موسكو- لا يبدو أن الأزمة الأخيرة التي اندلعت بين موسكو وتل أبيب على خلفية مطالبة وزارة العدل الروسية بإغلاق مكتب الوكالة اليهودية “سخنوت” ستقف عند هذا الحد، في حال تأكدت الأنباء التي تفيد بأن السلطات الروسية بصدد توجيه رسائل إنذار مماثلة إلى منظمات يهودية أخرى على أراضيها.

ووسط غياب تعليقات رسمية حتى اللحظة من الجانب الروسي على الموضوع، وكما كانت الحال مع قضية “سخنوت”، اكتفت وسائل الإعلام الروسية هذه المرة بنقل الخبر عن صحيفة “جيروساليم بوست” الإسرائيلية، التي لم تذكر أسماء المنظمات التي يُزعم أنها تلقت تحذيرات مشابهة من السلطات الروسية.

ونقلا عن الصحيفة الإسرائيلية، فإن موظفين من داخل المؤسسة اليهودية كشفوا لها أن محادثاتهم مع من تقدموا بطلبات للهجرة إلى إسرائيل تم التنصت عليها.

ويأتي ذلك قبيل بدء القضاء الروسي -اليوم الخميس- النظر في الدعوى التي رفعتها وزارة العدل في روسيا الاتحادية، بشأن إغلاق المكتب التمثيلي للوكالة اليهودية في روسيا.

وفي حال حصل ذلك، ستكون روسيا أول دولة في العالم تطرد من أراضيها إحدى أهم المنظمات اليهودية في العالم.

ويتزامن إثارة موضوع المنظمات اليهودية في روسيا مع دخول العلاقات الروسية الإسرائيلية أزمة حادة في الآونة الأخيرة، بسبب الوضع في أوكرانيا وسوريا.

وهذه هي المرة الأولى التي تصل فيها العلاقة مع مؤسسة يهودية في روسيا المعاصرة إلى حدود أزمة عالية التوتر، وتصيب العصب الأكثر حساسية لإسرائيل، إذا ما تم استثناء الضجة التي أثيرت عام 2005، عندما ناشدت مجموعة من نواب مجلس الدوما من الحزب الشيوعي وكتلة الوطن “رودينا”، مكتبَ المدعي العام، التحققَ من أنشطة جميع المنظمات اليهودية في روسيا، وحظرها واعتبارها متطرفة، إذا تم العثور على انتهاكات في عملها.

وتضمنت رسالة النواب حينها عبارة أثارت جدلًا، وهي أن العالم الديمقراطي بأسره بات اليوم يقع تحت السيطرة المالية والسياسية لليهود.

وفي تصريح ذي دلالة تعكس حجم حالة الترقب تجاه الإجراءات الروسية الأخيرة، قال الحاخام الأكبر السابق لموسكو بنشاس غولدشميث إنه يخشى أن يغلق الستار الحديدي تمامًا، وسيكون عندها من المستحيل مغادرة روسيا على الإطلاق.

رسائل سياسية

ويرجّح ألكسندر كوزنيتسوف نائب رئيس مركز البحوث التطبيقية لقضايا الشرق الأوسط المعاصر، وجود أبعاد سياسية أكثر مما هي قانونية أو إدارية، وراء حملات التفتيش التي تطال المنظمات اليهودية داخل الأراضي الروسية، موضحا أنها تعكس استياء موسكو من “تمادي” الموقف الإسرائيلي تجاه الأزمة في أوكرانيا.

ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن العلاقات بين البلدين دخلت في منعطف أزمة أكثر حدة، بعد أن تراجعت حكومة نفتالي بينيت عن الموقف المحايد والحذر الذي اتخذته مع بداية الأزمة مع أوكرانيا، وانتقلت لاستخدام عبارات قاسية في تقييم العملية العسكرية الروسية هناك.

وبرأيه، فإن إسرائيل اخذت أبعادا واضحة في وقوفها إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، تمثلت في وجود ضباط ومقاتلين إسرائيليين يعملون على تدريب القوات الأوكرانية ويقاتلون إلى جانبها، مضيفًا أن ادعاءات تل أبيب أن هؤلاء متطوعون لم تقنع موسكو.

لكن الخبير في الشأن الروسي أندريه أونتيكوف يدعو إلى عدم التقليل من حساسية النشاطات الذي تقوم بها بعض المنظمات اليهودية في روسيا، وعلى رأسها مسألة جمع البيانات الشخصية للمواطنين الروس ذوي الأصول اليهودية، وهي من بين اتهامات أخرى لم تفصح عنها بعد وزارة العدل الروسية، بانتظار جلسة المحكمة المعنية بالقضية.

وفي نفس الوقت، يعبّر أونيكوف -في حديث للجزيرة نت- عن استغرابه أصلًا من وجود منظمات تعمل على تشجيع مواطنين على الهجرة من البلاد، بصرف النظر عن أصول هؤلاء العرقية أو الدينية، وهو ما تمارسه بشكل علني بعض المنظمات اليهودية في روسيا.

ويتابع أن هذه المنظمات بدأت العمل قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وهي الفترة التي عاشت فيها البلاد حالة من الفوضى، وكان من الصعب خلالها “ضبط الأمور”، فضلًا عن العلاقات “البنّاءة” التي نشأت حينها بين موسكو وتل أبيب، ولم يكن لدى أحد في روسيا رغبة في استفزاز إسرائيل والإضرار بالعلاقات معها.

طعنة في الظهر

لكن الظروف الحالية -بحسب كلام أونيكوف- تغيّرت، والقضية التي أثيرت حول “سخنوت” وربما ستتبعها منظمات يهودية أخرى هي رسالة لإسرائيل، بأن موقفها تجاه الأزمة مع أوكرانيا غير مقبول، ولا سيما على ضوء المعلومات المؤكدة المتوفرة لدى السلطات الروسية بأن تل أبيب تقدم الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية للجانب الأوكراني.

وأردف قائلا “هذا فضلا عن وجود مرتزقة إسرائيليين إلى جانب المقاتلين الأوكرانيين في مصنع آزوف في ماريوبول، والتي لم تكشف عنها موسكو رسميا كبادرة حسن نية، لكن تل أبيب رغم ذلك واصلت سياسة الطعن في الظهر”.

ويضيف أونتيكوف إلى قائمة “الانزعاج” الروسي من إسرائيل وتبعات ذلك الممكنة على عمل المنظمات المرتبطة بها، الهجمات التي ارتفع منسوبها في الآونة الأخيرة على أهداف داخل سوريا، وتميزت بأنها باتت قريبة جدًا من أماكن وجود القوات الروسية، كما حصل في محيط اللاذقية، على بعد كيلومترات قليلة من قاعدة حميميم، وهو ما ترى فيه موسكو تجاوزا للخطوط الحمراء.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.