بلغت نسبة الاقتراع نحو 42% حسب وزارة الداخلية، ويربط محللون هذا التراجع بعوامل عدة منها: مقاطعة أكثر من نصف الشعب اللبناني الانتخابات تعبيرا عن حالة تململ سياسي وشعبي. وعجز القوى السياسية التقليدية عن إقناع جمهورها بالاقتراع بكثافة.

بيروت- انتقل اللبنانيون إلى مرحلة ما بعد انتخاب البرلمان الجديد، وفي المشهد الأوّلي يبدو أن لبنان مُقبل على استقطاب سياسي حاد في مجلس لا يملك أحد أكثرية مقاعده، ويرى محللون أن تركيبته معقدة لدرجة تجعل منه أرضًا خصبة للمواجهة والتعطيل.

وبعدما أعلن وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي النتائج النهائية للانتخابات، تظهر تحولات جوهرية على شكل البرلمان الجديد؛ إذ حصد حزب الله وحلفاؤه 60 مقعدًا مقابل 42 مقعدًا لقوى 14 آذار.

الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية في لبنان (الأناضول)

خريطة المقاعد

وفي الأرقام الأوّلية، وهي خاضعة للتبدّل نسبيًا إذا تحرك بعض النواب من تكتل إلى آخر، يظهر الآتي:

  • فاز حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع بـ18 مقعدًا، بعدما كانت كتلته بالمجلس السابق مؤلفة من 14 مقعدًا.
  • فاز التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون) بـ18 مقعدا، في تراجع ملحوظ حيث كان له 22 نائبًا بعد استقالة 7 نواب من كتلته السابقة التي تألفت عقب انتخابات 2018 من أصل 29 نائبًا.
  • فاز حزب الكتائب اللبنانية بـ4 مقاعد، بعدما كانت لديه في المجلس السابق 3 مقاعد. وفاز تيار المردة بزعامة سليمان فرنجية (حليف حزب الله) بمقعدين فقط بعدما كانت له 5 مقاعد، وفاز حزب الطاشناق الأرمني بـ3 مقاعد.
  • حافظ ثنائي حزب الله وحركة أمل على 31 مقعدًا، بما فيها كل المقاعد الشيعية.
  • فاز الحزب التقدمي الاشتراكي بـ9 مقاعد محافظًا على تمثيله بالبرلمان السابق.
  • تمكنت قوى المجتمع المدني من حصد ما لا يقل عن 12 مقعدًا بدوائر مؤثرة، بعدما كان لها مقعد واحد سابقًا، وفاز 13 نائبًا مستقلًا.
  • أما أبزر الخاسرين فهو الحزب السوري القومي الاجتماعي (حليف حزب الله) الذي لم يفز بأي مقعد عبر مرشحيه، بعدما كان له 3 نواب سابقا.

ويتألف البرلمان اللبناني بعد اتفاق الطائف (1990)، من 128 نائبًا بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، يتوزعون على المذاهب وفق الآتي: للموارنة 34 نائبا، للسنة 27 نائبا، للشيعة 27 نائبا، للروم الأرثوذكس 14 نائبا، للروم الكاثوليك 8 نواب، للدروز 8 نواب، للأرمن الأرثوذكس 5 نواب، وللعلويين نائبان، ونائب واحد لكل من الأرمن الكاثوليك والإنجيل والأقليات.

تراجع يعكس تململا شعبيا

بلغت نسبة الاقتراع نحو 42% حسب وزارة الداخلية، وتظهر هذه النسبة تراجعًا ملحوظًا في الإقبال على صناديق الاقتراع؛ ففي انتخابات 2009 -التي تبعها تمديدان للمجلس النيابي- بلغت نسبة الاقتراع 54%. وفي 2018 تراجع الاقتراع إلى معدل 49%، وها هو يتدنى بنحو 8 نقاط إضافية في انتخابات 2022.

