مع بلوغ الثلاثينيات، تتراجع قدرة الجسم على ضخ الأكسجين في جميع أنحائه ويتسارع خفقان القلب، فضلا عن تراجع كتلة العضلات وخفة حركة الجسم، لكن لدى لاعبي كرة القدم يختلف الأمر تماما، وهو ما يؤكده تألق كريم بنزيمة وليفاندوفسكي وإبراهيموفيتش.

وفي مقاله الذي نشرته صحيفة “الغارديان” (The Guardian) البريطانية، قال الكاتب بن ولش إن هداف دوري أبطال أوروبا هذا الموسم روبرت ليفاندوفسكي البالغ من العمر 33 عامًا بالفعل سجّل أكثر من 30 هدفًا في الدوري الألماني، أما تشيرو إيموبيلي البالغ من العمر 32 سنة فقد كان أفضل هداف في الدوري الإيطالي.

ويتصدّر كريم بنزيمة البالغ من العمر 34 سنة ترتيب الهدافين في الدوري الإسباني، وأخذ وسام بن يدر البالغ من العمر 31 سنة لَقَب هداف الدوري الفرنسي. ومن هذا المنطلق، لسائل أن يسأل: كيف يستمر هؤلاء المهاجمين المخضرمين في الازدهار في نهاية مسيرتهم المهنية؟

ويذكر الكاتب أن الرياضيين يبلغون ذروة قوتهم في منتصف العشرينيات من العمر ثم يبدأ أداؤهم في التراجع، فحسب البيانات المستخرجة من سجل أرقام الدوري الإنجليزي الممتاز، قدّم آندي كول، الذي يحتل المركز الثالث في قائمة الهدافين في الدوري الإنجليزي الممتاز، أفضل  أداء له في موسم واحد من خلال تسجيله 41 هدفًا في موسم 1993-1994 عندما كان يبلغ من العمر 23 عامًا، كما سجل روبي فاولر 36 هدفًا في موسم 1995-1996 عندما كان يبلغ من العمر 21 عامًا، ولا يمكن نسيان النجاح الذي حققه أعظم هداف في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، آلان شيرر، في موسم 1994-1995، عندما سجّل 34 هدفًا في سن الـ25.

تأثير الإصابات

وحسب الكاتب، يقول نيك غرانثام، اختصاصي تحسين الأداء الذي يعمل مع لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز، إن اللاعبين الشباب يمتلكون قدرات يافعة، مثل السرعة والقوة وقدرة التحمل، “ولهذا السبب غالبًا ما يكون أداؤهم مذهلًا في ساحة الملعب، لكن أداءهم يتراجع عند مواجهتهم منافسة شديدة من قبل أقرانهم. وعادة يكون أفضل اللاعبين قادرين على خوض مباريات كل 3 إلى 4 أيام، حيث يمكنهم الركض بأقصى سرعاتهم في ساحات الملعب من أجل حسم النتيجة لمصلحة فرقهم، لكن التعافي من الإصابات التي يمكن أن يتعرضوا لها أثناء المنافسات تمثل تحديًا لهم”.

ويشير الكاتب إلى أن كل الاصطدامات والسباقات والتسديدات والرأسيات لها  تأثير في الجسم؛ حيث تتحول تلك الإصابات البسيطة إلى مشاكل صحية طويلة الأمد مع الوقت، في حين يقول مو جيمبل، المدير السابق لعلوم الأداء البدني في ساوثهامبتون، “يمكن أن تتعرض لإصابة طفيفة جدا عندما تكون لاعبًا شابا، ولكن عندما تبلغ الثلاثينيات من العمر تصبح مشكلة الغضروف البسيطة في ركبتك أكثر حدّة”.

وأضاف “إذا تعرضّت لالتواء في أحد كاحليك من 10 إلى 12 مرة في حياتك المهنية فسيصبح المفصل غير مستقر في النهاية ويبدأ في الاحتكاك، وتصبح إمكانية التعافي من الإصابة ضئيلة، ولذلك يصبح الألم شديدًا”.

طرق الاستشفاء الحديثة

ويؤكد الكاتب أن التطورات العلمية قدّمت طرائق جديدة تُمكن من إبطاء آثار الشيخوخة، فضلا عن أن طريقة تفكير الجيل الجديد من المديرين لعبت دورًا كبيرا في الحفاظ على صحة اللاعبين وعدم تدهورها مع التقدم في العمر.

