قونيا- قونيا واحدة من أهم المدن التركية التي تتميز بروح البساطة في جميع جوانب الحياة اليومية. فالمدينة الواقعة وسط جنوبي البلاد تشتهر بتقاليدها وثقافتها الإسلامية الصوفية التي تحض على التواضع والزهد، ويمكن ملاحظة هذه الروح في أسلوب حياة سكان المدينة، وفي النشاطات الثقافية والاجتماعية التي تنظم فيها.

ويُعد أهل قونيا نموذجا يحتذى به في ما يتعلق بالعيش البسيط والمتواضع، ويظهر هذا في كل شيء، بدءا من المأكولات المحلية ووصولا إلى الثقافة والتقاليد. يقول مولود زورلو، طالب يدرس اللغة العربية في جامعة نجم الدين أربكان في المدينة “قد تكون قونيا تلقت زهدها وبساطتها من مولانا جلال الدين الرومي والدراويش. وهذه القيم لها مكانة عميقة الجذور في تاريخ المدينة وثقافتها”.

ويوضح زورلو، في حديثه إلى الجزيرة نت، أنه “يمكن رؤية البساطة في كثير من مجالات الحياة في قونيا، فمثلا تجذب منازلها التقليدية الانتباه بتصاميمها البسيطة، ويتم اختيار المواد المستخدمة من مصادر طبيعية ومحلية”.

وتشتهر منازل قونيا بأنها مبنية بالطوب الأحمر الذي يوفر حماية من الحرارة خلال فصل الصيف ويحفظ الدفء خلال فصل الشتاء، وتوجد مجموعة من البيوت مفتوحة للزوار كمتحف لاستعراض تصاميم المنازل والعادات التقليدية التركية القديمة.

معالم تاريخية

ويغلب على المدينة طابع التديّن الذي يعكس روحانيات مختلفة في كل زاوية من زواياها، إذ تبوح بفيض من الأسرار التاريخية وتحلّق بالزائر نحو 10 قرون إلى الوراء، بفضل ما تحتويه من معالم تاريخية وجوامع ومدارس وكليات وخانات وحمامات قديمة ترجع إلى عهد الدولة السلجوقية والعثمانية.

يقول محي الدين مامادامينوف طالب الدكتوراه القادم من أوزبكستان لدراسة التاريخ في جامعة سلجوق في قونيا “هناك مبان قديمة في قونيا غنية جدا بالثقافة.. وتأثيرها في التعليم إيجابي”.

مدينة قونيا تضم أسواقا تقليدية صغيرة تبيع منتجات محلية يدوية (الجزيرة)

ومعظم المباني التاريخية تتميز بالبساطة، ومنها مسجد جلال الدين الرومي الذي يُعد من أشهر المعالم السياحية الدينية في قونيا، ويتميز ببنائه البسيط الذي يعكس الفلسفة الصوفية المتمثلة في البساطة والتواضع. وجامع علاء الدين، الواقع فوق تلة وسط المدينة، ويعد من أقدم وأهم الآثار السلجوقية فيها، ويتميز بتصميم بسيط وأنيق يعكس جمالية العمارة الإسلامية وتراثها الغني.

يشير المرشد السياحي باهادير فيدان إلى وجود مبان تاريخية من العصر السلجوقي، مثل مدرسة إينسي ميناري، ومدرسة سيرجالي، ومدرسة كاراتاي، وتم تحويلها جميعا إلى متاحف.

ويقول فيدان للجزيرة نت إن المباني التاريخية في قونيا صوفية الطابع و”السياح القادمون من خارج تركيا، وخصوصا المسلمين، يتأثرون بالجانب الروحي. كما يتأثر السياح الأجانب بفلسفة مولانا، والتي تتمركز حول الإنسان، أي سواء كنت مسلما، أو مسيحيا، أو بوذيا، أو ملحدا..  تعال”.

