القاهرة- بعد نحو 12 عاما، يبدو أن السلطات المصرية قررت إسدال الستار على القضية رقم 173 لسنة 2011، والمعروفة باسم قضية “التمويل الأجنبي” التي تُتّهم فيها 85 منظمة حقوقية، غالبيتها ترصد أوضاع الحريات وحقوق الإنسان.

وأصدرت محكمة مصرية، أمس الثلاثاء، قرارا بخصوص 75 منظمة تعمل داخل البلاد وتشملها الاتهامات، وينص القرار على عدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضدها.

ويترتب على ذلك إلغاء كافة قرارات المنع من السفر، والوضع على قوائم ترقب الوصول بالمطارات، والتحفظ على الأموال الصادرة بحق المتهمين.

ولفتت وزارة العدل، في بيان لها، إلى أن التحقيقات المتعلقة بباقي المنظمات -وعددها 10- على وشك الانتهاء، ويجري التحقيق بشأن أخرى.

ويأتي القرار القضائي في اليوم الذي كشفت فيه الهيئة الوطنية للانتخابات عن قرب إعلان موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، التي يُفترض -دستوريا- أن تجرى العام القادم.

كذلك شهدت الأسابيع الماضية إطلاق سراح عدد من الحقوقيين والنشطاء السياسيين بعفو رئاسي بعد سنوات من اعتقالهم، ومنهم المحامي محمد الباقر، والباحث الحقوقي باتريك زكي، والناشط السياسي أحمد دومة، وكان دومة مسجونا لمدة 10 سنوات كاملة.

آمال بشأن اتساع مجال الحريات خلال الفترة المقبلة في مصر (الجزيرة)

مسار القضية

تعود مجريات قضية التمويل الأجنبي إلى يوليو/تموز 2011، عندما قررت الحكومة المصرية تشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن المنظمات الحقوقية الأجنبية غير المرخص لها العمل داخل البلاد، فضلا عن تلقي منظمات محلية تمويلات أجنبية.

وفبراير/شباط عام 2012، تمت تسمية 37 منظمة مخالفة، وإحالة 43 ناشطا حقوقيا -بينهم 19 أميركيا، و5 صرب، وألمانيَين اثنين، و3 من جنسيات عربية- إلى محكمة الجنايات بتهمة تلقي تمويل أجنبي خلافا للقانون واستعمال ذلك التمويل في أنشطة محظورة.

وفي خطوة أثارت جدلا كبيرا حينئذ، صدر حكم قضائي بإلغاء حظر السفر المفروض على المتهمين الأجانب في القضية بعد دفع كفالة مليوني جنيه لكل منهم، وحينها غادر 9 أميركيين و8 من جنسيات أخرى من المتهمين في القضية الأراضي المصرية على متن طائرة أميركية خاصة.

ويونيو/حزيران 2013، قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة 27 متهما غيابيا بالسجن 5 سنوات، وبمعاقبة 5 آخرين حضوريا بالحبس سنتين، و11 آخرين بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ.

لكن القضية لم تغلق عند ذلك، فظل ملفها مفتوحا لإدراج نشطاء ومنظمات مصرية ودولية على قائمة الاتهام، فبعد 3 سنوات صدر قرار بمنع الناشطين حسام بهجت وجمال عيد وأسرتيهما و5 آخرين من التصرف في أموالهم لارتباطهم بقضية “التمويل الأجنبي”.

ثم أيدت محكمة الجنايات عام 2017 قرارا بمنع السفر والتحفظ على أموال ناشطتين حقوقيتين، هما مزن حسن وعزة سليمان.

وفي مقابل الاتهامات، كانت هناك أحكام بالتبرئة، ففي عام 2018 صدر قرار ببراءة 41 متهما، جميعهم من العاملين بالمعهد الجمهوري للشؤون الدولية، والمعهد الوطني الديمقراطي، ومؤسسة “فريدم هاوس” والمركز الدولي للصحفيين، ومنظمة كونراد إديناور.

وعام 2020، حدثت انفراجة أخرى بتبرئة 20 منظمة من التهم الموجهة إليها في القضية، وفي العام التالي، صدرت قرارات متتابعة على مدار أشهر بحفظ التحقيقات بشأن 51 منظمة حقوقية.

تثمين الخطوة

وفور صدور القرار القضائي بتبرئة المنظمات الحقوقية الثلاثاء، ثمّنت القرار أحزاب سياسية، مثل مستقبل وطن والمؤتمر والاتحاد ، واعتبرته “استكمالا لجهود الدولة في دعم الملف الحقوقي، وتعبيرا عن صدق السلطة في فتح المجال العام”.

كما أشار “مجلس أمناء الحوار الوطني” إلى أن هذه الإجراءات تصب في صالح الأجواء الإيجابية التي تبعث على الثقة في مسار الحوار الوطني، وترسخ الاتجاه نحو الجمهورية الجديدة.