ويتابع الكاتب مع جيمبل، الذي بدأ في ساوثهامبتون بصفته طبيبًا للعلاج الطبيعي بالفريق الأول منذ 23 عامًا، والذي قال “كنا نستخدم الحمامات الجليدية التي تكون عبارة عن صندوق مملوء بالماء والجليد. لدينا حاليا غرف تبريد تعرض الجسم بالكامل لدرجات حرارة منخفضة تبلغ -150 درجة مئوية، بدلًا من الوقوف في هذه الصناديق التي تصل إلى خصرك فقط. وتساعد هذه الغرف على الشفاء (والاستشفاء) بسرعة عن طريق تقليل آلام العضلات والالتهابات”.

ويلفت الكاتب إلى أن معظم اللاعبين يتخرجون في الأكاديمية بعد تلقيهم تعليمًا عن اللياقة البدنية والتغذية، كما باتت هناك مجموعات واتساب تقدم نصائح للتدريب وخططا للنظام الغذائي، ولهذا السبب أصبح لاعبو كرة القدم يتسمون باحترافية أكثر، ويوضح غرانثام أن “سلالة مختلفة من الرياضيين ظهرت على الساحة العالمية”، ويضيف أن “علم الرياضة من أحد الأسباب التي جعلت اللاعبين يبرزون في الثلاثينيات من العمر؛ حيث كانوا يتبعون أنشطة بدنية ونظامًا غذائيًّا متوازنًا منذ بداية حياتهم المهنية”.

ويرى الكاتب أن هذا التأثير المضاعف لهذه التربية الرياضية ينعكس في ارتفاع عمر اللاعبين المتنافسين في دوري الأبطال، فقد وجد باحثون من جامعة “فيجو” أن متوسط عمر اللاعبين في المنافسة بين موسمي 1992-1993 و2017-2018 زاد بمقدار 1.6 عام، أي من 24.9 سنة إلى 26.5 سنة.

ويبيّن الكاتب أنه لدرء علامات الشيخوخة، حرص العديد من اللاعبين على اتباع نمط حياة صحي والاستثمار في صحتهم، فعلى سبيل المثال يمتلك جيمي فاردي، الذي سجل 94 من أصل 128 هدفًا في الدوري الإنجليزي الممتاز عندما كان في الثلاثينيات من عمره، رقعة خضراوات في بيته وغرفة تجميد، ويستخدم ليفاندوفسكي مدربًا للنوم ويحرص على شرب عصير الشمندر، كما يرتدي كريستيانو رونالدو أحزمة “الرغبي” المعززة للسرعة.

أعجوبة إبراهيموفيتش

وينظر الكاتب إلى زلاتان إبراهيموفيتش، البالغ من العمر 40 عامًا، على أنه أعجوبة جسدية، فعندما انضم إلى مانشستر يونايتد في عام 2016، عن عمر ناهز 34 عامًا، حطّم الرقم القياسي للنادي في الأداء خلال فترة علاجه الطبي، وأنهى الموسم في مرتبة أفضل هداف، وفاز بالدوري الأوروبي وكأس الدوري، وعندما عاد إلى ميلان في عام 2020 أسهم في إعادة ميلان إلى دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى بعد 7 سنوات برصيد 15هدفًا في 19 مباراة بالدوري.

ويرى الكاتب أن أداء إبراهيموفيتش كان مثيرًا للإعجاب لا سيما أنه عانى من إصابة هددت حياته المهنية في عام 2017، بعد أن تعرض لأضرار في أربطة الركبة، وكان من المقرر إبعاده عن الملاعب 9 أشهر أو حتى إنهاء مسيرته، لكن إبراهيموفيتش المتحصل على الحزام الأسود في التايكوندو عاد إلى الملاعب في غضون 7 أشهر، وهو ما قال عنه إبراهيموفيتش “إذا كان هناك عرض مثير للاهتمام فيمكنني اللعب بالمستوى ذاته حتى أبلغ من العمر 50 عامًا”.

هل الحمض النووي السبب في التألق؟

ويتساءل الكاتب عما إذا كان سرّ أداء بعض اللاعبين يكمن في حمضهم النووي. في هذا الصدد، يوضح جيمبل “هناك أدلة متزايدة تدعم هذه النظرية”، متابعًا “منذ عام 2006 خضع نادي ساوثهامبتون لدراسة بحثية في جامعة نوتنغهام، تبحث في الحمض النووي واللعاب. وكنا ندرس علامات الكولاجين وإذا كان وجودها مرتبطًا بحالة الإصابة، والكولاجين بروتين يدعم الأوتار والأربطة؛ لذلك من الناحية النظرية إذا كان مستوى الكولاجين لديك ضعيفًا، فإن المنطق يقول إنك ستكون أكثر عرضة للإصابة، وإذا كان  مستوى الكولاجين لديك مرتفعًا فستكون أكثر قوة وقدرة على الشفاء على نحو أسرع”.

