القاهرة – تساؤلات عدة أثارها اتفاق مصر وإسرائيل على تدشين خط طيران مباشر بين مدينتي شرم الشيخ وتل أبيب للمرة الأولى، خاصة فيما يتعلق بالدوافع الحقيقية وراء الاتفاق ما بين أسباب اقتصادية وتنشيط السياحة، وبين أسباب سياسية تتعلق بالمزيد من التقارب بين الحكومتين فيما بات يُعرف بالسلام الدافئ.

المثير أن الإعلان عن الاتفاق جاء أولا عبر بيان للحكومة الإسرائيلية، فيما لم تعلق نظيرتها المصرية على الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام العربية والدولية، وتجاهلته وسائل الإعلام المحلية.

وأضاف البيان أن إسرائيل ومصر اتفقتا على توسيع الرحلات الجوية المباشرة التي يتم تسييرها بين الطرفين، وتدشين خط جديد ينطلق من مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب إلى مدينة شرم الشيخ في مصر على البحر الأحمر، ومن المتوقع تسيير الرحلات الجوية خلال أبريل/ نيسان المقبل.

وأفاد بأن التباحث بشأن الموضوع جرى خلال لقاء عُقد بمدينة شرم الشيخ، في سبتمبر/أيلول الماضي، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وفي سياق متصل، قالت وسائل إعلام إسرائيلية اليوم الأحد إن رئيس الحكومة يعتزم زيارة القاهرة ولقاء السيسي، لتكون زيارته الثانية إلى مصر خلال 6 أشهر.

ورغم تجاهل المسؤولين المصريين ووسائل الإعلام لخبر الاتفاق، فإن المسؤولين ووسائل الإعلام الإسرائيلية أفاضت في الموضوع، وكشف موقع “والا” الإسرائيلي أن القاهرة هي التي سَعت لتدشين ذلك الخط لزيادة السائحين بمدينة شرم الشيخ.

وقبل أسبوع، أفادت صحيفة “إسرائيل اليوم” بأن التفاهمات لتفعيل خط الطيران، من مطار بن غوريون في تل أبيب إلى شرم الشيخ، تم التوصل إليها عقب مباحثات جمعت بين وفد أمني مصري ونظيره الإسرائيلي على مدار يومين في تل أبيب.

سياحة أم سياسة؟

ويأتي هذا الاتفاق بعد شهور من هبوط طائرة تحمل شعار الناقل الوطني المصري “مصر للطيران” لأول مرة، في مطار “بن غوريون” قرب تل أبيب، في رحلة وصفتها هيئة الطيران المدني الإسرائيلي بالتاريخية، في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وكانت تلك المرة الأولى التي تصل فيها طائرات مصر للطيران حاملة شعار الشركة الرسمي إلى مطارات إسرائيلية، حيث كانت في السابق تصل دون شعار، أو تحت اسم شركة تابعة أنشأتها مصر للطيران تسمى طيران سيناء، بهدف تسيير رحلات جوية بين الجانبين، تجنبا لظهور شعار شركة الطيران المصرية الرسمية.

ويثير الاتفاق الجديد، الذي يعد الأول من نوعه، تساؤلات بشأن الهدف منه: هل يأتي في إطار تدفئة معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية، ويسهم في زيادة الاستقرار بالمنطقة، كما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي، أم يعزز العلاقات الاقتصادية والسياحية بين الطرفين، كما تقول السفيرة الإسرائيلية بالقاهرة أميرة أورون، أم إنه يأتي تتويجا لجهود التقارب بين المسؤولين المصريين والإسرائيليين؟

“يوم في غاية السعادة والأهمية للعلاقات الإسرائيلية المصرية” هكذا وصفت أورون الإعلان عن الاتفاق “الهام” مؤكدة في تغريدة لها على حسابها الشخصي أن “الرحلات الجوية المباشرة ستقوي وتعزز العلاقات الاقتصادية، التجارية والسياحية بين إسرائيل ومصر ودول المنطقة”.

