بيروت – يستعد لبنان رسميا للانتخابات البرلمانية التي ستنطلق بمرحلتها الأولى مع المغتربين اللبنانيين يومي السادس والثامن من مايو/أيار الجاري، وذلك قبل أسبوع واحد من موعدها المقرر داخل لبنان في 15 مايو/أيار 2022.

وتتجه أنظار جميع القوى السياسية التقليدية والمنبثقة عن المجتمع المدني نحو انتخابات المغتربين التي تُعقد للمرة الثانية في لبنان بعد دورة انتخابات 2018، نظرا لقدرة أصواتهم على التأثير في نتائج الانتخابات، وهو ما تجلى في الاستقطاب السياسي بين مختلف القوى، إذ يسعى كل منها لجذب أكبر قدر من المغتربين لمصلحته.

معلومات عن الناخبين المغتربين

افتتحت وزارة الخارجية اللبنانية داخل حرمها، اليوم الخميس 5 مايو/أيار، غرفة العمليات الخاصة بإدارة ومراقبة الانتخابات النيابية في الخارج، وذلك بحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، ودعا كلاهما المغتربين إلى المشاركة الكثيفة بالانتخابات.

ويبلغ عدد الناخبين اللبنانيين المغتربين المسجلين في الخارج 225.114 ناخبا، وهو أعلى بنحو 3 أضعاف من أعداد أولئك المغتربين المسجلين بانتخابات 2018، حين بلغوا نحو 92 ألف ناخب.

وينتشر هؤلاء الناخبون المسجلون في 58 دولة بالقارات الست، لكنهم يشكلون نسبة 25% من إجمالي اللبنانيين المقيمين في الخارج الذين يحق لهم الاقتراع، وتقدّر أعدادهم بنحو 970 ألفا، حسب مركز “الدولية للمعلومات”.

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يفتتح غرفة العمليات الخاصة بانتخابات المغتربين في وزارة الخارجية والمغتربين (الجزيرة)

وتنطلق في السادس من مايو/أيار انتخابات المغتربين في دول عربية وخليجية تعتمد الجمعة عطلة رسمية، هي: السعودية والكويت وقطر والكويت وسوريا وسلطنة عمان ومصر والبحرين والأردن والعراق وإيران، باستثناء دولة الإمارات التي تعتمد الأحد عطلة رسمية فسيقترع فيها المغتربون اللبنانيون مع المنتشرين بالدول الغربية في الثامن من مايو/أيار. وسجلت أوروبا العدد الأكبر للناخبين اللبنانيين وتليها آسيا فأميركا الشمالية.

ويتجه هؤلاء الناخبون المغتربون إلى مراكز الاقتراع التي سجلوا فيها، وتنطبق عليهم الشروط نفسها للانتخابات بالداخل، التي تجري وفقا للقانون النسبي. ويحق لكل مغترب في الخارج كما الداخل أن يصوّت لإحدى اللوائح المرشحة بالدائرة الانتخابية المسجل فيها (بمسقط رأسه)، وأن يعطي الصوت التفضيلي لأحد مرشحي اللائحة التي اختارها حصرا وضمن دائرته الصغرى.

غير أن التحضيرات لانتخابات المغتربين شهدت جدلا سياسيا حاميا، بلغ مستوى طرح الثقة بوزير الخارجية عبد الله بوحبيب في البرلمان من دون اكتمال نصاب الجلسة المخصصة لذلك، على خلفية السجال حول توزيع أقلام الاقتراع بالدول الكبرى، والمسافات الكبيرة بين أماكن سكن بعض الناخبين المغتربين ومراكز الاقتراع التي وردت أسماؤهم بها، كما حدث في سيدني.

وحاليا، تتعاطى جميع القوى مع ظروف انتخابات المغتربين كأمر واقع، وسط مخاوف مراقبين أن تؤدي لاحقا إلى تسجيل الطعون بنتائجها أو إلى التشكيك في شفافية سير العملية.

تحضيرات وعقبات

قبل نحو أسبوع أوضح وزير الخارجية اللبناني أن اختيار مراكز الاقتراع بالخارج يعتمد على شروط الدول المضيفة، وأُبلغت البعثات الدبلوماسية والقنصلية بتحديد المراكز حسب التوزيع الجغرافي للناخبين المغتربين، وأن إيداع المعلومات الصحيحة لدى التسجيل عبر منصة المغتربين يقع على مسؤولية الناخب، لا على عاتق وزارة الخارجية.

