هل سمعت من قبل عن النبوءات ذاتية التحقق (Self-Fulfilling Prophecies)؟ في كرة القدم، تُستخدم هذه الظاهرة لوصف اللاعبين الذين يتأثرون بانطباعات الجمهور الأولى عنهم؛ على سبيل المثال، يُوحي مظهر أحدهم بأنه ضعيف الشخصية، فيأخذ الجمهور عنه هذا الانطباع حتى لو لم يكن حقيقيا، حتى لو لم يكن واحد منهم قد شاهد له مباراة واحدة من قبل، وكأنهم يتنبَّأون بالضبط، ومع تزايد الضغط على اللاعب لإثبات العكس، يدفعه ذلك إلى تجربة شيء جديد لم يفعله من قبل، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى خطأ فادح غير معتاد يُثبت صحة النبوءة الأصلية. (1)

المثير أن العكس يحدث كثيرا في مثل هذه المباريات؛ عندما تصل درجات التحفز والترقب إلى أقصاها قبل صافرة البداية، ويتوقع الجميع نتيجة تكون منطقية من وجهة نظرهم، مثل سحق ليفربول لمانشستر يونايتد مثلا، ثم يبدأ الجميع في التعامل مع المباراة باعتبارها قد انتهت قبل أن تبدأ.

أحيانا، يُشكِّل ذلك ضغطا نفسيا وذهنيا إضافيا على عناصر الفريق الأضعف المتوقَّع هزيمته، وأحيانا أخرى يحدث العكس؛ الضغط المبالغ فيه، والتشاؤم المبالغ فيه، ونصب الحفلات والـ”ميمز” والـ”كوميكس” قبل المباراة، كل ذلك يُحرِّر اللاعبين من الضغط، لأن استعداد الجميع للأسوأ يمنحهم قدرا من الهدوء والسكينة، يدركون معها ما يحتاجون إلى فعله ليتجنَّبوا هذا المصير، وفي الوقت ذاته، يُغريهم بالسعي لكسر هذه التوقعات وإحراج الجميع، ومحاكاة مشهد سقوط البطل الدرامي قبل النهوض مجددا والانتقام ممن رقصوا على جثته، المشهد الأشهر في السينما العالمية.

هذا هو ملخص التفسير النفسي لما حدث في الديربي الإنجليزي، وبالطبع لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تؤدي فيها التوقعات الساخرة إلى نتيجة عكسية. نستعرض في هذا التقرير الوقائع المشابهة في تاريخ البريميرليغ.

1999: تشيلسي 5-0 مانشستر يونايتد

(رويترز)

في هذه القصة هُزم مانشستر يونايتد بخماسية فعلا، ولكن في ظروف مختلفة تماما عن تلك التي سبقت مباراة ليفربول الأخيرة. (2)

في الواقع، كان مانشستر يونايتد قد فرغ لتوه من تحقيق ثلاثية تاريخية شملت لقب الدوري ودوري الأبطال -الكأس الأوروبية آنذاك- وكأس الاتحاد الإنجليزي، في واحدة من أفضل فترات الفريق على الإطلاق في تاريخه الحديث، تضمَّنت 29 مباراة متتالية في البريميرليغ بلا هزيمة.

كل شيء كان يُشير إلى فوز الشياطين الحُمر قبل السفر إلى غرب لندن. لم يكن ليصبح فوزا سهلا مضمونا طبعا، لأن تشيلسي كان يمتلك كتيبة قوية حقَّقت كأس الاتحاد الأوروبي في العام السابق، وتفوَّقت على ريال مدريد في السوبر الأوروبي، ولكن لم يتوقَّع أحد أن يتعادل تشيلسي، ناهيك بالفوز بخماسية نظيفة على بطل الثلاثية.

لم يستغرق البلوز أكثر من 27 ثانية ليُسجِّل غاس بويِت هدفهم الأول، وبعد ربع ساعة بالضبط كان كريس ساتن، هداف بلاكبرن الأسطوري ورفيق نجاح شيرر في منتصف التسعينيات، يُسجِّل الهدف الثاني ليُصعِّب الأمور على فيرغسون وفريقه، بعدها طُرد نيكي بَت من مانشستر يونايتد ليُمهِّد الطريق أمام البلوز لإكمال واحدة من أعظم لحظاتهم على الإطلاق في حقبة ما قبل رومان أبراموفيتش.

