تبدو قصة توهج نجم اللاعب السنغالي ساديو ماني في سماء كرة القدم العالمية تجربة مثيرة ومملوءة بالعراقيل والتحديات التي جعلت من المراهق المنتمي إلى عائلة تعيش شظف العيش في قرية متواضعة للمزارعين جنوب السنغال ملكا في بلاده ونموذجا ملهما لكثير من الشباب المولع بكرة القدم والشغوف بممارسة اللعبة الشعبية الأولى في العالم.

واستطاع ماني في شهر فبراير/شباط أن يقود منتخب “أسود التيرانغا” إلى الفوز بلقب كأس أمم أفريقيا للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وبعد انتظار دام 6 عقود، لكن طموحاته في العام الحالي لم تقف عند ذلك الحد، إذ يريد “ساحر الكرة” إثبات جدارته بهذا اللقب من خلال التألق في كأس العالم 2022 في قطر.

ودخل وصيف الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم 2022، أو “بالونبوا” كما يُكنّى في بلاده، تاريخ كرة القدم بعدما سجل ركلة الترجيح الحاسمة في الدور النهائي ضد مصر ليهدي السنغال لقبا استمر انتظاره نحو 6 عقود، قبل أن يكرّس عقدته لمنتخب الفراعنة، عندما حرمه من التأهل إلى نهائيات مونديال 2022 في مباراة الملحق الفاصل، وذلك بالطريقة نفسها؛ بركلات الترجيح بعد نهاية الذهاب والإياب (1-1) في مجموع المباراتين.

وفي هذا الموسم الرائع أحرز ماني وصافة الكرة الذهبية، في سابقة للاعب سنغالي بعد حلوله ثانيا في التصويت خلف كريم بنزيمة.

وبعمر الـ30، سيكون هدف ماني وزملائه تقديم مونديال يفوق أو يعادل ما قدمه جيل كأس العالم 2002 الرائع الذي بلغ ربع النهائي في كوريا الجنوبية واليابان، عندما كان مدرّبه الحالي أليو سيسيه قائدا للفريق آنذاك.

وفي الحقيقة لم تكن سطوة مانيه على الكرة السنغالية سهلة على الإطلاق، ففي 2017 ألقى مشجعون سنغاليون الحجارة على سيارته في دكار، انتقاما منه لإهداره ركلة ترجيح ضد الكاميرون في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا لذلك العام، وفي 2018 خاض مشاركة متواضعة في مونديال روسيا، حين سجل هدفا يتيما ضد اليابان (2-2) وخرج منتخب أسود التيرانغا خالي الوفاض كما خسر بعدها بعام نهائي أمم أفريقيا أمام الجزائر (1-0).

لكن “بالونبوا” المنتقل من ليفربول الإنجليزي إلى بايرن ميونخ الألماني هذا الموسم خرج من طفولة قاسية جعلته صلب العود. فالطفل المولود في عام 1992، لأب يشتغل إمام قريته “بامبالي” بالقرب من نهر كازامانس على الحدود مع غينيا بيساو، كان قدومه من ساوثمبتون إلى ليفربول في 2016 تتويجا لمسار طويل وأحيانا مؤلم لبلوغ أعلى مستويات كرة القدم.

ماني انتقل في صائفة 2022 إلى بايرن ميونخ الألماني قادما من ليفربول الإنجليزي ولعب معه حتى الآن 21 مباراة وسجل 11 هدفا (رويترز)

 

المهاجم الذي كان يمارس كرة القدم في طفولته بواسطة بعض أنواع الفاكهة ذات الشكل الدائري لعدم وجود كرة فعلية، يعود إلى نقطة البدايات ليقول في شريط وثائقي لقناة راكوتن “ساديو ماني.. صنع في السنغال”، “في القرية يجب أن تكون مزارعا، ليس هناك مهنة أخرى. كان حلم طفولتي أن أدخل التاريخ وأحرز كل الألقاب”.

وفي 1999 فقد ماني والده بعمر السابعة، وفي تلك الفترة رصده نادي ميتز الفرنسي من خلال ناد شريك في دكار، هو “جينيراسيون فوت”، حيث عزل نفسه هناك على بعد 400 كلم من مسقط رأسه، فانتقل أول مرة إلى القارة العجوز في شتاء عام 2011 وأصبح حينذاك لاعبا محترفا بعمر الـ19.

ويقول أوليفييه بيران المدير السابق لمركز تكوين ميتز “كان يقوم بأمور استثنائية، كان كريما ويتصرّف بإيجابية، طريقته وقدرته الجيدة على مراوغة الخصوم كانتا من نقاط قوته”.

ويوضح بيران “كانت البدايات معقدة للاعب الشاب الذي أخفى إصابة خوفا من إعادته إلى السنغال؛ لم يكن يضع قدما أمام الأخرى، ولم يظهر ما يمكنه أن يقوده للبروز. لم أفهم لماذا، اعتقدت أن الجو ربما كان باردا بالنسبة له، لكن في الحقيقة كان السبب معاناته من إصابة في أسفل عضلات البطن. عندما اكتشفنا ذلك، خضع لعملية جراحية وسرعان ما انضم إلى اللاعبين المحترفين وبقي هناك دائما”.

بعد أشهر قليلة صعبة، برزت موهبته، ثم انتقل إلى سالزبورغ النمساوي في عام 2014 بأكثر من 4 ملايين يورو، وهناك تفجّرت طاقته سريعا، وأصبح أكثر صرامة وتكتيكية.

وفي عام 2014، انتقل ماني إلى الدوري المرموق البريميرليغ من بوابة ساوثمبتون، قبل أن يصبح صاحب ثاني أكبر صفقة في تاريخ ليفربول، بانتقاله مقابل 37 مليون جنيه إسترليني (43 مليون يورو) في 2016-2017، وفي موسمه الأول سجل أسرع ثلاثية (هاتريك) في تاريخ البريميرليغ (دقيقتان و56 ثانية).

وأسهم النجم السنغالي في تتويج ليفربول بدوري أبطال أوروبا عام 2019 ثم الدوري الإنجليزي عام 2020 لأول مرة بعد صيام ليفربول مدة 3 عقود.

ماني أسهم بشكل فعال في تتويج ليفربول بدوري أبطال أوروبا 2019 ثم لقب البريميرليغ 2020 وهو اللقب الذي غاب عن خزائن النادي طوال 30 عاما (رويترز)

وخارج الملعب أو داخله، يتحلّى ماني بنظام مميز، فتتمحور يومياته حول 3 ركائز: كرة القدم، والحفاظ على جسمه ليكون تنافسيا قدر الإمكان، والصلاة، إذ يحتل الدين مكانا مهما في حياته.

كما يملك أفضل لاعب أفريقي في 2022 شخصية متواضعة ومحبة للعمل الخيري إذ دفع في 2018 مبالغ مالية طائلة لصيانة مدرسة في قريته بامبالي فضلا عن بناء مستشفى، وفي سبتمبر/أيلول من العام ذاته ظهر في شريط فيديو يساعد في تنظيف حمامات مسجده، بعد ساعات من تسجيله في مرمى ليستر سيتي، وظهر يحمل هاتفا بشاشة مكسورة، وذلك يدل على أن أولويات حياته مختلفة عن بقية اللاعبين رغم إيراداته الهائلة.

 

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.