غزة – بموجب قرار غير مسبوق اتّخذته لجنة متابعة العمل الحكومي التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزّة؛ سيكون بمقدور العمّال الراغبين بالعمل في الداخل المحتلّ، التّعامل مع شركات تشغيل عمالية مرخصّة رسميًا، تمثّل الوسيط بين العامل والمشغّل الإسرائيلي.

وقال وكيل وزارة العمل في غزّة المهندس إيهاب الغصين، في الإعلان الرسمي عن القرار، إنه جاء بناء على المصلحة العامة للعمّال، ومنعًا لاستغلالهم وابتزازهم ماليًا، وفي ظلّ انتشار تجّار وسماسرة تصاريح العمل.

وبناء على هذا القرار تقدّمت 15 شركة -حتى اللحظة- للحصول على التراخيص، وإتمام جميع الإجراءات اللازمة في وزارتي الاقتصاد الوطني والعمل، لتكون شركات مشغّلة يُتوقّع أن تبدأ عملها قبل نهاية الشهر الجاري، حسب حديث الجزيرة نت مع مسؤولين في وزارة العمل وأصحاب شركات.

وكأيّ قرار جديد تباينت وجهات النظر إزاء جدواه، وضجّت الصفحة الرسمية لوزارة العمل على “فيسبوك” باستفسارات لعمال، وتعليقات مؤيّدة ومعارضة لهذا القرار.

لماذا شركات التشغيل؟

منذ نحو عامين تتعاون وزارة العمل (التي تديرها حماس) ووزارة الشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، في إدارة ملف تشغيل العمّال من غزّة في إسرائيل، وفقًا لتفاهمات سابقة مع الجانب الإسرائيلي، يمنح بموجبها ما تسمّى “تصاريح احتياجات اقتصادية”، لا تكفل للعامل حقوقه العمالية من تعويض إصابات عمل ومكافآت نهاية الخدمة وغيرها، مما يضمنه تصريح العمل المقرّر أن تتكفّل به شركات التشغيل المرتقبة.

وقال الغصين إنه مع نهاية شهر أغسطس/آب الجاري، ستتعامل الوزارة مع تصاريح المشغّل التي تنفّذها الشركات المرخّصة فقط، وستكون الأولوية في الترشيح لأسماء العمّال الذين اجتازوا امتحان الإجازة المهنية الذي تُشرف عليه الوزارة، دون أن تلغي هذه الخطوة العمل بالنظام المعمول به حاليًا للحصول على تصاريح احتياجات اقتصادية، وستستمر الوزارة بإرسال أسماء للترشيح عبر الشؤون المدنية حال طلبها، ومن خلال الدور العام.

بدورها قالت المدير العام للعلاقات العامة والإعلام، والمكلّفة بالحديث عن قرار ترخيص الشركات منال الحتة، إن هذه الخطوة جاءت لمراقبة العمل في ملف التصاريح واستمراريته بشكل أفضل، دون تعرّض العمّال للابتزاز، ولضمان حصول العامل على فرصة عمل حقيقية فور صدور تصريح مشغّل له، إضافة إلى العمل على ضمان حقوق العمال.

وترى منال الحتة -في حديث للجزيرة نت- أن نظام التشغيل الجديد يتجاوز التأخير في إصدار التصاريح، عبر نظام الدخول الموحّد (الاحتياجات الاقتصادية)، ويوفّر فرص عمل أكبر ومضمونة عبر شركات التشغيل الجديدة، ويمنع -كذلك- استغلال من أسمتهم “سماسرة التصاريح” الذين يبتزّون العامل بمبالغ كبيرة، مقابل تصريح غير مضمون، وقد يُسحب ويُصادر منه في أي لحظة.

من جهته، يقدّر رئيس اتحاد نقابات العمال في غزّة سامي العمصي، المبالغ التي يتقاضاها السمسار من العامل بنحو 2400 إلى 4 آلاف شيكل (الدولار حوالي 3.7 شيكل) عن كل تصريح.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال العمصي “من شأن نجاح شركات التشغيل الجديدة أن ينهي العمل لاحقًا بتصاريح الاحتياجات الاقتصادية، ويقضي على ظاهرة سماسرة التصاريح، وزيادة أعداد العمّال الراغبين بالعمل في الداخل المحتلّ”.

ويعمل نحو 18500 عامل من غزّة -حاليًا- في الداخل المحتلّ، منهم 12 ألفًا بموجب تصاريح احتياجات اقتصادية، بينما عدد المسجّلين على برنامج الدخول الموحّد يقدّر بـ140 ألفًا، منهم 128 ألفًا على قائمة الانتظار، حسب المتحدّثة ذاتها.

