هناك احتمال ضئيل بأن الشعور السياسي المناهض للإسلام في فرنسا سوف يتبدد في أي وقت قريب، إذ إن مناهضة الإسلام السياسي يُنظر إليها على أنها وسيلة سهلة للفوز بأصوات الناخبين.

يقول الكاتبان إيمانويل ديغلي إسبوستي وكريس شابلن من وحدة أبحاث الدين والمجتمع العالمي بكلية لندن للاقتصاد، إنه خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة استمر هوس فرنسا بالإسلام في حرمان الناخبين من حق التصويت وتقويض الفصل الحقيقي بين الكنيسة والدولة.

ويشيران -في مقالهما المشترك بالجزيرة الإنجليزية- إلى أن نجاح المرشحة اليمينية مارين لوبان في تحقيق أصوات كبيرة (رغم خسارتها الانتخابات) يرسم صورة مقلقة لمستقبل السياسة الفرنسية.

ويوضحان أن سبب اندفاع لوبان يعود جزئيا إلى قدرتها على التركيز على تكاليف المعيشة، وإعادة رسم نفسها على أنها قومية معتدلة. لكن المواقف المعادية للمهاجرين والمناهضة للإسلام، والتي غالبا ما يتم تغليفها بأنها دفاع عن “الثقافة الفرنسية”، تظل حصنا لجاذبيتها.

وتُظهر شعبية لوبان أن الخطاب المثير للانقسام يحمل رواجا سياسيا في فرنسا. ومع ذلك، لم يعد الأمر حكرا على اليمين المتطرف فقط. فقد شهدت الانتخابات الرئاسية هذا العام محاولة مرشحين من مختلف الأطياف السياسية التفوق على بعضهم بعضا كمدافعين عن العلمانية (الفصل بين الكنيسة والدولة). وفي وقت ما من عام 2021، اتهم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان السياسية لوبان بـ”التساهل” بشأن الإسلام.

ويستند هوس فرنسا بالإسلام، كما يقول الكاتبان، إلى مفهوم أن الدولة علمانية بطبيعتها. ومع ذلك، فإن كل بيان سياسي أو سياسة حكومية تسعى إلى حماية العلمانية وتنظيم الإسلام تجعل الدولة والدين، بشكل متناقض، يرتبطان أكثر من أي وقت مضى (عكس هدف العلمانية). وهذا لا يقوض فقط أي فصل حقيقي بين المجالين الديني والسياسي، بل يعيق الحوار السياسي الجاد حول النسيج الثقافي والديني الثري في فرنسا.

هوس بالإسلام “السياسي”

ويستمر إسبوستي وشابلن ليقولا إن الهجمات على “القيم” الإسلامية أصبحت ركيزة أساسية مقبولة للخطاب السياسي في عهد الرئيس ساركوزي، الذي غالبا ما صاغ سياساته المعادية للمسلمين على أنها دفاع عن العلمانية.

وبعد مقتل المعلم صموئيل باتي على يد أحد المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية، تبنى ماكرون مضمونا مماثلا، وشن حملة قمع على منظمات المجتمع المدني الإسلامية، وقوّض الحرية الأكاديمية من خلال التكليف بإجراء دراسة حول التوسع المزعوم لما يسمى الأيديولوجية الإسلامية اليسارية في الجامعات الفرنسية.

وفي حين أن جهود ماكرون للحد من “التطرف الديني” قد تبدو منطقية، بحسب الكاتبين، إلا أنها تثير أيضا حقيقة غير مريحة حول ما يعتبر حقا فرنسيا بالكامل وما يمكن اعتباره تفسيرا مناسبا للمجتمع الفرنسي. وكما سجل الكاتب رضا ضياء إبراهيمي، فإن العلمانية ليست مجموعة ثابتة من القيم، وقد حدث اندفاعها نحو الجناح اليميني المعادي للإسلام بشكل تدريجي على مدى عدة عقود.

ومع ذلك، وفقا للكاتبين، فإن المسلمين الملتزمين بالقانون هم الذين شعروا غالبا بالعواقب الواقعية. ويمنح مشروع القانون الأخير المناهض للانفصالية ضد “التطرف” الإسلامي السلطات الفرنسية سلطة أكبر للتدخل في الجمعيات الدينية ويحد من التمويل الأجنبي.

وعلى مدى العام الماضي، كان هناك عدد من الحالات التي استخدمت فيها السلطات الفرنسية إجراءات إدارية لإغلاق المساجد والمدارس وأماكن بيع الطعام للمسلمين وحتى مجموعة كبيرة مناهضة للتمييز مثل “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا” في فرنسا.

“حرب ثقافية” بأي اسم آخر

نفى ماكرون أن تكون فرنسا في خضم “حرب ثقافية” على غرار الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، لكن لغة العلمانية تشير إلى القلق بشأن الخسارة الثقافية والمشاعر المعادية للمهاجرين التي كان اليمين الأوروبي يستغلها منذ عقود.

وبحسب الكاتبين، فإن الإسلاموفوبيا أمر شائع للأسف في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، ولكن في حين أن الإسلاموفوبيا معترف بها (وإن كانت مخادعة في بعض الأحيان) من قبل القادة السياسيين في معظم البلدان الغربية، فإن السياسيين الفرنسيين ينفون وجود أي وصمة عار معادية للمسلمين. وبدلا من ذلك، يُنظر إلى “الإسلاموفوبيا” على أنها حيلة من قبل جبهة “يسارية إسلامية” لإسكات المدافعين عن الثقافة الفرنسية.

ويؤدي هذا الإنكار المزدوج إلى إسكات الجدل حول التباين الثقافي والديني الثري في فرنسا. وبدلا من ذلك، يُعتبر التشابه أساسا للانتماء، مع القليل من الاهتمام بسلطة وخلفيات من يمكنه تحديد المعالم الأخلاقية لمثل هذه الهوية. ونظرا لعدم الاعتراف بالمهاجرين المسلمين على أسس عرقية، يُفهم التمييز ضد المسلمين على أنه نقد ديني وليس حرمانا ثقافيا.

ويتم الدفاع عن مثل هذا النقد باعتباره تعبيرا شرعيا عن حرية التعبير في مجتمع علماني، وأولئك الذين يعبرون عن عدم ارتياحهم لطبيعة مثل هذا النقد يُصنفون إما على أنهم متعاطفون مع الإسلاميين اليساريين أو الإسلاميين الصريحين.

هذا يترك مساحة صغيرة للمسلمين الفرنسيين -سواء كانوا يمارسون الإسلام أم لا- للمساهمة الحقيقية في المناقشات السياسية بشروطهم.

استعادة العلمانية

ويقول الكاتبان بنبرة أسف إن هناك احتمالا ضئيلا بأن الشعور السياسي المناهض للإسلام سوف يتبدد في أي وقت قريب، إذ إن مناهضة الإسلام السياسي يُنظر إليها على أنها وسيلة سهلة للفوز بأصوات الناخبين، ولن يكون أي من المرشحين على استعداد لتقليل أوراق اعتمادهما “الثقافية”.

ويختتم الكاتبان مقالهما بأنه وعلى المدى الطويل، فإن أي جهد حقيقي لإنهاء هوس فرنسا المثير بالإسلام سيتطلب الاعتراف بالتنوع بين 6 ملايين مواطن مسلم في البلاد وإنشاء مساحات مفتوحة حقا يمكن من خلالها مناقشة الدين دون تدخل الدولة. فقط من خلال القيام بذلك يمكن استعادة المثالية العلمانية من تفسيرها اليميني الحالي، والشروع في نقاش حر حقيقي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.