القاهرة- هل صدقت مخاوف الرأي العام وبعض محبي ومرتادي مسجد الحسين الشهير بالقاهرة من النيل من صورته التقليدية والتاريخية، وذلك بعد الكشف عن صور أعمال الترميم في قبة المسجد ومئذنته، إذ يقول البعض إنها ربما تهدد بخروجهما من سجل المساجد الأثرية؟

وانتشرت صور مثيرة للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي لأعمال ترميم المسجد التاريخي، إذ ظهر استخدام الدهانات في طلاء قبة المسجد والمئذنة المجاورة، وطمس بعض نوافذها، فضلا عن تمرير شبكة تهوية لأجهزة التبريد.

يأتي هذا بعد نحو أسبوع من السماح للجمهور بالصلاة في مسجد الحسين، وذلك عقب انتقادات واسعة لإعلان وزارة الأوقاف المصرية إغلاق المسجد حتى طوال شهر رمضان على نحو مفاجئ، وذلك منتصف الشهر الماضي، بدعوى إجراء عمليات ترميم هندسية للمسجد، قبل أن تتراجع عن قرارها وتعيد فتحه مطلع الشهر الكريم.

وفي بيان مرفق به صورة القبة والمئذنة نُشر على صفحة نقابة المهندسين المصريين على موقع فيسبوك، كلف نقيب المهندسين طارق النبراوي الشعبة المعمارية بالنقابة العامة للمهندسين برئاسة الدكتورة ولاء نور بمراجعة أعمال الترميم التي تمت في مسجد الحسين خلال الفترة الماضية.

وأكد النبراوي “أنه سيتم تشكيل لجنة من الشعبة المعمارية تضم نخبة من الخبراء في عدد من التخصصات الهندسية، وذلك بعدما أبدى الرأي العام الهندسي بعض الملاحظات بخصوص أعمال الترميم الجارية في المسجد”.

وأضاف نقيب المهندسين أن اللجنة ستكون مهمتها دراسة الواقعة بأسلوب ومنهج علمي، للوقوف على الجوانب الفنية للأعمال الترميمية، تمهيدا لإصدار تقرير شامل وتقديمه للجهات المعنية.

وفي نهاية العام الماضي، وقعت محافظة القاهرة ووزارة الأوقاف مع مؤسسة “مساجد للتطوير” بروتوكول تطوير مسجد الحسين، بمبلغ 150 مليون جنيه (نحو 10 ملايين دولار حينها)، يشمل كل أرجاء المسجد، بالإضافة إلى تحديث كل أنظمة الكهرباء والمياه والصرف والتبريد وأنظمة المراقبة بالكاميرات وأنظمة الإنذار ومكافحة الحريق، وتزويد المسجد داخليا وخارجيا بأحدث أنظمة الصوت، تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

تطوير أم تشويه؟

حسب الصحف المحلية، فإن خطة تطوير مسجد الحسين تشمل ترميم الأجزاء المتهالكة من المسجد، داخليا وخارجيا، مع العمل على توسعة ساحته، فضلا عن توسعة المساحات الداخلية لمصلى المسجد لتتسع لنحو 7.5 آلاف مصل، من دون الإخلال بالمظهر الزخرفي للمسجد، أو إهمال العنصر التاريخي به.

ومنذ اللحظات الأولى للانتقادات التي طالت أعمال الصيانة والترميم، رد المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف عبد الله حسن بالقول إنها “تجري على أعلى مستوى من الدقة والأفضلية، وبأيدي أفضل المهندسين المتخصصين في مثل هذه الأعمال”.

ويقول رئيس مجلس أمناء مؤسسة “مساجد” نيازي سلام إن المؤسسة تسعى لأن يكون مسجد الإمام الحسين “الحرم المصري” على حد وصفه، مضيفا أن المشروع يعد باكورة عمل المؤسسة التي تهدف من خلاله إلى تطوير ورفع الكفاءة والحفاظ على مساجد آل البيت في مصر التي سيتم العمل عليها تباعا.

وفي سياق تعليقه على رد الأوقاف، وصف استشاري التخطيط العمراني سعيد حسنين ما يجري بمسجد الحسين بأنه “تشويه مبرر في سياق التطوير”، مضيفا -عبر صفحته على موقع فيسبوك- أنه “بعد ما قال إعلام الأوقاف إنهم استعانوا بأفضل الخبراء المهندزين (يقصد المهندسين لكن على سبيل السخرية) في ترميم مسجد الحسين رضي الله عنه، تذكرت مباشرة قبة جامعة القاهرة التي قام بها (مهنذرين) أيضا…”، وختم تعليقه بالجملة الشهيرة “جاتكم (جاءكم) القرف.. مليتوا (ملأتوا) البلد”.

 

أزمات ترميم الآثار

صور المئذنة والقبة اللتين طالهما الطلاء أعادت إلى أذهان البعض مسلسل التشويه والهدم لكثير من المباني والحدائق والأشجار الأثرية والتاريخية؛ تارة بدعوى الصيانة والترميم، وتارة أخرى بدعوى توسعة الطرق ومد الجسور لصالح النفع العام، أو عدم تاريخيتها، مما أثار غضبا وانتقادات واسعة على مواقع التواصل لا تزال مستمرة حتى الآن.