وقالت أمينة سر لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ رشا إسحاق إن البيان الصادر من وزارة العدل بخصوص قضية “التمويل الأجنبي” يؤكد اهتمام السلطة بملف حقوق الإنسان من خلال خطوات جادة وحقيقية.

وبدوره، اعتبر رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان محمد ممدوح أن تبرئة المنظمات الحقوقية إحدى أهم مراحل تعزيز المشاركة بالشأن العام. وأكد -في تصريح صحفي- أن ملف المنظمات الحقوقية كان له أثر بالغ في توتر العلاقة بين منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة، “بالإضافة لاستخدامه لدى البعض لتشويه الصورة الخارجية للدولة المصرية”.

“قرار متأخر”

من جهته، رأى مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي أن القرار القضائي الأخير بشأن المنظمات الحقوقية يستحق الإشادة “رغم أنه تأخر كثيرا، وترتبت على تأخره أضرار معنوية ومادية بممثلي المؤسسات الذين تم التحفظ على أموالهم ومنعهم من السفر، كذلك تأثر المجتمع المدني والعمل الحقوقي بشكل عام”.

وأعرب بيومي، في تصريح للجزيرة نت، عن أمله في تغير نظرة السلطات المصرية لمؤسسات العمل المدني، مطالبا بتعديل تشريعي “يضع حدا لبقاء القضايا معلقة ورهن التحقيقات لفترات طويلة كقضية التمويل الأجنبي”.

وعن رؤيته لمستقبل الحريات في ظل العفو الرئاسي عن عدد من المعتقلين وتبرئة منظمات حقوقية، قال المحامي الحقوقي إن القرارات الأخيرة جيدة بلا شك، لكنها في الوقت نفسه لا تؤهل للبناء عليها بخصوص رؤية مستقبلية للحريات في البلاد.

واستطرد موضحا أن “القرارات شملت عددا قليلا، وغفلت عن مئات داخل السجون، مثل المرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح، والناشط السياسي علاء عبد الفتاح، وعائشة الشاطر ابنة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر”.

صورة1 الانفراجة بملف المنظمات الحقوقية يتزامن مع قرب اجراء الانتخابات الرئاسية- مصر- لجنة انتخابية- تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدامها
الانفراجة بملف المنظمات الحقوقية تتزامن مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية (الجزيرة)

تمهيد للانتخابات

من جانبه، شكك مدير مركز “ضحايا لحقوق الإنسان” هيثم أبو خليل في موقف السلطة الأخير من المنظمات الحقوقية، واعتبره “خطوة تجميلية محسوبة بدقة”.

وأوضح أبو خليل -للجزيرة نت- أن حدوث انفراجة في ملف المنظمات الحقوقية خطوة لا تغضب القوى الإقليمية الداعمة للنظام الحاكم، التي تدعمه في ما وصفها بـ”الممارسات الاستبدادية”، وفي الوقت نفسه ترفع الحرج عن القوى العالمية المُلامة على دعم نظام مستبد، حسب قوله.

وربط أبو خليل بين تبرئة المنظمات الحقوقية وقرب إجراء الانتخابات الرئاسية، وأردف أن “تلك الانتخابات ستكون مسرحية وأتوقع أن تُرتكب خلالها انتهاكات تفوق كل ما يحدث بمصر من ممارسات قمعية”.

وتوقع الناشط الحقوقي مزيدا من الخطوات في ما يخص الإفراج عن نشطاء سياسيين ورفع القيود عن منظمات حقوقية خلال الفترة المقبلة، لكنه استبعد تماما أن تتضمن هذه الانفراجة التيار الإسلامي.

خطوات سابقة

على مدار الأعوام الأخيرة، تدفع السلطات المصرية بقرارات رُوج لها باعتبارها تنحاز لحقوق الإنسان ودعم المجتمع المدني، ففي عام 2019، صدر قانون الجمعيات الأهلية الجديد خاليا من عقوبة الحبس التي كانت تصل إلى 5 سنوات بحق المخالفين لاشتراطات العمل المدني، وتم استبدالها بغرامة لا تزيد على مليون جنيه (نحو 32 ألف دولار).

وعام 2021، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الإستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان، التي تعد -وفق البيانات الرسمية- أول إستراتيجية ذاتية متكاملة وطويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان بمصر، وتهدف لتعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

وعند إطلاق الإستراتيجية، أعلن السيسي عام 2022 “عام المجتمع المدني”، داعيا منظمات المجتمع المدني إلى مواصلة العمل بجد مع مؤسسات الدولة لتحقيق التنمية المستدامة في كل المجالات، ونشر الوعي بثقافة حقوق الإنسان.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.