2019: بورنموث 4-0 تشيلسي

حتى يناير/كانون الثاني، كان تشيلسي سارّي قريبا من البطل الحتمي مانشستر سيتي. في الواقع، حقَّق تشيلسي مع الإيطالي أفضل بداية له في تاريخ البريميرليغ، والكثير من ذلك يُنسى الآن بسبب نهاية الموسم، وبسبب البيئة المعادية التي وجدها سارّي في شمال غرب لندن.

من اللحظة الأولى كانت الجماهير غير مقتنعة بأسلوب اللعب الذي يسعى سارّي لتطبيقه، فبعد سنوات من اللعب الدفاعي والاعتماد على رد الفعل في مواجهة الكبار، كانت أرض ستامفورد بريدج عصية على التغيير، خاصة لو كان جذريا.

صحيح أن بورنموث كان له سجل جيد ضد تشيلسي منذ صعوده إلى البريميرليغ مع الرائع إيدي هاو، ولكن لم يتوقَّع أحد أن يتمكَّنوا من هزيمة تشيلسي، بطل الدوري قبلها بموسمين فقط، برباعية نظيفة ساحقة، أتت بالكامل في شوط المباراة الثاني، وكانت أحد المسامير الأخيرة في نعش الإيطالي بلندن. (3)

1996: ساوثامبتون 6-3 مانشستر يونايتد

في هذه القصة أتت التوقعات بنتيجة عكسية، ومرة أخرى، كان مانشستر يونايتد في مكان ليفربول الحالي، ولكن لأسباب مختلفة تماما.

يونايتد فيرغسون كان قد استعاد لقب الدوري في موسم 1995-1996 بعد أن فاز به بلاكبرن في الموسم السابق تحت قيادة كيني دالغليش أو “الملك كيني” كما يُطلق عليه في إنجلترا، ثم تعرَّض يونايتد فيرغسون لهزيمة ساحقة من نيوكاسل يونايتد بخماسية نظيفة، أفرغت فيها كتيبة كيفن كيغان إحباطها الشديد من خسارة لقب 1995-1996 لصالح يونايتد فيرغسون. (2) (4) (5) (6)

المباراة التالية كانت ضد ساوثامبتون ونجمه الأبرز مات لو تيسييه، وتوقَّع الجميع أنها ستكون مناسبة مواتية لكي يُفرِّغ يونايتد إحباطه من الهزيمة القاسية ضد نيوكاسل، ولكنهم كانوا على موعد مع واحدة من أكثر مباريات البريميرليغ إثارة على الإطلاق.

مرة أخرى، كانت بطاقة حمراء لروي كين في منتصف الشوط الأول هي مفتاح الهزيمة القاسية؛ ساوثامبتون كان مُتقدِّما بهدف نظيف بالفعل، وبعد طرد كين ضاعف لو تيسييه النتيجة في الدقيقة 35، ليُقلِّل بيكام الفارق بعدها بدقائق، ثم يعود إيغل أوستنستاد ليمنح ساوثامبتون الثالث قبل نهاية الشوط، وكل هذه الإثارة لم تكن كافية، لأن الشوط الثاني كان سيشهد 5 أهداف أخرى.

بعد بداية الشوط بتسع دقائق فقط تمكَّن ديفيد ماي من تسجيل هدف إضافي لمانشستر يونايتد لتصبح النتيجة 3-2، وعندما توقع الجميع عودة يونايتد في ليلة أخرى من ليالي الأحلام على مسرح أولد ترافورد، تذكَّروا أنهم يلعبون في سينت ماري، معقل السينتس على الساحل الجنوبي.

تمكَّن ساوثامبتون من الحفاظ على النتيجة كما هي حتى الدقائق العشرة الأخيرة رغم محاولات يونايتد المضنية للتعادل، ثم حدث ما لم يتوقعه أحد عندما ضاعف السينتس حصيلة 80 دقيقة في 10 دقائق فقط، وسجَّلوا ثلاثة أهداف إضافية جعلت هدف سكولز الأخير بلا قيمة نُقطية.

2008: ميدلزبره 8-1 مانشستر سيتي

كان هذا العام الذي أكملت فيه مجموعة أبو ظبي استحواذها على مانشستر سيتي، ولكن تلك المباراة كانت قبل الاستحواذ بشهر واحد فقط، في الجولة الختامية من موسم 2007-2008.

الغريب في هذه القصة أن طموحات هذه المباراة كانت مختلفة نوعا؛ ميدلزبره كان على بُعد 3 نقاط من مراكز الهبوط ويطمح لضمان بقائه في البريميرليغ، ومانشستر سيتي كان على بُعد العدد ذاته من النقاط من التأهل لكأس الاتحاد الأوروبي.