وفي السياق، يتحدث مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية للجزيرة نت عن بعض العقبات اللوجستية والمادية التي تواجه انتخابات المغتربين، مؤكدا أن التحضيرات مستمرة على قدم وساق، وهي شبه جاهزة وإن لم تكن 100%.

ويعطي المصدر أمثلة عن بعض المشاكل اللوجستية التي تواجهها الوزارة، كوصول بعض صناديق الاقتراع إلى مراكزها الخارجية مع بعض الكسور التي تستدعي استبدالها بأخرى، إضافة إلى تقديم طلبات لعدد كبير من المندوبين تفوق قدرة المراكز المخصصة على استيعابها، كذلك بعض الناخبين المغتربين يواجهون مشكلة بُعد المسافة الجغرافية عن مراكز اقتراعهم.

ويذكر المصدر أن بعثة مراقبة الانتخابات في الاتحاد الأوروبي أثارت في انتخابات 2018 مشكلة تكمن في أن كثيرا من المغتربين لم يصوّتوا لأن أسماءهم وردت بمراكز بعيدة عن أماكنهم سكنهم، وحاليا “لاحظت وزارة الخارجية هذه المشكلة، لكن الماكينات الانتخابية لبعض الأحزاب تتحمل مسؤولية معظم الأخطاء الواردة لدى الناخبين الذين جاءت أسماؤهم بمراكز اقتراع بعيدة عنهم”.

وقال المصدر إن وزارة الخارجية أمام حالات فردية فقط بهذا الإطار، وليست حالة عامة تتعلق بعقبات جغرافية تحول دون وصول المغتربين إلى مراكز اقتراعهم.

وبالتوازي مع ذلك تواجه انتخابات المغتربين عقبات مالية كثيرة يتحدث مصدر الوزارة عن بعضها؛ فبعد أن طلبت الخارجية من الحكومة رصد ميزانية تقدّر بـ4.5 ملايين دولار لإنجاز انتخابات المغتربين، خصصت لها فقط 3 ملايين دولار، نتيجة العجز وسوء الأوضاع النقدية، وهي أقل بكثير من ميزانية انتخابات 2018.

ودعا الواقع المادي إلى التقشف بانتخابات المغتربين، فاستعانت وزارة الخارجية بمعظم المراكز المجانية في الخارج، كاستعمال المساجد والكنائس والمدارس والمراكز المجانية حسب كل بلد.

ومع ذلك، تواجه الانتخابات مشكلة عدم تحويل كل الأموال المخصصة إلى البعثات الخارجية، بسبب العقبات المصرفية. ولتخطي هذه المشكلة، “سمحت وزارة الخارجية للبعثات باستعمال أموال مرصودة لها من واردات القنصليات لتغطية نفقات الانتخابات إلى حين تحويل الأموال”.

المغتربون وأمن الصناديق

ينتشر في دول الاغتراب 205 مراكز مقابل 598 قلما انتخابيا. وبعد إقفال صناديق الاقتراع يومي جمعة والأحد، يفرز رؤساء الأقلام المغلفات حسب الدائرة الانتخابية وتختم بصناديق خاصة بالشمع الأحمر، ثم ترسل إلى لبنان عبر شركة الشحن “DHL”، وتحفظ في خزائن مصرف لبنان المركزي، إلى حين نقلها للجان القيد يوم 15 مايو/أيار (موعد انتخابات لبنان) بهدف فرزها مع كل الأصوات.

ويتحدث المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية لتعزيز ديمقراطية الانتخابات (LADE)، علي سليم، عن غياب الشفافية والوضوح الكاملين بالتعاطي مع انتخابات الداخل والخارج.

ويوضح سليم للجزيرة نت أن دور هيئة الإشراف على الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية غير مفعل بمراقبة انتخابات المغتربين، ويذكر ما حدث في انتخابات 2018 إذ “بقيت صناديق الاقتراع في مراكزها بالدول التي أجريت فيها الانتخابات يوم الجمعة، لأن شركة DHL تغلق يوم السبت، ولم تنقل حتى مساء الأحد بعد الانتهاء من كل انتخابات المغتربين”.