ويربط محللون هذا التراجع بعوامل عدة، منها:

  • مقاطعة أكثر من نصف الشعب اللبناني الانتخابات تعبيرا عن حالة تململ سياسي وشعبي.
  • عجز القوى السياسية التقليدية عن إقناع جمهورها بالاقتراع بكثافة، خاصة أن تراجع التصويت طال مختلف الدوائر والطوائف، رغم إغداق هائل للمال السياسي بهدف شراء الأصوات.
  • عجز قوى المجتمع المدني عن إقناع شريحة واسعة من اللبنانيين بالتصويت لصالحها ضد النخبة الحاكمة، رغم حملاتها الإعلامية والدعاية.
Lebanese voters elect their members of parliament in the presence of party delegates at a polling station in the capital Beirut, on May 15, 2022. (Photo by ANWAR AMRO / AFP)
لبنانيون يدلون بأصواتهم في أحد مراكز اقتراع بيروت بحضور مندوبين عن الأحزاب (الفرنسية)

دلالات النتائج

يقول الخبير الانتخابي ربيع الهبر للجزيرة نت إن ثمة مؤشرات مهمة لهذه النتائج، ومنها:

  • تزعزع الغطاء المسيحي لحزب الله، بتقدم حزب القوات اللبنانية مقابل تراجع نسبي لحليفه التيار الوطني الحر؛ الأمر الذي سيلعب دورًا محوريًا على مستويين: انتخابات رئاسة الجمهورية، والدعم السياسي المسيحي لحزب الله ومشروعه.
  • تمكّن القوى المنبثقة عن المجتمع المدني من حصد ما لا يقل عن 12 مقعدًا، بوجوه تدخل الندوة البرلمانية لأول مرة رغم تبعثرها في نحو 60 لائحة من أصل 103 لوائح.
  • تحولات التمثيل السياسي للطائفة السنية بعد غياب تيار المستقبل، الذي كان يمتلك ثاني أكبر تكتل برلماني تألّف من 19 نائبًا؛ إذ تظهر النتائج فوز شخصيات سنية من جبهات عديدة، بعضها مناوئ لحزب الله وبعضها حليف له، مقابل سقوط رموز بارزة من قدامى تيار المستقبل.

المشهد اللبناني المرتقب

وعن المشهد السياسي المرتقب، تحدث للجزيرة نت مدير مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية ببيروت جوزيف باحوط والكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب.

وحسب الخبيران، فإن لبنان يترقب استحقاقات مفصلية، أولها انتخاب رئيس لمجلس النواب، ومن ثم تشكيل حكومة، وبعدها انتخابات رئاسة الجمهورية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إضافة إلى مستقبل التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

ويصف باحوط البرلمان الجديد بالمجلسين: الأول عنوانه سياسي سيعمّق الانقسام العمودي في البلاد، والثاني عنوانه اقتصادي ستكون فيه التفاهمات على “القطعة”، في ظل تضارب الرؤى، حتى في صفوف نواب المجتمع المدني والمستقلين.

سياسيًا، يرى باحوط أن هامش الأكثرية التي يمكن أن يوفرها حزب الله ضيّقة للغاية، مقابل صعود تمثيل حزب القوات، والخيارات المحدودة أمام القوى الجديدة، خاصة النواب الذين انبثقوا عن حراك 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ومعظمهم يطرح عناوين سياسية مناوئة لحزب الله.

والسؤال الجوهري حول الفئة الأخيرة: هل سينظمون عملهم المشترك بكتلة واحدة أم سيتشرذمون في كتل متعددة؟

وإذا تصلّب هذا المشهد -حسب باحوط- فقد يذهب لبنان نحو انقسام حاد على قاعدة 8 و14 آذار؛ “مما يعني أن الحياة السياسية في غياب أكثرية وأقلية واضحة ستكون غير متوازنة، خاصة إذا تقدم على أجندة حزب القوات طرح عنوان حزب الله وشرعية سلاحه، مما سيحول البرلمان سريعا إلى مجلس مواجهة”.