من أحبته إسرائيل أحبته واشنطن

في هذا السياق، وصف السفير عبد الله الأشعل (مساعد وزير الخارجية المصري سابقا) الاتفاق بأنه سياسي بامتياز، قائلا إنه لا علاقة للاتفاق بالسياحة، حيث يدخل الإسرائيليون شبه جزيرة سيناء بدون تأشيرة مرور، وبالتالي هو نتيجة دفء العلاقات السياسية التي بلغت أوجها في عهد الرئيس السيسي، ويصب في صالح النظام المصري أكثر منه في صالح الدولة.

وكانت صحيفة “إسرائيل اليوم” قد كشفت، في وقت سابق، أن المباحثات المصرية الإسرائيلية في تل أبيب شملت تعزيز العلاقات السياحية وتوسيعها، إذ أبدت القاهرة اهتمامها البالغ باستقدام السياح الإسرائيليين مجددا إلى طابا وشرم الشيخ.

وأوضح الأشعل، في حديثه للجزيرة نت، أن من شأن هذه الاتفاقيات أن تعزز -كما يقول الإسرائيليون- من مكانة إسرائيل في المنطقة، وتبرز كذلك نجاح إستراتيجيتهم السياسية في التغلغل إلى داخل أروقة الحكام العرب، وعقد شراكات وصفقات واتفاقات لم تكن لتحلم بها في يوم من الأيام، لذا فأي خطوة من هذا النوع تعد فوزا وانتصارا لهم.

واعتبر المسؤول الدبلوماسي السابق أن أهم ما تملكه إسرائيل هو خطاب التوصية للإدارة الأميركية “ويحضرني هنا عبارة قالتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس بالجامعة الأميركية بالقاهرة عام 2005 وكنت حاضرا وقتها: من أحبته إسرائيل أحبته واشنطن”.

أزمات السياحة لا تنتهي

بحسب وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا ستؤثر على انتعاش قطاع السياحة في مصر، إذ يمثل الروس والأوكرانيون حوالي ثلث إجمالي عدد السياح الوافدين إلى البلاد.

في هذا الإطار، يستبعد ممدوح الولي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية السابق أن تحل السياحة الإسرائيلية محل الروسية والأوكرانية لعدة أسباب: أن السائح الإسرائيلي قليل الإنفاق ويستخدم أرخص الوسائل للوصول إلى غايته، ويصطحب معه كل ما يحتاجه في رحلته في نويبع ودهب وشرم الشيخ.

وأكد الولي، وهو نقيب سابق للصحفيين المصريين وخبير اقتصادي أيضا، في حديث للجزيرة نت، أن زيادة عدد السياح الإسرائيليين إلى مصر (ضمن قائمة أكثر 10 دول إيفادا للسياح لمصر) لا يحمل أي إضافة مادية للقطاع السياحي المصري، إنما هو إضافة عددية ليس أكثر، إلى جانب أنهم ينشرون سلوكيات مضرة بالشباب المصري وتنتشر بينهم عادات سيئة، بحسب وصفه.

ورأى الولي أن العبرة ليست في العدد وإنما بالإنفاق، مشيرا إلى أن السياح الروس والأوكرانيين إنفاقهم منخفض جدا مقابل الغربيين الآخرين والعرب، لأنهم يأتون عبر رحلات شارتر (طيران عارض) ضمن تذكرة شاملة كل المصروفات، وبالتالي قد تصبح الإقامة له في فندق على البحر الأحمر أرخص من البقاء في بلده، وفق تقدير هذا الخبير الاقتصادي.

وقبل أزمة جائحة كورونا، فإن أكثر من 701 ألف و967 إسرائيليا زاروا مصر عام 2019 طبقا لإحصائيات الجهات الرسمية بحسب السفارة الإسرائيلية بالقاهرة عبر حسابها الرسمي على موقع فيسبوك، معتبرة أن هذا “يدل على الإعجاب والإحساس بالأمن والأمان، كما يعبر عن مدى حفاوة الترحيب بجانب كرم الضيافة وحسن المعاملة”.

