تدور الأم على طاولات حفل زفاف تسأل عن ابنتها “ليلى”. تتنقل بين شباب وأطفال ونساء من مختلف الأعمار وقد ارتدوا جميعا إما ملابس تقليدية مغربية جميلة أو ملابس سهرة غربية. تجدها أخيرا تجلس وسط مجموعة أطفال لتروي لهم قصة الملك الذي يريد تزويج ابنته الأميرة رغما عنها. تصيح فيها أن تأتي مسرعة لأنها تأخرت، لكن الأطفال يعترضون لأنها لم تكمل لهم الحكاية. فتجلس الأم بجوارها وتقول إن الملك قال للأميرة إن لم تتزوجي قريبا فستكبرين وتكونين قبيحة، ولن يرغب فيك أحد. تجر الأم الفتاة من يدها مسرعة ثم تخرجان إلى قاعة الزفاف، حينها تتهامس عمتاها بأن “ليلى” قد بلغت الـ30 من العمر وليست طاهية جيدة وأنها “مسكينة”؛ وهو عنوان الفيلم الهولندي الذي يروي قصة فتاة مغربية هولندية تشعر عائلتها نحوها بالشفقة لأنها لم تتزوج بعد، فيبحث أفراد العائلة لها عن عريس.

الفيلم من إخراج داريا بوكفيتش وبطولة الممثلة المغربية الهولندية مريم حسوني، وهو فيلم كوميدي يدور في قالب فانتازيا اجتماعية شبابية وفي إطار من الصراع التقليدي بين الأجيال المختلفة ورغبة الأهل في تزويج ابنتهم بأية طريقة. لكن الجديد أنه تعبير عن تفاصيل أحد مشكلات المجتمعات العربية والإسلامية المتكررة في الدول الغربية بممثلين نشؤوا وتربوا هناك وبإنتاج متميز. فبطلة الفيلم “ليلى” تروي قصتها بصوتها وتشرح المعاناة النفسية التي تمر بها وسط ضغوط الأهل ورهاب الأماكن المفتوحة الذي تعاني منه، فضلا عن ضغوط المجتمع المغربي في هولندا المحيط بها والصراع الاجتماعي بين العادات والثقافات العربية التقليدية والأوروبية. وتنطلق الفتاة العاطلة عن العمل في قصة الفيلم لتحاول أن تعيد اكتشاف نفسها وتبحث عن السعادة.

وقد تم عرضه في دور السينما منتصف العام الماضي وبدأت شبكة نتفليكس في عرضه مؤخرا. والفيلم يعبر عن ظاهرة محاولات الأجيال الثانية والثالثة من المهاجرين العرب والمسلمين التعبير عن ذاتهم سينمائيا لنقل قضاياهم ومعاناتهم. وهي ليست المحاولة الأولى؛ فقد سبقتها عدة محاولات تلفزيونية في دول مختلفة. فشبكة “بي بي سي” (BBC) مثلا عرضت بين عامي 2012 و2016 المسلسل الكوميدي “المواطن خان” من إخراج “نيك وود” وبطولة الممثل البريطاني من أصول باكستانية عادل ري. والذي يروي قصة أسرة مسلمة تعيش في مدينة برمنغهام البريطانية ذات الجالية المسلمة كبيرة العدد وخاصة من ذوي الأصول الآسيوية.

تمثل هذه التجارب الإنتاجية المتعددة صورة أخرى من محاولات العرب والمسلمين في الغرب للتعامل مع السينما والإعلام من منظور مختلف. فبواعث الأمر ليست محاولة تحسين أو تجميل الصورة النمطية عن العرب والمسلمين والتي أثبتها كثير من الدراسات واستطلاعات الرأي وخاصة في المجال السينمائي والتلفزيوني، ولكن الدافع الرئيسي هو محاولة تجسيد القضايا والمشكلات الحياتية على الشاشة

وتحكي في قالب كوميدي يوميات رب الأسرة السيد خان البريطاني من أصول باكستانية والذي يصف نفسه بأنه رائد من رواد العمل الاجتماعي في المدينة، بالإضافة ليوميات زوجته وأولاده وبناته من مختلف الأعمار. وكان من بواعث المفارقة قدرة الممثل عادل ري أن يجسد شخصية السيد خان وهي أكبر من عمره الحقيقي بكثير باستخدام تقنيات المكياج وبكفاءة عالية. وقد قلدته الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا وسام الإمبراطورية عام 2016 تقديرا لجهوده في المجال الإعلامي.

