واشنطن- عقب كل تصريح يخرج من كبار المسؤولين الروس محذرا من خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، أو مؤكدا استعداد موسكو للجوء للسلاح النووي، تصدر واشنطن تأكيدات بعدم تغيير وضعية استعدادها لاستخدام الأسلحة النووية، وتنبه إلى عدم مسؤولية إصدار هذه التحذيرات الروسية.

وبعد التحذير الأخير -أول أمس الثلاثاء- الذي صدر من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن احتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة، رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس بالقول “لا نعتقد أن هناك حاجة لتغيير وضعنا النووي، لكننا سنواصل مراقبة الوضع عن كثب”.

واتفق أغلب الخبراء -ممن استطلعت الجزيرة نت آراءهم- على عدم مصداقية أو جدية التهديدات الروسية المتكررة باندلاع حرب عالمية ثالثة، أو اللجوء للسلاح النووي، في حين رأى فيها آخرون تهديدا خطيرا يجب أن يحمل على محمل الجد.

وتنظر النخبة الأميركية إلى روسيا باعتبارها دولة فقيرة متوسطة القوة، ومثلها مثل الدول الريعية في اعتماد اقتصادها شبه الكامل على ما تجود به أراضيها من غاز طبيعي وبترول، إضافة لمواد خام أخرى؛ ومن هنا يُشعرها الحديث عن حرب عالمية ثالثة أو عن السلاح النووي أنها لا تزال دولة كبرى كما كانت في الماضي.

وعلى الرغم من ضخامة مصادر الطاقة والصناعات العسكرية، فإن روسيا لا تستطيع أن توجد ضمن قائمة الاقتصادات الكبرى التي تتربع على قمتها الولايات المتحدة بناتج قومي إجمالي يقترب هذا العام من 23 تريليون دولار، في وقت لا يتعدى فيه الناتج الإجمالي لروسيا 2 تريليون دولار، وهو ما يجعلها خارج قائمة الاقتصادات العشر الكبرى في العالم.

واستطلعت الجزيرة نت آراء عدد من خبراء الشؤون الروسية والدولية حول طبيعة وجدية ورسائل هذه التهديدات الروسية المتكررة، وجاءت إجاباتهم على النحو التالي:

سببان لتلويح موسكو بالسلاح النووي

يرى ستيف بايفر، خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز، أن ما أثاره سيرغي لافروف عن الخطر النووي والحرب العالمية الثالثة لا يمثل خطورة كبيرة، فقد قال الأسبوع الماضي إن روسيا ملتزمة بتجنب الحرب النووية.

ويعتقد بايفر أن المسؤولين الروس يتحدثون بشكل فضفاض ومتكرر عن الأسلحة النووية لسببين، أولهما أن الأسلحة النووية هي العامل الرئيسي الوحيد الذي يذكر موسكو بوضع القوة الكبرى، وثاني الأسباب يتعلق برغبتهم في الوقت ذاته بتخويف الغرب.

ونتيجة لذلك، فإنه عندما يتحدث كبار المسؤولين الروس عن الحرب النووية، فإن مسؤولي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) سوف ينتبهون بالضرورة، نظرا لخطورة التطرق لهذه الموضوعات، إلا إنهم لن يبالغوا في رد فعلهم. وكما قال الفرنسيون بعد أن دعا بوتين إلى وضع أسلحة روسيا النووية في حالة تأهب قصوى فبراير/شباط الماضي، إن الغرب يمتلك أسلحة نووية أيضا، والروس يفهمون ذلك.

مجرد تهديد تكتيكي

وبالنسبة لأستاذ العلاقات الدولية في أكاديمية ويست بوينت العسكرية، روبرت بيرسون، فمن المرجح أن يكون الحديث عن استخدام الأسلحة النووية واندلاع حرب عالمية ثالثة مجرد تهديد تكتيكي، ومن الواضح أن موسكو محبطة بسبب فشلها في تحقيق أهدافها الحربية الأولية في أوكرانيا، فضلا عن الدعم القوي الذي قدمته الدول الغربية لأوكرانيا في شكل زيادة إمدادات الأسلحة الثقيلة.

ويعتقد بيرسون أن تحذيرات لافروف من الحرب العالمية الثالثة محاولة لتخويف مؤيدي أوكرانيا من توفير أسلحة إضافية، وبعبارة أخرى، فهو تهديد قسري، ولكنه ليس تهديدا تستطيع روسيا دعمه واقعيا، وليس من المرجح أن تفكر روسيا بجدية في تصعيد الحرب خارج حدود أوكرانيا في هذا الوقت.

ويضيف أستاذ العلاقات الدولية أنه “علينا أن نأخذ تهديد الحرب النووية على محمل الجد”، موضحا أن أخذه على محمل الجد لا يعني الاستسلام لتهديدات الابتزاز النووي، وهو ما يبدو أن روسيا تحاول القيام به، لكن الجميع يعلم أن استخدام الأسلحة النووية ضد الولايات المتحدة أو دول الناتو يعني تدمير روسيا نفسها؛ لذا، فإن أخذ التهديد على محمل الجد في هذه الحالة يعني تقييمه بهدوء على أنه تهديد منخفض الاحتمال وعدم المبالغة في رد الفعل بدافع الخوف، وهذا ما أعتقد أن القادة في واشنطن وبروكسل يفعلونه.