رهانات كبيرة قبل المباراة، ولكنها مُتعلِّقة بطموحات منتصف الجدول ومؤخرته، ورغم ذلك، لم يبدأ مانشستر سيتي المباراة متحمسا للفوز والوصول إلى البطولة الأوروبية، بل بدا واضحا أن لاعبيه لا يُطيقون نهاية الموسم.

مرة أخرى كان البطل بطاقة حمراء مبكرة لريتشارد دَن مدافع سيتي المخضرم، بعد تسبُّبه في ركلة جزاء سجَّلها الجناح الأعسر ستيوارت داوننغ ليفتتح أهداف فريقه، في مباراة عجَّت بالنجوم، منهم داوننغ نفسه الذي سجَّل هدفا إضافيا من تسديدة بعيدة، والمهاجم البرازيلي المخضرم ألفونسو ألفيش الذي سجَّل ثلاثة أهداف، وروشمباك لاعب الوسط الذي سجَّل هدفا وصنع هدفين، بالإضافة إلى هدف لكلٍّ من جيريمي آلياديير وآرون جونسون، بينما سجَّل البرازيلي إيلاينو هدف سيتي الوحيد، وهو أحد القلائل الذين استمروا في الفريق بعد الاستحواذ الإماراتي. (7)

الطريف أن فارق أهداف مانشستر سيتي كان يقف عند صفر قبل هذه المباراة.

2011: مانشستر يونايتد 1-6 مانشستر سيتي

اليوم الذي وصفه سير أليكس فيرغسون بـ”الأسوأ على الإطلاق في مسيرته التدريبية”، عندما أتى سيتي روبرتو مانشيني إلى مسرح الأحلام وسجَّلوا ستة أهداف كاملة، في كارثة متكاملة الأركان. (8)

أثر الهزيمة لم يتوقف فقط عند عدد الأهداف الكبير، بل أيضا حقيقة أن تلك الهزيمة تحديدا كانت أهم العوامل التي حسمت الدوري لمانشستر سيتي في النهاية، فبعد التساوي في عدد النقاط بين فريقَيْ مانشستر، كان سيتي يتفوَّق بكلٍّ من المواجهات المباشرة وفارق الأهداف.

كانت تلك أسوأ هزيمة لمانشستر يونايتد على أرضه في 56 عاما، والمصيبة أن الهزيمة التي سبقتها بهذه الـ56 عاما كانت على يد مانشستر سيتي كذلك، في مباراة انتهت بخماسية نظيفة في 1955.

كما لك أن تتوقع فقد طُرد جوني إيفانز في الدقيقة 47 عندما كان سيتي مُتقدِّما بالفعل بهدف بالوتيلّي، ثم أضاف الإيطالي الأسمر هدفه الثاني في الدقيقة 60، وبعدها بتسع دقائق سجَّل أغويرو الثالث، وأغرب ما في هذه المباراة أنها ظلَّت على هذه النتيجة حتى الدقيقة 81 عندما سجَّل دارِن فلتشر هدف يونايتد الوحيد، ليتلقى الشياطين الحُمر ثلاثة أهداف متتالية في الدقائق 90 و91 و93 لأول مرة في تاريخهم بالمسابقة، لكلٍّ من إدِن دجيكو (هدفان) والرائع ديفيد سيلفا الذي كان يقود عمليات سيتي الهجومية بأناقته المعتادة.

_________________________________________________________

المصادر:

  1. نظرة شاملة على النبوءات ذاتية التحقق – Science Direct
  2. أكثر 20 نتيجة صادمة في تاريخ البريميرليغ – Four Four Two
  3. أكثر 10 نتائج صادمة في تاريخ البريميرليغ – Four Four Two
  4. قصة فوز بلاكبرن المذهل بلقب البريميرليغ في موسم 1994-1995 – BBC
  5. بلاكبرن روفرز لم يشترِ لقب البريميرليغ في 1995 – The Guardian
  6. عندما قاد بيكام ورفاقه يونايتد لاستعادة لقب الدوري – Football Critic
  7. أكثر نتيجة صادمة في البريميرليغ بكل موسم منذ 2002 – Give Me Sport
  8. 5 من أكثر النتائج الصادمة في تاريخ البريميرليغ – Live Score
  9.  تقرير مباراة مانشستر يونايتد 1-6 مانشستر سيتي – Sky

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.