كما تعد تجربة مسلسل “مسجد صغير في البراري” أحد أوائل الأعمال في هذا المجال، وهو مسلسل عرضته شبكة “سي بي سي” الكندية بين عامي 2007 و2012 من إخراج مايكل آيندي وتأليف الممثلة الكندية من أصول باكستانية زرقا نواز. وهو مسلسل كوميدي أيضا يحكي عن يوميات أقلية مسلمة في بلدة صغيرة تتمحور حياتهم حول مسجد صغير أقيم في كنيسة مستأجرة. ولم يتطرق المسلسل لأية قضايا سياسية أو جدلية، بل ركز على القصص الإنسانية لأبطال المسلسل. وقد حقق نجاحا جماهيريا كبيرا في ذلك الوقت. وقد أتاحته منصة “شبكة هولو” للمشاهدة تحت عنوان “مسجد صغير”.

من الصور النمطية إلى المشاركة السينمائية

تمثل هذه التجارب الإنتاجية المتعددة صورة أخرى من محاولات العرب والمسلمين في الغرب للتعامل مع السينما والإعلام من منظور مختلف. فبواعث الأمر ليست محاولة تحسين أو تجميل الصورة النمطية عن العرب والمسلمين والتي أثبتها كثير من الدراسات واستطلاعات الرأي وخاصة في المجال السينمائي والتلفزيوني، ولكن الدافع الرئيسي هو محاولة تجسيد القضايا والمشكلات الحياتية على الشاشة بطريقة إبداعية. ومن مميزات هذه الطريقة أنها تؤنسن الجاليات العربية والمسلمة في الغرب، أي تظهر الجانب الإنساني فيهم كونهم بشر في النهاية فيهم الصالح والطالح. وهي طريقة مهمة لمكافحة الصورة النمطية السلبية في وسائل الإعلام وكثير من الأفلام لكن بشكل أكثر جمالية وإبداعا.

ومن ناحية أخرى تفتح هذه الأعمال السينمائية والتلفزيونية نافذة للمشاهدين العرب والمسلمين في بلدانهم الأصلية على حياة هذه الجاليات في الغرب وأن الحياة هناك ليست بالوردية كما يعتقد كثيرون وفيها من التعقيدات ما فيها. الأمر الذي يعطي صورة أكثر واقعية لمن أراد الهجرة ليكتشف ما هو مقبل عليه. كما أن هذه الأعمال تفتح قضايا كثيرة مسكوت عنها خجلا بين الجاليات كقضايا مشاكل الزواج والطلاق وتربية الأبناء.

وتأتي هذه المحاولات الإنتاجية وسط محاولات من جانب آخر لصناع أفلام مسلمين من أجل تقديم خدمات متنوعة لهذه التجارب وغيرها التي تتناول القضايا العربية والإسلامية أو التي يشارك فيها عاملون عرب ومسلمون وذلك بغية الدعم الذاتي والمؤسسي لهم. فهناك أيضا مبادرات لتعزيز هيئات دعم العاملين المسلمين في مجال صناعة الأفلام مثل مؤسسة الفيلم المسلم البريطانية؛ وهي مؤسسة خيرية أنشئت قبل عامين وتهدف إلى دعم العاملين في صناعة الأفلام من المسلمين سواء من النجوم أو الممثلين أمام الكاميرا أم العاملين في القطاعات الإنتاجية المختلفة خلف الكاميرا وتهدف إلى مكافحة الصورة النمطية عن العرب والمسلمين في السينما. وتحاول أن تغني الثقافة الفيلمية في بريطانيا بالخبرات المسلمة. وقد انطلقت المؤسسة برعاية معهد الفيلم البريطاني، وتهدف أيضا إلى تقديم الخدمات الاستشارية لصناع الأفلام والمخرجين الذين يتناولون القضايا الإسلامية في أفلامهم لضمان أن تخرج صورة المسلمين حقيقية وليست مزيفة على الشاشة ورفعوا في ذلك شعار “ساعدونا لتغيير السيناريو”.

 

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.