ويتوقّع باحوط أن يشهد البرلمان استعصاء بالنظر لرؤى القوى للملفات النقدية والاقتصادية؛ مما سيقود إلى تقاطعات وتفاهمات جانبية تطول مصالح معظم القوى التقليدية، ومما يضع القوى الوافدة الجديدة أمام اختبار بمقاربتها ملفات شديدة الحساسية وتمس معيشة اللبنانيين.

ويجد باحوط أن الانتخابات خلقت نوعا من التوازن بين حزب القوات والتيار الوطني الحر، مقابل تقييد صغير للقوى المسيحية الأخرى.

Lebanese army patrol near a polling station during Lebanon's parliamentary election, in Beirut, Lebanon May 15, 2022. REUTERS/Mohamed Azakir
عناصر من الجيش اللبناني بالقرب من أحد مراكز الاقتراع في العاصمة بيروت (رويترز)

نموذج عراقي

يرى حسين أيوب أن البرلمان الجديد يصح القول فيه إن لبنان أمام نموذج البرلمان العراقي؛ كتعبير عن انسداد شرايين النظام السياسي، والاقتحام المفاجئ لمجموعات التغيير والمستقلين تعبيرا عن تململ شعبي. وهذه المسألة -في رأيه- “يسجل لسعد الحريري أنه من أطلق شرارتها بقرار انسحابه من الانتخابات”.

ويرى الكاتب السياسي أنه لا أحد يملك الأكثرية ولا أحد بمنزلة الأقلية، والكل سيتصرف على أساس أنه فائز. أما الثابت الوحيد فهو أن الثنائي “حزب الله وأمل” تمكّن من تعزيز موقعه بحصاد 27 مقعدا شيعيا، وجنبلاط بـ6 مقاعد درزية من أصل 8، أي كما كان في 2018.

والعنوان الأساسي للبرلمان الجديد -وفق أيوب- هو الانتقال من أزمة اقتصادية مالية اجتماعية إلى “برلمان الأزمة الوطنية الكبرى التي تضع لبنان أمام المجهول”.

وقال أيوب إن على حزب الله إعادة النظر في خطابه وتحالفاته ومراجعة تعامله مع الواقع اللبناني؛ فهو “حمى نفسه ضمن طائفته ولكن عليه أن يقيس الأمور بمقياس مختلف”.

ويعتقد المحلل أن تعزيز جعجع وضعيته المسيحية مقابل التراجع في شعبية التيار الوطني الحر الذي بالكاد حافظ على نواته الصلبة؛ ترجمته نتائج الانتخابات بذكاء قوتين هما جنبلاط وجعجع، بمعنى أنهما ركزا على الممكن، وبذلا الجهد للفوز بفارق أرقام قليلة.

ويبقى المتحول الأساسي -في رأي أيوب- التشتت السني وكيفية التعبير عنه في موازين القوى والتحالفات لاحقا. وقال أيوب إن البرلمان الجديد غاب عنه المتحدث الرسمي باسم الطائفة. والخاسر الأول هو رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة ويليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومن ثم سعد الحريري.

ويذكر أن النتائج أنهت نادي رؤساء الحكومات ولم يعد يمثل شيئا. موضحًا أن سعد الحريري يملك حاليا كتلة من 7 نواب موالية له خارج تياره، مقابل دخول الأحباش بنائبين والجماعة الإسلامية بنائب واحد، في تنوع غير مسبوق في المشهد السني منذ 1996.

وقال المحلل “سيزداد التشتت السني بفقدان المرجعية للطائفة، وسيتمحور الصراع لاحقا بين حزب الله والقوات على اجتذاب مقاعد الطائفة السنية”.

ويستبعد أيوب تمكن لبنان من إنجاز استحقاقاته المقبلة، مرجحًا أن يبدأ التأزم من انتخاب رئيس المجلس وسينسحب على تشكيل الحكومة وصولًا إلى الفراغ الرئاسي الذي صار أمرا محتملا بدرجة كبيرة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.