ففي أغسطس/آب 2021 قامت الجهات المعنية بهدم “قصر أندراوس” التاريخي في محافظة الأقصر (جنوبي مصر)، مما أثار ضجة كبيرة وانتقادات بين المهتمين بالآثار والتراث، حزنا على مصير القصر الذي كان شاهدا على أحداث مهمة في تاريخ مصر ومحافظة الأقصر التاريخية.

ويعود تاريخ قصر توفيق باشا أندراوس لأكثر من 120عاما، إذ أُسس عام 1897، خلف معبد الأقصر، وفي واجهة كورنيش النيل، وأصبح أحد القصور التاريخية بعد أن شهد الكثير من الأحداث السياسية المهمة والتاريخية إبان ثورة 1919، وأُطلق عليه لقب “بيت الأمة بالأقصر”.

أحد صور الكوارث الترميمية -حسب تحقيق لموقع 360 الإخباري- ما تم الكشف عنه من فشل إدارة الترميم في إصلاح هرم زوسر؛ أحد أهم الأهرامات وأقدمها في مصر.

فوفق تقرير لمنظمة اليونسكو، فإن هناك أخطاء في ترميم الهرم في الأوجه الخارجية، وكذلك بعض المخالفات الفنية كاستخدام الحجر الجيري.

ونقل التقرير عن أستاذ ترميم الآثار بجامعة القاهرة محمد عبد الهادي قوله “إن جزءا كبيرا من عمليات ترميم الآثار في مصر تفتقر إلى الأسس والضوابط العلمية الواجب توافرها في مُرممي الآثار، مما قد يصل في بعض الحالات إلى محو الصفة الأثرية للمعابد أو التماثيل أو غيرها”.

وتابع التقرير أن ترميم ذقن قناع الملك “توت عنخ آمون” بعد كسره كان أحد أشكال الترميم الذي انتهك حرمة الأثر؛ إذ تم لصق الذقن الأثري بمادة “الإيبوكسي” وعند محاولة إدارة الترميم لمعالجة التشويه استخدم “مشرط” سبب خدوشا جديدة في الأثر.

وفي عام 2016 تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا لأعمال الصيانة والإحلال والتجديد في قبة جامعة القاهرة؛ أحد أعرق الجامعات المصرية، حيث رصدت عدة مواقع إخبارية ما قالت إنها عملية تشويه لحقت بالقبة من خلال حصارها بأنابيب التكييف العملاقة التي سدت نوافذ القبة وشوهت شكلها الخارجي.

ردود فعل واسعة

انتشرت صور بعض أعمال ترميم مسجد الإمام الحسين الخاصة بالمئذنة والقبة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، مما أثار استياء كثير من المغردين والمتخصصين في مجال الهندسة والعمارة والآثار والفن.

ورأى بعضهم أن ما حدث يرقى إلى التشويه المتعمد والإخفاق الكبير بحق الآثار التاريخية والإسلامية، رغم حجم الإنفاق الضخم والدعاية الكبيرة. وتساءل مغردون عن السبب وراء إزالة الحديقة الخارجية للمسجد.

تاريخ عريق

يوجد مسجد الحسين في قلب القاهرة التاريخية، وبني في عهد الفاطميين عام 549 هـ/ 1154م، ويحتوي على كثير من المقتنيات المهمة، مثل أقدم نسخة من القرآن الكريم، ويضم المسجد 3 أبواب مبنية بالرخام الأبيض تطل على شارع خان الخليلي -أشهر الشوارع التي يقصدها السياح في القاهرة- إضافة إلى باب آخر بجوار القبة ويعرف بالباب الأخضر.

وتجدد بناؤه في أيام عباس الأول، ثم الخديوي إسماعيل أواخر القرن 19، ولم تبق فيه أي آثار من العهد الفاطمي إلا الباب الأخضر فقط، أما مئذنته فهي من العصر الأيوبي.

وقام المهندس “عبد الرحمن كتخدا” سنة 1861 ببناء القبة والجزء العلوي من مئذنة الباب الأخضر، وزيدت مساحته بأكثر من النصف، وأضيف له مبنى مكون من دورين، وكذلك دورة مياه مستقلة عن المسجد.

وحسب الإعلام المصري، فإن المئذنة الفاطمية والباب الأخضر الذي يوجد بجوار القبة هي فقط الأجزاء المسجلة كأثر من المسجد، أما باقي المسجد فهو غير مسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة، بسبب تعدد التدخلات وأعمال الصيانة والتطوير والإضافات في عصور سابقة.

وتقع منطقة الأزهر ضمن حي الحسين بالقاهرة الفاطمية، ويوجد بالمنطقة العديد من المعالم الأثرية الإسلامية القديمة، خاصة من عهد الفاطميين، منها مسجد الحسين والجامع الأزهر وشارع المعز وغيرها من الآثار الإسلامية مثل المساجد الأثرية، والتكايا، والأسبلة، والمدارس، وأماكن رؤساء الحرف مثل: الحدادين والنجارين والنحاسين والطرزية وغيرها.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.