أسلوب حياة بسيط

وتتوفر في المدينة شبكة مواصلات متطورة، وطريقة الوصول إليها بسيطة وسهلة. يقول صانع المحتوى المصري مازن درة للجزيرة نت “عندما زرت قونيا، لاحظت أن الحركة فيها ليست معقدة مثل إسطنبول، بإمكانك أن تحفظ الطرق والأماكن بسرعة، أي أن خطوط الحركة فيها سهلة وبسيطة. والناس يحبون المساعدة، ويقدمون النصائح لتصل إلى الأماكن التي تريد زيارتها”.

ويتابع “أعتبر قونيا من أكثر المدن التركية التي فيها انضباط أخلاقي، وأنصح كل سائح يبحث عن الروحانيات بزيارتها”.

ويقول الطالب الأوزبكي محي الدين مامادامينوف إن “هناك فرقا بين قونيا ومدينتي سمرقند. الطعام مختلف وكذلك الملابس. لكن ثمة نقاط مشتركة بينهما، مثل اللغة والدين والمذهب. أشعر بالراحة في العيش هنا، أهل المدينة هادئون ومهذبون للغاية، وأوصي الطلاب الدوليين بالقدوم إليها، جميع أنواع التسهيلات متاحة للطلاب فيها”.

اعمال يدوية-انا(1)
أعمال يدوية تتميز بالبساطة والجودة العالية تشتهر بها قونيا (الجزيرة)

مائدة رمضانية بنكهة لذيذة

يتميز الطعام التقليدي في قونيا بالبساطة والنكهة اللذيذة، ويظهر ذلك خصوصا في مائدة رمضان، إذ تُقدم الأطعمة التقليدية وأنواعٌ مختلفة من الحساء، مثل حساء البامية التي تشتهر بها المدينة، بالإضافة إلى الأرز والخضروات والحلويات المحلية. وتحتوي هذه الأكلات على المكونات الأساسية المتوفرة في المنطقة.

يقول مولود زورلو “يشتهر مطبخ قونيا بأطباقه البسيطة واللذيذة، لأن سكان المدينة يتمتعون عموما بأسلوب حياة بسيط ومتواضع، ويمكنك رؤية انعكاسات هذه القيم في الحياة اليومية”.

وتحمل مائدة رمضان في قونيا روح العطاء والتضامن، إذ يتم دعوة الجيران والأقارب والأصدقاء لتناول الطعام معا في جو من البساطة والود. وتعد هذه المائدة فرصة للتعارف والتواصل وتبادل الخبرات والمعرفة.

أزياء تقليدية بتصميم جميل

كما تشتهر قونيا بالأزياء التقليدية التي تتميز بالبساطة والألوان الهادئة والتصميم الجميل، ولعل أهمها لباس النساء التقليدي المكوّن من فستان طويل يتميز بالراحة والأناقة. ويتم إكمال المظهر بالحجاب الذي يعكس الثقافة الإسلامية للمدينة.

تقول الناشطة الاجتماعية بتول أرسلان للجزيرة نت “نرتدي الحجاب لأن قونيا مدينة متديّنة، ونحب البساطة لأنها أحد مظاهر الإيمان، لكن ليس شرطا أن يكون الجميع مثلنا”.

وتضيف “أنا سعيدة جدا بالعيش في قونيا، لا يوجد ازدحام، وهناك احترام متبادل بين الجميع، وتنتشر هنا المبادرات التطوعية، كلها أمور جميلة للغاية وأتمنى أن تدوم”.

فن الايبرو
تشتهر قونيا بحرف يدوية تقليدية ومنها فن الإيبرو (الجزيرة)

حرف يدوية تقليدية

وتشتهر قونيا، أيضا، بحرف يدوية تقليدية، مثل صناعة السجاد التركي والتطريز اليدوي والخياطة التقليدية وصناعة الفخار. وتتميز هذه الحرف بالبساطة والجودة العالية. وتضم المدينة أسواقا تقليدية صغيرة تبيع هذه المنتجات المحلية.

وتُعد قونيا من أقدم المدن في العالم، إذ يعود تاريخها إلى العصر البرونزي. وهي مركز اقتصادي وثقافي مهم في تركيا. وأدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، عام 2000، ضمن قائمة التراث العالمي تحت عنوان “قونيا عاصمة السلاجقة”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.