القاهرة- في واحد من أهم أفلامه (فبراير الأسود) وقف الفنان الراحل خالد صالح يشرح لأفراد عائلته كيف يمكنهم الحياة بأمان في مصر، وذلك عبر الانتساب أو التقرب من الأجهزة الأمنية أو القضائية أو كبار رجال الأعمال، والحل الأخير هو “الحصول على جواز سفر دولة محترمة”، حسب وصفه.

ويبدو أن هذا الحل الأخير أصبح الأمل لأسرة الناشط السياسي علاء عبد الفتاح على طريق إخراجه من السجن الذي يقبع فيه منذ 3 سنوات، وهو ما يعيد التذكير بحالات مماثلة كانت الجنسية الأجنبية والتنازل عن الجنسية المصرية الحل الوحيد للخروج من السجن.

وقبل يومين، أعلنت أسرة عبد الفتاح أن علاء وشقيقتيه تقدموا بطلب للحصول على الجنسية البريطانية منذ عام 2019، وذلك استنادا إلى حصول والدتهم أستاذة الرياضيات بجامعة القاهرة ليلي سويف على الجنسية البريطانية بعد ولادتها هناك عام 1956.

وأضافت الأسرة أنها طلبت جواز سفر بريطانيا لعبد الفتاح ليكون مخرجا له من محنته “المستحيلة”، في إشارة إلى إمكانية إطلاق سراحه بعد هذا التطور.

وفي بيان موقع باسم شقيقتيه منى وسناء، قالت الأسرة إنه بصفته مواطنا بريطانيا، يطالب عبد الفتاح بزيارات قنصلية بريطانية في محبسه والتواصل مع محامين في بريطانيا حتى يتمكنوا من “اتخاذ الإجراءات أمام القضاء البريطاني الخاصة بما تعرّض له من انتهاكات وبكافة الجرائم ضد الإنسانية على مدار سني حبسه”.

وقال البريطاني دانييل فورنر -أحد محاميي الأسرة- لأسوشيتد برس “هذا مواطن بريطاني محتجز بشكل غير قانوني، وفي ظروف مروعة، لمجرد ممارسته حقوقه الأساسية في التعبير السلمي وتكوين الجمعيات”.

بدوره، قال متحدث باسم الخارجية البريطانية إنه تم طلب زيارة قنصلية لمواطن بريطاني، من دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

وقبل 10 أيام بدأ عبد الفتاح إضرابا عن الطعام احتجاجا على اعتقاله وعلى انتهاكات قال إنه يتعرض لها في سجنه، بينما تقول أسرته إنه محتجز في زنزانة لا تصلها أشعة الشمس منذ عامين ونصف العام، ومحروم من الكتب والتريض، وذلك بعد إدانته في محاكمة “غير عادلة”. كما تقول أيضا إنه عانى من سوء المعاملة وشهد انتهاكات أسوأ ضد زملائه السجناء.

ويعد عبد الفتاح (40 عاما) أحد أبرز نشطاء حقوق الإنسان في مصر، وكان من أبرز وجوه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك بعد 30 عاما قضاها بالسلطة، علما أن الناشط سُجن عدة مرات في عهد مبارك.

كما يعد عبد الفتاح معارضا بارزا لحكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وتم القبض عليه عام 2013 وحوكم في العام التالي بتهمة التجمهر والاحتجاج ليتلقى حكما بالسجن 5 سنوات مع الخضوع لرقابة الشرطة 5 سنوات أخرى.

التنازل عن الجنسية المصرية

في هذا السياق، يتوقع مراقبون في حال تدخلت السفارة البريطانية للإفراج عن علاء عبد الفتاح، سيطلب منه التنازل عن الجنسية المصرية، مثلما حدث مع حالات أخرى لمعتقلين يحملون جنسيات أجنبية، وطلب منهم التنازل عن الجنسية المصرية.

ومن هؤلاء الناشط السياسي محمد سلطان نجل أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة صلاح سلطان والمحبوس منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013.

وكان محمد سلطان -الذي يحمل الجنسية الأميركية وصدر ضده حكم بالمؤبد 25 سنة- دخل في إضراب طويل عن الطعام، مدته 495 يوما، وكاد أن يودي بحياته، ونتيجة امتلاكه جواز سفر أميركيا وخوفا من موته بسبب الإضراب داخل السجن، طلبت السلطات منه التنازل عن الجنسية المصرية مقابل الإفراج عنه وترحيله إلى أميركا، وهو ما حدث في مايو/أيار 2015.

