القدس المحتلة- صوت خطاب مسجل لأبي عبيدة، المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، ثم صافرات الإنذار تدوي داخل ساحات المسجد الأقصى، هذا ما حدث فعلا صباح اليوم الثلاثاء، الأمر الذي أذهل قوات الاحتلال، وخلف حالة من الإرباك في صفوف المستوطنين المقتحمين، وسط دهشة ممزوجة بالفرح اعترت المعتكفين، ولم يكن ذلك إلا فصلا من فصول “الإرباك الصوتي” في المسجد الأقصى.

“وملثم فوق القبلي صلاح الدين بقلبه، للمسجد ما رح يخلي، أقصاوي وعارف دربه، قبة الصخرة بالروح مثل الدم بشرياني تمس الصخرة مش مسموح، مسّها وبتشوف جناني”، كانت هذه كلمات مقطع من أنشودة وطنية، سمعت عبر مكبرات الصوت من داخل المصلى القبلي جنوب المسجد الأقصى، ضمن سلسلة من الأناشيد الوطنية التي تمجد القدس والأقصى.

قرع وتكبيرات

تزامنت هذه الأناشيد والخطابات وصفارات الإنذار المسجلة التي بدأت صباح اليوم الثلاثاء، مع قرع متواصل على الأبواب الداخلية للمصلى القبلي انطلق منذ الأحد الماضي 17 أبريل/نيسان، والذي كان يشتد تزامنا مع مرور المقتحمين مقابل ساحة المصلى القبلي بين سبيل الكأس والبائكة الجنوبية.

مطلقي هذه الأصوات المربكة هم مجموعة من الشبان الفلسطينيين الذين اعتكفوا داخل المصلى القبلي، وأغلقوا على أنفسهم أبوابه لمنع اقتحامه من قبل قوات الاحتلال التي تربصت بهم طوال فترة الاقتحام ولمدة 3 ساعات ونصف يوميا من السابعة حتى العاشرة والنصف صباحا.

سلاح الصوت

وبعد استهداف الاحتلال المكثف للمصلين والمعتكفين عبر الاعتقال والإبعاد والإصابة الجسدية المباشرة، قبل وخلال عيد الفصح العبري الذي تقاطع يومه الأول مع يوم 14 رمضان الجاري، استخدم المعتكفون اليوم أسلوب الإرباك الصوتي، بعد أن بدأ الأمر ببث خطابات تحفيزية ونداءات استغاثة عبر سماعات المسجد الأقصى الأحد الماضي.

أزعجت الخطابات الاحتلال فقطع الكهرباء عن سماعات ومآذن المسجد الأقصى، لكن المعتكفين تمكنوا من استعادتها ومواصلة بث الخطابات، فعمد الاحتلال إلى محاولة اختراق المصلى القبلي من جهة مسجد النساء الملاصق غربا، للوصول إلى غرفة الصوتيات والأذان في المصلى القبلي، ظنا منهم أن الخطابات تبث عبرها.

أخذ الإرباك الصوتي منحى آخر، بعد إطلاق المفرقعات النارية من داخل المصلى القبلي، لتصنع أصواتا شبيهة بإطلاق الرصاص، خالقة جوا من الرعب والبلبلة في صفوف القوات والمستوطنين.

يصف الناشط المقدسي محمد أبو الحمص ذلك للجزيرة نت “كنت في الأقصى ورأيت الخوف في وجوههم، لقد تفاجؤوا كثيرا، رغم إمكانيات الشبان البسيطة إلا أنها أحدثت فرقا”.

إرباك عابر للساحات

لم يقتصر الإرباك الصوتي على داخل المصلى القبلي ذي القبة الرمادية، بل تعداه إلى ساحات المسجد الأقصى مقابل المصلى وصولا إلى صحن قبة الصخرة المشرفة، حيث عمد بعض المصلين إلى الجلوس على الأرض أو المصاطب وقراءة القرآن بصوت عالٍ، والتكبير بشكل متكرر فور مرور مجموعات المقتحمين.

كانت تتلاقى أصوات الشبان في القبلي جنوبا، وكبار السن على المصاطب وسطا، مع أصوات النساء شمالا قرب الصخرة، اللواتي رفعن أصواتهم بالتكبير وقراءة القرآن والنشيد، ومع حصار قوات الاحتلال لهن ودفعهن وضربهن إلا أن هتاف “الله مولانا ولا مولى لهم، أقصانا لا هيكلهم” كان أعلى وتردد صداه في كل المسجد.

قذف الرعب

“صوتنا أخافهم، رغم عتادهم وعددهم، رأيت التوتر والخوف في وجوه المستوطنين والقوات المسلحة التي تحرسهم بكثافة”، هذا ما قالته الإعلامية المقدسية فاطمة بكري التي وثقت عبر بث مباشر اقتحامات المستوطنين والإرباك الصوتي في مواجهته.

وأضافت “اغتاظ المستوطنون فحاولوا استفزاز المصلين وقاموا بشتمهم ورفع شارة النصر، لكن ذلك لم يخف خوفهم”.

ولليوم الثالث على التوالي يقتحم المستوطنون المسجد الأقصى صباحا تزامنا مع عيد الفصح العبري، حيث بلغت أعداد المقتحمين منذ الأحد 1674 مستوطنا حسب دائرة الأوقاف الإسلامية، بينما لم تتوقف اقتحاماتهم المعتادة منذ بداية شهر رمضان، لكنها اقتصرت فقط على الفترة الصباحية، بعد أن كانت مسائية (بعد الظهر) أيضا قبل الشهر الفضيل.

خطر متجدد

ورغم تراجع أعداد المعتكفين في المسجد الأقصى بسبب منع أهالي الضفة الغربية من الوصول، وعرقلة الدخول عبر أبواب المسجد، وحملات الاعتقال الإداري والإبعاد، فإن الاعتكاف النهاري والليلي ما زال قائما في المسجد لصد الاقتحامات، ومنع أي محاولة لذبح قربان عيد الفصح فيه، أو تنفيذ طقوس أخرى مقاربة.

وسائل أخرى

وإلى جانب الإرباك الصوتي، نثر المصلون الزجاج والحجارة شرقي المسجد الأقصى لصيق السور، ونصبوا المتاريس الحجرية والخشبية، لمنع مرور المستوطنين من المكان أو الوقوف فيه، بعد أن اعتادوا قبل رمضان اقتحامه والصلاة فيه وإلقاء المواعظ الدينية.

وأثناء مشاركته في تنظيف ساحات الأقصى ومدخل المصلى القبلي بعد انتهاء فترة الاقتحام، قال لنا الستيني خير الشيمي من الداخل الفلسطيني “اقتحموا مسجدنا نعم، لكنهم دخلوه خائفين، غيروا مسارهم المعتاد، وهرولوا مسرعين، وتقلصت أعداد كل مجموعة إلى 30 فقط، لن يمر الاقتحام أهلا أو سهلا”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.