الدكتور محمد أبو السعود: يقع أولياء الأمور بخطأ كبير جدا عندما يغرسون “مهنة المستقبل” بنفس الصغير وفق رغباتهم وأحلامهم

عمان- “طبيب.. مهندس.. طيار.. وغيرها”، ورغم كل نتائج الدراسات والأبحاث التي تؤكد أن هذه المهن قد يكون مستقبلها ضبابيا ويعاني خريجوها من البطالة أو تدني الأجور بسبب كثرتهم، لا يزال كثيرون في المجتمع يصرون على أن يزرعوا في مخيلة الطفل أن هذه المهن هي الجيدة والمفيدة والمميزة، وبعضهم يسعى من وراء ذلك -بوعي أو بغير وعي- إلى أن يحقق عبر أبنائه أحلامه التي لم يستطع هو بلوغها.

ويؤكد تربويون أن هذه الطريقة لا تصب في مصلحة الطفل، كما أنها تضيق إطار نظرته السليمة لمهن المستقبل التي باتت متغيرة وبسرعة مذهلة، وتأثرت بكثير من العوامل محليا وعالميا، فبدل أن نحرر فكر الطفل ليتخذ القرار المناسب لقدراته ورغباته نقيده برغباتنا، ونوجهه للمستقبل مقيدا بأحلامنا.

ويشير التربويون، إلى أن الطفل عندما يصبح “شابا” يمضي بهذه المهن رغما عن أنفه، ويبقى يؤكد أنه اختارها بسبب رغبة الآخرين، وكلما واجهته مشكلة يتذمر ويبحث عن سبب اختياراته دون قناعة، قد يبدع ولكن لن يكون شغوفا بما يقوم به، وهذا لن يساعده على التقدم. ولهذا ينصح التربويون بالابتعاد عن التوجيه الممنهج، وترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي لتحقق رغبات الشباب.

يجب اكتشاف إمكانية الطفل تمهيدا لاختيار التخصص قبل أن يقدم عليه (بيكسلز)

غرس مهنة المستقبل

بدوره، يقول الاختصاصي التربوي الدكتور محمد أبو السعود (متقاعد من وزارة التربية والتعليم- الأردن): “يقع العديد من أولياء الأمور بخطأ كبير جدا، عندما يغرسون “مهنة المستقبل” بمخيلة الصغير وفق رغباتهم وأحلامهم، فهذا الأمر ليس مبنيا على أي أساس علمي، فالطفل دائما يأخذ نموذج قدوة أبيه أو أمه أو عمه أو خاله.. وبالتالي يجب أن نترك الخيار للطفل في البدايات لأن يختار بمفرده النموذج الذي سيقتدي به في حياته.

ويتابع “إذا شعرنا أن هنالك نموذجا نحن نرغب به، والطفل يرغب به في ذات الوقت، نعمل على تقديم ما يمكن من دعم ومعرفة واختبار وغيرها، ليتمكن من تحقيق هذا النموذج القدوة التي كان في بداية حياته”.

التربوي الدكتور محمد أبو السعود- (الجزيرة)
الدكتور أبو السعود: لا تلبس ابنك قالب “مهنة” أنت تعيشها بمخيلتك (الجزيرة)

ما نوع التعليم الذي سأختاره؟

ويؤكد الدكتور أبو السعود للجزيرة نت ضرورة أن تكون هناك قرارات مهمة يتدرب الطفل عليها تدريجيا مع العمر حتى يصل إلى سن 14 أو 15 عاما، مبينا أنه “كان يتبع هذا النهج أثناء عمله في قسم التخطيط في وزارة التربية والتعليم الأردنية، عندما كان ينبه طلبة الصف العاشر في مرحلة اختيار التفرع لفروع التعليم المختلفة “العلمي، الأدبي، المهني بأنواعه..” بأن يتم وضع الخيارات المبنية على أساس علمي، وأن يكون الأهل على وعي بهذه المتطلبات لكل مهنة مستقبلية”.

ويرى أن أول مرحلة يجب أن يتعلمها الطالب، هي اتخاذ القرار، وثانيا يجب أن يتعلم مواصفات ومتطلبات المهنة التي سيختارها في حياته المستقبلية.

ويشير إلى أن أول قرار صعب ومهم وتبنى عليه سعادة الإنسان ونجاحه، هو قرار “ما نوع التعليم الذي سأختاره؟”، وهذا يعني أن ولي الأمر يجب أن يكون على دراية بقدرات طفله، فكل مهنة وكل وظيفة المقياس لها هو الإبداع والتميز، وليس المسمى.