بدائل سياحية

في سياق متصل، نقل موقع “إيكونومي بلس” الاقتصادي عن مصادر بالاتحاد المصري للغرف السياحية، قوله إن مسؤولي القطاع يراهنون على سائح مرتفع الإنفاق مقابل إنفاق محدود لسياحة الشواطئ على ساحل البحر الأحمر بالغردقة وشرم الشيخ.

وتمثل السياحة الثقافية، بحسب الموقع ذاته، أقل من 5% من إجمالي التدفقات السياحية الوافدة لمصر سنويا، مقابل سياحة شواطئ تصل لنحو 90% و5% لأنماط سياحية أخرى.

والسياحة مصدر رئيسي للنقد الأجنبي، إلى جانب قناة السويس وتحويلات المصريين المغتربين والصادرات، وتسهم السياحة بنحو 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وبنسبة 14.4% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية.

وشهدت مصر انتعاشا كبيرا من جانب السياحة عام 2021، فقد تجاوزت الإيرادات 13 مليار دولار العام الماضي، لتعود إلى مستويات ما قبل الجائحة، مقارنة بإيرادات نحو 4.4 مليارات دولار عام 2020، بحسب بيانات البنك المركزي.

ما بعد السلام البارد

في وقت سابق، نقلت “إسرائيل اليوم” عن مدير مكتب رئيس الوزراء قوله “المباحثات تشكل منحى أساسيا وجوهريا لتوطيد وتدعيم العلاقات التجارية والاقتصادية مع مصر” مشيرا إلى أن تعزيز العلاقات التجارية سيجلب فائدة سياسية ودبلوماسية.

وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن المباحثات المكثفة تهدف إلى النهوض بالعلاقات الاقتصادية وتوسيع دائرة التبادل التجاري بين الجانبين، وذلك تنفيذا لتعليمات الرئيس السيسي ورئيس الوزراء بينيت، ورغبتهما في تدعيم العلاقات التجارية وزيادة الاستيراد والتصدير بين القاهرة وتل أبيب.

ونقلت عن رئيس الوفد المصري قوله إن بلاده “معنية بتصدير منتجات إلى إسرائيل، وأيضا استيراد منتجات إسرائيلية من مختلف الفروع والمجالات وبيعها بالسوق المصري”.

وتؤسس هذه التفاهمات الاقتصادية لمرحلة جديدة تعقب ما وصفته الصحيفة بأنه “سلام بارد” ميّز العلاقات بين تل أبيب والقاهرة منذ التوقيع على اتفاقية “كامب ديفيد”.

وفي مايو/أيار 2016، استخدم السيسي لأول مرة مصطلح السلام الدافئ لوصف العلاقات المرجوة مع إسرائيل، حيث قال “البعض يقول إن السلام مع إسرائيل ليس دافئا، لكنني أقول إن سلاما أكثر دفئا سيتحقق لو قدرنا نحل المسألة الخاصة بأشقائنا الفلسطينيين”.

وإلى جانب التفاهمات بين مصر وإسرائيل لتفعيل خط الطيران لشرم الشيخ، تم الاتفاق عقب المباحثات في تل أبيب على تحديث معبر “نيتسانا” الحدودي الذي افتتح عام 1982، وهو معبر بري رئيسي بين إسرائيل ومصر عبر سيناء لنقل البضائع.

وقد أفضت المباحثات بين القاهرة وتل أبيب أيضا إلى الاتفاق على تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة تضم مجموعات من القطاع الاقتصادي والتجاري الخاص، وستكون إحدى مهامها الرئيسية إزالة العقبات وتخطي الحواجز التي تحول دون تطوير العلاقات الاقتصادية وتوسيع التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.