ويشدد الكاتب على أن الجينات وتجنب الإصابات والاجتهاد يمنحان اللاعب القدرات البدنية لتقديم أداء جيد في الملعب، لكن تسجيل الأهداف، المهارة الأكثر طلبًا وصعوبة، يتطلب ذكاء يمكن أن يتطور مع التقدّم في العمر، حيث يقول جيمي كوريتون، الذي سجل 20 هدفًا عن عمر ناهز 39 عامًا، “مع تقدمي في السن، شعرت أنه كان بإمكاني اللعب أفضل لأنني فهمت اللعبة بوجه أفضل من أي وقت مضى”.

وحسب الكاتب، تظهر البيانات تراجع الأداء البدني للاعبين الذين تزيد أعمارهم على 30 عامًا، فبعد تحليل أداء 10.739 لاعبين من الدوري الإسباني في موسم 2017-2018 اكتشف الباحثون أن كلا من المسافة الإجمالية المقطوعة والركض العالي الكثافة والسرعة القصوى انخفض انخفاضا ملحوظا لدى اللاعبين المتقدمين في السن. وفي المقابل، تحسّن الأداء الفني اللاعبين الكبار في السن، حيث كانت نسبة التمريرات الناجحة التي يجرونها أعلى بنسبة تراوح بين 3% و5% لدى اللاعبين الذين تزيد أعمارهم على 30 عامًا مقارنة باللاعبين الذين تراوح أعمارهم بين 16 و 29 عامًا.

وينقل الكاتب عن كوريتون قوله إن تعطشه للعب يزداد كلما تقدم في السن، وعلى الرغم من أن مسيرته المهنية على وشك الانتهاء فإنه لا يرغب في مغادرة عشب الملاعب، وهو الأمر نفسه لدى المهاجمين الأكبر سنًّا الآخرين، مثل إبراهيموفيتش، فهم يلعبون ليس من أجل جني المال؛ فلقد حققوا مسيرة مهنية ناجحة، ولكن لأن لديهم رغبة جامحة في مواصلة اللعب ومواجهة قسوة التدريبات والمباريات.

المهاجمون أكثر شغفا من المدافعين

ويقول كوريتون “من الأسهل على المهاجمين الاستمرار في اللعب أكثر من المدافعين لأننا نستمتع بتسجيل الأهداف. فأنت تريد أن تبلغ من العمر 40 عامًا ولا تزال تسدد الرأسيات وتهز شباك المرمى. وبصفتك مهاجمًا، فأنت لا تريد أن تفارق ذلك الشعور بالنشوة عند تسجيل هدف. لهذا السبب، ما زلت ألعب خارج الدوري؛ فكل هدف أحرزه في هذه المرحلة من مسيرتي يمكن أن يكون الأخير”.

وتظهر البيانات أن هناك خسارة واضحة في الأداء البدني للاعبين الذين تزيد أعمارهم على 30 عامًا، فبعد تحليل أداء 10.739 لاعبين من الدوري الإسباني في موسم 2017-2018 اكتشف الباحثون أن كلا من المسافة الإجمالية المقطوعة والركض العالي الكثافة والسرعة القصوى التي بلغت أكثر من 30 ثانية انخفض بشكل ملحوظ. ومع ذلك، يبدو أن الأداء الفني يتحسن في اللاعبين الكبار، فقد كانت نسبة التمريرات الناجحة أعلى بنسبة 3-5% في اللاعبين الذين تزيد أعمارهم على 30 عامًا مقارنة باللاعبين الذين تراوح أعمارهم بين 16 و 29 عامًا.

لكن لا شيء من هذا ممكن من دون الطبيعة المهووسة للمدمن الذي يطارد النشوة الحلوة لتلك النشوة الأولى. يقول كوريتون “أصبح جائعا للعب أكبر كلما تقدمت في السن، أنا على وشك الانتهاء ولا أريد أن يحدث ذلك. إنه الشيء نفسه لدى المهاجمين الأكبر سنًّا الآخرين”.

 

 


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.