوا على تعديلات قانونية مرتبطة بالقضاء أو اللامركزية الإدارية مثلا، وهي ملفات يصعب تحقيق أهدافها بسهولة”.

ويرجح الباحث أن يُظهِر سلوكهم على المدى المتوسط مدى جهوزيتهم وقدرتهم على تشكيل نواة صلبة، واختبار نموذج عملهم البرلماني، ومدى صمودهم أمام محاولات جذبهم للانخراط بمسالك الفساد والاصطفافات التي يغرق بها عادة الوافدون إلى نظام الحكم في لبنان.

وعليه، فإن لبنان برأي زياد ماجد، أمام مشهد سياسي جديد، لا أكثريات حاسمة فيه لأحد، بل متحركة وفق كل ملف. لكن “حزب الله ما يزال الأقوى لعدة أسباب منها سعة تحالفاته وسلاحه وقدرته التعبوية. فيما الطوائف الأخرى أصبح تمثيلها السياسي بالبرلمان غير محصور بجهة واحدة، ما يطرح إشكاليات النظام الطائفي وتداعياته على الحكم واللبنانيين”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.