محاولة للتأثير على وتيرة تسليح أوكرانيا

من جهته، يري الأستاذ بجامعة دارتموث والخبير في السياسة الخارجية الأميركية البروفيسور وليام وولفورث أن التصريحات الروسية المذكورة تأتي ضمن محاولة للتأثير على وتيرة تسليح دول الناتو لأوكرانيا، حيث تعمل الولايات المتحدة وشركاؤها على زيادة الإمدادات العسكرية بشكل كبير، ويبدو أن لافروف يشدد على أن مخاطر التصعيد المحتمل تزداد مع نمو كمية هذه الأسلحة وتضمينها أسلحة فتاكة وهجومية.

ويشير إلى أنه لا وجود لخطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، ولا اللجوء للسلاح النووي؛ فالولايات المتحدة وحلف الناتو لا يقدمون لأوكرانيا ما يدفع للتصعيد أو لتوسيع الحرب، لأنهم لا يريدون أن يتصاعد الصراع. والتهديد الروسي بالتصعيد واللجوء إلى السلاح النووي ردا على المستوى الحالي من المساعدة لأوكرانيا ليست له مصداقية على الإطلاق.

بوتين ليس مجنونا

أما الضابط السابق بالجيش الأميركي والخبير في نظريات الحروب الحديثة، جون سبنسر، فيؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس مجنونا، بل يتحرك بحسابات دقيقة، وقد هدد باللجوء للسلاح النووي ليرسم خطا أحمر لحلف الناتو وواشنطن بضرورة عدم التدخل المباشر في الحرب، ووصلت رسالته بوضوح لواشنطن.

ولا يتصور سبنسر أن يلجأ الروس إلى استخدام السلاح النووي ضد الأوكرانيين، فهم ليسوا في حاجة لذلك، ولن يخدم ذلك أيا من أهدافهم.

تهديد شديد الخطورة

في المقابل، يرى ألكسندر داونز، مدير معهد دراسات الأمن والصراع بجامعة جورج واشنطن، أن المسؤولين الروس يحاولون ردع أي تدخل عسكري غربي مباشر لإنقاذ أوكرانيا. ومع ذلك، لا تنوي الدول الغربية التدخل، باستثناء إرسال كميات وفيرة من المعدات العسكرية إلى أوكرانيا؛ لذا، فتهديد المسؤولون الروس المتكرر شديد الخطورة، ولكن في نهاية المطاف ليس ذا مغزى كبير. وإذا بدأ الغرب، لأي سبب من الأسباب، في التفكير بجدية في التدخل على نطاق أوسع، فإن الأمور سوف تصبح أكثر رعبا.

يجب أخذ التهديد على محمل الجد

ومن جهته، يذكّر الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الاستخباراتية والأمنية بأكاديمية سيتاديل العسكرية، جيفري روغ، بأن الحرب في أوكرانيا لا تسير على ما يرام بالنسبة لروسيا، وقد عانت خسائر كبيرة في جنودها ومعداتها التي سيكون من الصعب للغاية استبدالها سريعا، كما أنها واجهت مقاومة شرسة من الأوكرانيين، ومن الواضح أن الدعم الاستخباراتي والعسكري الذي قدمه حلف الناتو، وخاصة الولايات المتحدة، هو الذي سهل للأوكرانيين إلحاق مثل هذه الخسائر الفادحة بالروس.

ويشير إلى أن واشنطن لم تنصع هي وحلف الناتو لتحذيرات روسيا بعدم تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، إذ يواصل الطرفان تزويدها بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية؛ بل خلافا لرغبات الروس، زادت واشنطن من دعمها لأوكرانيا، مما يعني أن الولايات المتحدة قررت الاستمرار في رفع وتيرة التصعيد بدلا من خفضه.

ويخلص روغ إلى أن تهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية أو اندلاع حرب عالمية ثالثة يمثل إشارة خطيرة جدا، وينبغي التعامل معه بالخطورة التي تستحقها.

ومن الواضح -يضيف روغ- أن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة يستعدان لزيادة تدخلهما لدعم أوكرانيا، وأن روسيا الآن في وضع غير موات للغاية للوقوف في وجه الناتو بالأسلحة التقليدية، ونتيجة لذلك يمكن أن ينزلق الموقف من الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا إلى حرب عالمية أوسع بين روسيا وحلف الناتو تلجأ فيها روسيا إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية على الأقل.

ويؤكد أن تصريحات لافروف تُذكر الولايات المتحدة بأن الحرب النووية هي تهديد يجب أن تأخذه على محمل الجد مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ولكن ما النقطة الفعلية التي من شأنها أن تدفع روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية سواء في أوكرانيا أو في أي مكان آخر؟ لا أحد يعرف، باستثناء فلاديمير بوتين بالطبع.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.