6- أول مرحلة يجب أن يتعلمها الطالب هي اتخاذ القرار- (بيكسيلز)
أول مرحلة يجب أن يتعلمها الطالب هي اتخاذ القرار (بيكسلز)

لكل مهنة متطلبات

يقول أبو السعود “بشكل عام، يجب أن يكون توجيه الطفل بمنحنى يبدأ بعد الصف السادس الابتدائي (12 عاما) انسجاما مع الميول الملاحظة عليه، وانسجاما مع قدراته خلال الفترات الدراسية التي يمر بها، ومدى قدرته على تحمل المسؤولية والضغط، فلكل مهنة مواصفات ومتطلبات، فالطبيب يحتاج إلى قوة الذاكرة، وسرعة البديهة والقدرة على الحفظ، والتمكن من اللغة الإنجليزية، حتى ينجح في دراسة الطب”.

ويتابع “لا بد أن تكون هنالك توعية تامة للوالدين، أن لكل مهنة متطلباتها، وهذا ملقى على عاتق المدرسة والمعلمين والأسرة وكل من يسهم في توجيه الطفل ليصل إلى بر الأمان”.

اختلاف القدرات طبيعة فطرية

ويشرح أبو السعود “عمليا، وحتى نصل إلى جيل ناجح في عمله ومبدع، يجب أن نغرس في أذهان أطفالنا وأذهان أولياء الأمور أن الاختلاف في القدرات، هو صفة إنسانية”، وأن الأب لا يجوز أن يلبس ابنه قالبا يعيشه هو في مخيلته، أو يجعله “مقلدا لابن فلان أو فلانة..”.

ويعتقد أن المفارقات الاجتماعية بهذا الأمر موجودة، “فمثلا نجد اثنين درسا ذات التخصص وبذات الجامعة، ومع ذلك نرى أحدهما ناجحا في عمله ويحقق أعلى المراتب، وآخر اكتفى بالحد الأدنى من الخدمة في المجتمع، فهو يمارس هذه المهنة كمصدر للرزق وليس للإبداع والتميز”.

ويؤكد أبو السعود أن اسم التخصص الذي يعمل به الفرد غير مهم، بل المهم هو التميز والإبداع، وهذا يتطلب أن يكون هناك تعاون من الأهل والمعلمين والأكاديميين ووسائل الإعلام.

ينصح بالإبتعاد عن التوجيه الممنهج وترك الأمور لمجراها الطبيعي ولتحقق رغبات الشباب المتقدة- (بيكسيلز)
يجب الابتعاد عن التوجيه الممنهج وترك الأمور لمجراها الطبيعي لتحقق رغبات الشباب (بيكسلز)

مسمى مهنة “براق” أو “رقم واحد”

ويقول “أعتقد أننا انتهينا من النظرة الدونية للمهن، لأن لكل مهنة مسماها، فإذا كان الشخص يبدع فيها ويتميز يحقق نجاحات ومردودا ماليا ومكانة اجتماعية رائعة جدا، بالمقابل هناك أشخاص يهمهم فقط أن يكون مسمى المهنة براقا أو أن يكونوا “الرقم واحد” في المجتمع، لكن في حقيقة الأمر هذا النوع يعاني من الفشل والخوف المستمر في العمل، وحياته عبارة عن روتين، ومهنته مصدر دخل لا أكثر ولا أقل”.

ويرى أبو السعود أن هذا المنهج هو السبب في أننا أصبحنا نرى في كثير من الأحيان أخطاء طبية وهندسية وهدرا في المال العام، مما ينعكس على المجتمع بشكل عام.

ويتابع “لذا يجب وضع الطفل على السكة الصحيحة في بناء المجتمع بشكل عام، فلكل مهنة مواصفات ومتطلبات، ويجب فحص واكتشاف إمكانات الطفل، وصولا لاختيار التخصص قبل أن يقدم عليه”.

ويأمل أبو السعود بأن يكون هناك فصل دراسي في الجامعة للطالب سواء كان في مجال العلوم أو الآداب، يتعرف من خلاله على كافة المهارات المطلوبة في المهن أو التخصصات المستقبلية، وبعد أن ينهي متطلبات النجاح، يتم توجيهه حسب امتيازاته، وأن لا يكون معدل الثانوية العامة هو المقياس الوحيد الذي من خلاله يقبل الطالب في الجامعة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.