نابلس- “كانت زميلتي تحمل العلم الفلسطيني وتسير بالقرب مني، فلحق بها أحد جنود الاحتلال وتدافع بين الطالبات فأسقطني وأخريات أرضا، ثم راح يضربني بالبندقية على كتفي، ونُقلت لاحقا للمشفى”.

هذا مشهد لم تنسه الطفلة سارة نعيم (12 عاما) منذ أشهر، ولا سيما أنها تعيشه يوميا في طريقها إلى مدرسة اللبِّن الشرقية الثانوية قرب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية.

وعن قُرب، عاشت -الجزيرة نت- لحظات صعبة يواجهها التلاميذ الفلسطينيون يوميا في تنقلهم لمدارسهم بقرية اللبن، ومنهم سارة التي أصيبت “برضوض قوية” وبحالة من الخوف لا تزال تسكنها.

وبعد أن أدت تحية العلم معلنة بدء الطابور الصباحي على وقع نشيد وطني فلسطيني يقول “وعهد الله ما نرحل”، تحدّثت سارة عن مشاهد القمع الذي تعرضت له هي وزميلاتها على أيدي جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، والمستوطنين الذين يعترضون طريق التلاميذ.

سارة نعيم طالبة تعرضت لاعتداء من جنود الاحتلال تؤدي تحية العلم خلال طابور الصباح داخل مدرسة اللبن الثانوية للإناث (الجزيرة)

التهمة جاهزة

وما تعيشه سارة ينسحب على أكثر من 700 طالب وطالبة يواجهون خطر الموت أو الإصابة يوميا وهم يسيرون إلى مدارسهم الثلاث في قرية اللبن المحاذية للشارع الرئيس الرابط بين مدينتي نابلس ورام الله، ولمئات الأمتار فوق رصيف بعرض متر واحد يقاسمهم فيه جنود الاحتلال.

ومثل سارة، عاشت الطالبة هبة أحمد (13 عاما) لحظات من الرعب بعدما نسيها سائق الحافلة التي تستقلها للوصول إلى المدرسة، فاضطرت لقطع الطريق مشيا وبنادق الجنود مسلطة صوبها.

وبينما تعرض بعض الطلاب للضرب من جنود الاحتلال بأعقاب البنادق، لاحق الجنود آخرين وأرهبوهم وهددوهم بالاعتقال، مثل الفتى أمير أكرم (15 عاما) الذي احتجز لساعات وتعرض لضرب شديد من الجنود الإسرائيليين، لرفضه الامتثال لأوامرهم بالجلوس “مثل الكلب” على الأرض.

ويقول أمير -للجزيرة نت- إن “التهمة واحدة ومعدّة سلفا، وهي رشق المستوطنين بالحجارة، ويتجاهل الجنود استفزازات المستوطنين لنا ولأهالي قريتنا”.

ومنذ بداية العام الدراسي سبتمبر/أيلول الماضي، وقع نحو 100 اعتداء إسرائيلي على طلبة اللبن ومدارسها، تمثلت في اقتحام الجنود للمدارس وإغراقها بقنابل الغاز والاعتداء على المعلمين وضربهم، وإغلاقها بواباتها بالأقفال.

وكان أخطرها إطلاق النار نحو التلاميذ وإصابة العديد منهم بجروح، مثل حال الطفل زيد سلامة الذي أصيب بنزف حاد في جمجمته ومكث فاقدا للوعي بالعناية المكثفة داخل المشفى لأيام.

عاطف دغلس- عيشة نوباني مدير مدرسة الاناث الثانوية في قرية اللبن-الضفة الغربية-نابلس- قرية اللبن- الجزيرة نت13
عيشة نوباني مديرة مدرسة الإناث الثانوية في قرية اللبن تقول إن المستوطنين يدعون أن مدارس القرية أماكن مقدسة لهم (الجزيرة)

مزاعم يهودية

وتقول مديرة مدرسة الإناث الثانوية في اللبن، عيشة نوباني، إن الاحتلال عبر ادعائه “تأمين الحماية للمستوطنين” يهدف لوضع يده على المنطقة، خاصة المدارس باعتبارها “أماكن مقدسة” لهم.

وتحدثت نوباني -للجزيرة نت- بينما كانت تنتشر وزملاؤها المعلمين على الرصيف لحماية الطلاب من جنود الاحتلال، وقالت إن المستوطنين يحرّضون على أهالي القرية ومدارسها، ويرّوجون عبر مواقعهم أن مدرسة بنات اللبن الثانوية هي “مدرسة بروكلين اليهودية”.