وتستند السلطات المصرية في قرارات الإفراج عن المعتقلين الذين يحملون جنسيات دول أجنبية وترحيلهم لتلك الدول إلى القانون رقم 140 لسنة 2014، وينص في مادته الأولى على أنه يجوز لرئيس الجمهورية بناء على عرض النائب العام وبعد موافقة مجلس الوزراء؛ الموافقة على تسليم المتهمين ونقل المحكوم عليهم إلى دولهم، وذلك لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة حسب ما تقضي الأحوال، متى اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك، مع عدم الإخلال بأحكام القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

رامي شعث والجنسية الفرنسية

السيناريو نفسه تم تطبيقه مع الناشط السياسي والقيادي في حركة مقاطعة إسرائيل رامي شعث، الذي يحمل الجنسية المصرية استنادا إلى أمه المصرية.

ورغم أن شعث نجل قيادي كبير في منظمة التحرير الفلسطينية هو الوزير السابق نبيل شعث، فإن هذا لم يمنع السلطات المصرية من اعتقاله عامين ونصف العام سنة 2019 بتهمة مساعدة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مصر.

وبذلت زوجته -التي تحمل الجنسية الفرنسية- جهودا كبيرة للضغط على السلطات في مصر من أجل الإفراج عنه، ووافقت الأجهزة الأمنية على إطلاق سراحه شريطة تنفيذ ما سبق أن تم فعله مع محمد سلطان وهو التنازل عن الجنسية المصرية، وبعد موافقته تم ترحيله إلى فرنسا.

وقبل شعث تكررت الواقعة نفسها مع الصحفي المصري محمد فهمي الذي يحمل الجنسية الكندية وحكم عليه بالسجن 7 سنوات، وبسبب الضغوط الكندية طلبت منه السلطات المصرية التنازل عن الجنسية المصرية مقابل إطلاق سراحه وترحيله إلى كندا، ووافق فهمي وتم ترحيله عام 2015.

آية حجازي تتمسك بالجنسية المصرية

في المقابل، أفرجت السلطات المصرية عن الناشطة آية حجازي التي تحمل الجنسية الأميركية، وذلك من دون أن تتخلى عن الجنسية المصرية.

وتحمل آية -المولودة في مصر لأم مصرية وأب لبناني- الجنسية الأميركية، واحتجزتها السلطات المصرية هي وزوجها عام 2014 بتهمة الإتجار في البشر، وأمام الضغوط الأميركية تم إطلاق سراحها، واستقبلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض.

معتقلون لم تنفعهم الجنسية الأجنبية

وبينما كان جواز السفر الأجنبي بمثابة بوصلة النجاة لعدد كبير من المعتقلين في السجون المصرية، فإن هناك آخرين لم تنقذهم الجنسية الأجنبية، ومنهم من مات مسجونا مثل مصطفى قاسم الذي كان يحمل الجنسية الأميركية واعتقل عام 2013 وصدر بحقه حكم بالسجن 15 عاما.

وقدم قاسم طلبا للتنازل عن الجنسية المصرية في مقابل الإفراج عنه وترحيله إلى أميركا، وأمام تجاهل السلطات المصرية لطلبه قرر قاسم الإضراب عن الطعام، ولكنه مات داخل السجن، وعقّب ديفيد شينكر نائب وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط بأنه حزين لوفاة قاسم، وأن موته كان مأساويا وكان يمكن تجنبه.

ولم يكن مصطفى قاسم الحالة الاستثنائية الوحيدة الذي لم تنقذه جنسيته الأجنبية من السجن؛ فالمعتقلة نجلاء يونس التي تحمل الجنسية الأميركية قدمت هي الأخرى طلبا للتنازل عن الجنسية المصرية وترحيلها إلى أميركا، ولكن طلبها قوبل بالرفض، وما زالت داخل السجن حتى الآن.

الجنسية مقابل الحرية

في هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة جونز هوبكنز الأميركية خليل العناني إن الجنسية مقابل الحرية أصبحت السبيل الوحيد لخروج المعتقلين السياسيين في مصر، خاصة النشطاء المعروفين منهم كما حدث من قبل مع الناشطين رامي شعث ومحمد سلطان.

وفي حديثه للجزيرة نت، رأى العناني أن نظرية الجنسية مقابل الحرية تعكس أمرين: الأول ازدراء وعنصرية وتمييز السلطات المصرية تجاه حاملي الجنسية المصرية الذين يتعرضون لكافة أنواع القمع والتضييق، حسب تعبيره.

والأمر الثاني -وفقا للأكاديمي المصري المقيم بالخارج- أن الجنسية الأجنبية هي ما يضمن احترام السلطات للحد الأدنى من حقوق المعتقلين، مشيرا إلى أن ذلك عكس “ادعاءات السلطة حول الوطنية وهيبة الدولة وكل هذا الخطاب الدعائي الذي يستخدم ضد المعارضين السياسيين”.

ووصف العناني هذا الوضع بأنه وضع لم يحدث في تاريخ مصر المعاصر، بما في ذلك ما حدث خلال عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر (توفي عام 1970) من قمع واسع للسياسيين والنشطاء من كافة التيارات، خاصة الإسلامية والشيوعية، حسب تعبيره.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.