والمشكلة الأخرى، وفق سليم، تكمن في أن مغلفات الصناديق حين تصل إلى مصرف لبنان فإن المادة 120 من قانون الانتخابات تنص على أن الفرز يكون في لجنة القيد العليا في بيروت، لكن ما حدث في 2018 أنها لم تحوّل إلى هذه اللجنة بل وزّعت إلى لجان القيد بالدوائر العائدة إليها، وذلك أدى إلى ضياع عشرات الأغلفة، وثمة خشية من تكرار التجربة.

وفي انتخابات 2018 كان هناك مندوبون لكل الأحزاب في مراكز الاقتراع، شهدوا على عملية الفرز ومحاضرها وإغلاق الصناديق، قبل تسليمها إلى DHL.

ويوضح مصدر وزارة الخارجية أن انتخابات 2022 شهدت استحداث وضع “GPS” في كل صندوق، وذلك يعني أنه لا يمكن لأي صندوق أن يضيع، وعند وصوله إلى المطار ستستقبله وزارة الخارجية، بمواكبة أمنية نحو مصرف لبنان، وذلك يجعل التلاعب بالصناديق مسألة صعبة.

الخريطة السياسية للبرلمان بعد انتخابات 2018 (الأناضول)

الاستقطاب وحملات الاغتراب

وتتميز انتخابات المغتربين اللبنانيين في 2022 بالعدد الكبير للمسجلين مقارنة مع 2018، لكنه يعكس تنامي موجة الهجرة في لبنان بعد حراك 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 والانهيار الاقتصادي، وفق علي سليم. ويقول إن الناخب المغترب “غالبا ما يكون محررا بخياراته قياسا بالناخبين المقيمين في الداخل، كونه معرضا لضغوط أقل من القوى السياسية”.

وهنا يتحدث طوني مخايل -محام ومستشار قانوني لمؤسسة مهارات اللبنانية التي تجري حاليا دراسات حول السلوك الانتخابي- عن الحملات الانتخابية بمخاطبة المغتربين ومحاولات التأثير عليهم في بلاد الانتشار.

ويقول مخايل للجزيرة نت إن المعركة الفعلية تدور حول جذب الناخبين بالخارج، نظرا لقلق جميع القوى من تأثير أصواتهم على النتائج. ويلحظ مخايل عبر دراسات تحليلية عدة للخطاب أن جميع القوى المنخرطة بالانتخابات، سواء التقليدية والقوى المنبثقة عن المجتمع المدني التي تحمل شعار “التغيير”، انتهجت خطابا يرتكز على اللعب على المشاعر لجذب الناخبين أكثر مما هو خطاب مبني على برنامج انتخابي واضح.

فمن جهة، تسعى القوى التقليدية لتحويل الاستحقاق الانتخابي إلى معركة وجود سياسية وطائفية ومناطقية وأيديولوجية، ومن جهة أخرى اعتمدت معظم قوى “التغيير” على دعوة الناخبين بالخارج والداخل إلى التصويت ضد أحزاب السلطة الحاكمة التي “هجرتهم وأفقرتهم”.

ويشير طوني مخايل إلى أن الأحزاب التقليدية في انتخابات 2018 كانت تمسك بنسبة عالية بزمام المعركة الانتخابية في الخارج، أما في انتخابات 2022 فقد دخلت قوى جديدة على خط مخاطبة المغتربين. فمثلا، بعض القوى التغييرية ببعض الدوائر، وتحديدا ذات الغالبية المسيحية، تعوّل على أصوات المغتربين لمساندتهم بتسجيل خروق ضد لوائح قوى الأحزاب التقليدية.

ويعتقد سليم ومخايل أن ثمة ضرورة بعد 15 مايو/أيار لتقييم تأثير أصوات المغتربين في نتائج الانتخابات، وتحديد الفائزين والخاسرين بها، ومدى شفافية العملية بنقل الصناديق وفرز الأصوات، خصوصا أن ظروف انتخابات 2022 استثنائية ومصيرية، فنتائجها سترسم موازين القوى في البرلمان المقبل.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.