آلية عمل الشركات

وقال أسامة كحيل، وهو نقيب المقاولين السابق وأحد أبرز المتقدّمين للحصول على ترخيص شركة تشغيل، إن الشركة ستكون مسؤولة أمام الجهات الحكومية في غزّة عن حقوق العمّال، وضمان حصولهم على مستحقاتهم كافة، من أجرة ونهاية الخدمة والتعويض عن الأضرار.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال كحيل إن “هذه الأمور لا تكفلها تصاريح الاحتياجات الاقتصادية، أو تصاريح المشغّل الصادرة عن سماسرة يمارسون كل أنواع الاستغلال والابتزاز بحقّ العامل”.

ولضمان حقوق العامل، تعاقدت شركة كحيل مع مستشارين ومحامين في الداخل المحتلّ من أجل متابعة ملفات عمّالها، وحسب كحيل، فإن الشركة ستودع كفالة مالية لدى وزارة العمل في غزّة للاقتطاع منها لصالح أي عامل متضرّر، في الوقت الذي تسعى فيه الشركة لتحصيل الحقوق من المشغّل الإسرائيلي.

ولن يتحمّل العامل -حسب تأكيد كحيل- أيّ رسوم مالية نظير تقدّمه للشركة للحصول على تصريح عمل، وقال إن الشركة ستحصل على مستحقاتها المالية نظير توفير العمالة المطلوبة من المشغّل الإسرائيلي، دون أيّ أعباء مالية تثقل كاهل العامل الفلسطيني.

وأكّد نقيب المقاولين السابق أن من شأن وجود مثل هذه الشركات ونجاحها، القضاء على مشكلات كثيرة تواجه العمّال في الوقت الراهن، كالابتزاز والاستغلال، وأعباء البحث عن عمل بعد الحصول على تصريح، وضمان الحقوق في حال الإصابة أو الوفاة أو التقاعد، بحيث سيكون الاتفاق مسبقًا بين الشركات والمشغّل، من حيث أعداد العمّال، والمهن المطلوبة، والحقوق المالية.

وحسب العمصي، فإن 12 عاملًا تُوفّوا أثناء عملهم بالداخل المحتلّ منذ مطلع العام الجاري، فضلًا عن أعداد كبيرة وغير مسجّلة رسميًا من الإصابات، دون أن تُصرف لهم أو لذويهم أيّ حقوق عمّالية، كون تصريح الاحتياجات الاقتصادية لا يكفل هذه الحقوق، ولا يتعامل مع صاحبه كعامل، وإنما كتاجر.

العمصي: 12 عاملًا فقدوا حياتهم منذ مطلع العام الجاري دون أي تعويض (الجزيرة)

منافع اقتصادية

وقال العمصي “إن تصاريح شركات التشغيل ستحمي العامل وتضمن حقوقه كافة، وتزيد من المردود المادي نظير عمله، فضلًا عن انعكاسها الإيجابي على حياة العامل من جهة، وعلى الدورة الاقتصادية في غزّة من جهة ثانية، وتنعش الاقتصاد الهشّ في القطاع المحاصَر”.

ويتّفق مع الرأي السابق محرّر الصفحة الاقتصادية في جريدة الأيام المحلية في غزّة حامد جاد، موضحًا أن ترخيص شركات تشغيل رسمية يحقق فائدة للجميع، وينعكس إيجابًا على الواقع الاقتصادي المنهار في القطاع، نظرًا للعوائد المالية الكبيرة للعمّال، حيث يبلغ متوسط أجرة العامل في إسرائيل نحو مئة دولار يوميًا.

ومع وجود هذه الشركات يتوقّع جاد -في حديثه للجزيرة نت- زيادة أعداد عمّال غزّة في الداخل المحتلّ، لكنه يجد عقبة رئيسة أمام ذلك، وهي “الفحص الأمني” للعمّال، وتباينات الحالة السياسية في إسرائيل.

وحتى عام 2000 واندلاع انتفاصة الأقصى، كان عدد عمّال غزّة في الداخل المحتلّ يتراوح من 18 إلى 22 ألفًا، وبرأي جاد فإن عدد العمّال قد يصل إلى 30 ألفًا مع وجود شركات التشغيل، وفي حال استقرار الحالة السياسية في إسرائيل، وعدم وضعها أيّ عقبات أو عراقيل تندرج في سياق القيود على غزّة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.