ويزعم المستوطنون أيضا أن مدرسة الذكور الثانوية التي بنيت عام 1944 في اللبن، أي قبل وجود الاحتلال أصلا، هي “مدرسة بني إسرائيل” وستكون مكانا للتدريبات العسكرية.

وتقول نوباني إن أحد المستوطنين توعّد التلاميذ قائلا “ستكون الأيام القادمة أصعب عليكم”، وهذا ما يفسره مشاهدة بعض الطالبات “سكاكين يخفيها المستوطنون والجنود بجيوبهم” لتلفيق تُهم بمحاولة مهاجمتهم من التلاميذ.

حصن القرية

وفي أثناء سيرهم إلى المدرسة، يتعرض طلاب البلدة للشتم المتواصل من المستوطنين، الذين يصرخون فيهم ويقومون بتصويرهم ويطلقون العنان لأبواق سياراتهم لإزعاجهم.

ولهذا يحرص طلال عزام، وهو أستاذ بمدرسة الذكور الثانوية، على مرافقة طلابه ذهابا وإيابا لمدارسهم بمهمة أخرى تضاف للتدريس، بل وأصعب من مهمة التدريس، لأن “استفزازات المستوطنين لا تتوقف”.

ويقول عزام -للجزيرة نت- إنه أصيب أكثر من مرة عندما حاول منع اعتداءات جنود الاحتلال على الطلبة ومدير المدرسة أيضا. ويضيف “يسوق الجنود والمستوطنون حججا مختلفة لإغلاق المدرسة، وهذا لن يكون”.

وتشكل مدارس اللبن بموقعها حصنا منيعا في تثبيت 4 آلاف نسمة هم سكان القرية، وتحفظ ما تبقى من أرضهم، فأقدم تلك المدارس بنيت عام 1944، أي قبل قيام دولة الاحتلال وآخرها منذ نحو 5 عقود.

وتحاصر قرية اللّبن 4 مستوطنات هي “ليفونا وعيليه وشيلو وأرائيل”، وتجثم اثنتان منهما (عيليه وليفونا) على نصف أراضي القرية المقدر بنحو 20 ألف دونم (الدونم الواحد يساوي ألف متر مربع).

عاطف دغلس-جنود الاحتلال يحاولون منع المواطنين من قرية اللبن من الاحتجاج على اعتداءات المستوطنين-الضفة الغربية-نابلس- قرية اللبن- الجزيرة نت5
جنود الاحتلال يمنعون أهالي قرية اللبن من الاحتجاج على اعتداءات المستوطنين (الجزيرة)

فقدوا الأمان

ويرفض ابن القرية عبد المالك ضراغمة، وهو أب لـ3 طلاب، أن يتخلى أبناؤه تحت أي ظرف عن مدارسهم التي لا بديل لهم عنها، أو حتى الاستجابة لطلب الاحتلال بسلوك طرق أخرى “وعرة وغيرة آمنة وبعيدة” للوصول إليها.

ويقول ضراغمة، الذي تصدى بكل قوته لجيش الاحتلال والمستوطنين الذين اقتحموا مدخل القرية وأقاموا رقصات وطقوس دينية استفزازية، إنه لن يُسِّلم بادعاءات الاحتلال.

وتصاعدت اعتداءات المستوطنين في الأشهر الخمسة الأخيرة، وهو ما أدى إلى “انهيار منظومة التعليم وتعطيل العملية الدراسية بمدارس اللّبن بسبب خوف الطلبة ونتيجة فقدان الشعور بالأمان”، وفقا لرئيس المجلس القروي يعقوب عويس.

وهو ما نتج عنه -وفق حديث عويس للجزيرة نت- مغادرة نحو 30 طالبا مدارس القرية والانتقال إلى مدارس البلدات والمدن المجاورة.

وانتقلت اعتداءات جنود الاحتلال ومستوطنيه لتطال القرية وأهلها، وذلك عبر توغل المستوطنين لمدخل القرية وأداء طقوس دينية “في خطوة احتلالية خطيرة”، يقول عويس.

ويضيف “تجرّأ المستوطنون المسلحون وهاجموا القرية قبل أيام وحطّموا نوافذ المسجد وبعض المنازل”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.