درنة- تتواصل التحذيرات المحلية والدولية من مخاطر أزمة صحية بيئية محتملة في مدينة درنة وباقي المناطق شرقي ليبيا المتضررة من الإعصار والفيضانات، وما خلّفته من قتلى ومفقودين بين ركام المباني المدمرة، وجثث انتشرت قرب الشواطئ التي صبت فيها السيول.

وأعلن وزير الصحة في الحكومة المكلفة من مجلس النواب عثمان عبد الجليل أنه تم دفن 3166 متوفى في مدينة درنة حتى أمس الجمعة، في حين تشير بعض التقديرات إلى وفاة وفقدان نحو 15 ألفا ونزوح نحو 30 ألفا من السكان الذين كان يقدر عددهم بنحو 120 ألفا حتى حلول الإعصار الذي ضرب المنطقة الشرقية الأحد الماضي.

أعداد هائلة من الجثث دفنت في مقابر جماعية، وسط تحذيرات من الآثار الصحية المترتبة على ذلك (الأناضول)

تحذيرات دولية

من جانبها، دعت منظمة الصحة العالمية ومنظمات إغاثة أخرى السلطات في ليبيا إلى التوقف عن دفن ضحايا الفيضانات في مقابر جماعية، وحذّرت من أن دفنها بالقرب من المياه قد يُحدث مخاطر صحية، وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن أكثر من ألف شخص دفنوا بهذه الطريقة حتى الآن في مدينة درنة.

وتواصلت جهود انتشال الجثث المتناثرة في الشوارع والبيوت المتأثرة بالفيضانات، لكن السكان وفرق الإغاثة يواجهون صعوبات كبيرة في التعامل مع آلاف الجثث التي أعادتها الأمواج لليابسة أو تحللت تحت الأنقاض، إذ أكد شهود عيان للجزيرة نت وصول الروائح الناتجة عن هذه الجثث إلى مناطق بعيدة نسبيا، مثل منطقة باب طبرق أعلى الجبل.

وقال وكيل وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية سعد الدين الوكيل للجزيرة نت إن “المخاطر تكمن في اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي وكل أنواع الملوثات والمياه الجوفية”، مشيرا إلى أن “كل المناطق المنكوبة تتغذى على آبار المياه الجوفية”.

وشدّد الوكيل على ضرورة اقتصار الاستهلاك على المياه المعلّبة إلى حين التأكد من سلامة مياه الشرب، واستدرك قائلا “لحسن الحظ، المنطقة زراعية ولا توجد بها مصانع تحوي مواد كيميائية شديدة الخطورة”.

وقال المسؤول الصحي إن فرق الإصحاح البيئي تعمل على تجفيف المستنقعات ورش المواد الطبية المناسبة التي تقلل من نسبة التلوث، موضحا أنهم كلفوا فرق رصد وبائي برصد كل الأعراض التي تشير إلى وجود حالات تسمم محتملة، وذلك بالتعاون بين كلٍ من وزارة البيئة ووزارة الحكم المحلي ووزارة الصحة بحكومة الوحدة، للقيام بعمليات الرصد والتقصي وإعطاء الأدلة الإرشادية للعمل.

إمكانية السيطرة

وفي الوقت الذي تحدث فيه المجلس المحلي في مدينة درنة عن توقعاتهم بإمكانية إخلاء المدينة بشكل كلي أو جزئي، تحسبا لانتشار الأوبئة بسبب الجثث التي بدأت بالتحلل تحت الأنقاض، يقلل الأستاذ بكلية الطب بجامعة درنة عماد القبائلي من مخاطر حدوث كارثة بيئية، كون الجثث لأشخاص ماتوا بسب كارثة طبيعية لا وباء خطير.

لم يستبعد القبائلي وجود تهديدات صحية، خاصة بعد أنباء عن تلوث المياه جراء دمار شبكات المياه والصرف الصحي في مساحات واسعة وسط المدينة، لكنه يؤكد للجزيرة نت إمكانية السيطرة على الأوضاع، خاصة أن الأحياء الناجية تقع كلها في مرتفعات درنة، مما يعني أن المياه تنساب بشكل عكسي باتجاه المناطق المتضررة قرب البحر.

وتذهب إلى هذا الرأي أيضا الطبيبة مبروكة المقصبي، موضحة أن الروائح المنبعثة تكاد تنحصر في نطاق ضيق حتى الآن، كما في محيط مستشفى الوحدة حيث تعمل، لافتة إلى أن الجثث المتحللة في باحة المشفى ترجع لأجانب أو لعائلات قضت كليا، فلا يوجد من يتسلم تلك الجثامين ويسرع من إجراءات دفنها.

جهود غير كافية

وتحدثت المقصبي للجزيرة نت عن حالات تعاني أعراض تلوث، خاصة بين الأطفال ممن ظهرت عليهم أعراض مثل القيء والإسهال وارتفاع درجات الحرارة، عدا ذلك ترى الطبيبة أن فتح الطرق والإسراع في انتشال الجثث وتسريع عمليات الدفن قد يبقي الأوضاع تحت السيطرة.

من جهته، يؤكد الطبيب المختص بمركز بنغازي الطبي أحمد علي أن عددا من المسعفين وفرق الإنقاذ التي وصلت المركز بدؤوا يعانون ظهور طفح جلدي، مشيرا إلى أن الوضع في درنة تحديدا ما زال خطيرا ومرشحا للتدهور.

وقال الطبيب أحمد علي للجزيرة نت “لا أريد أن أهوّل الأمر، لكن الجهود المحلية لا تكفي، ومؤسساتنا لا تملك الخبرة الكافية للتعامل مع مثل هذه المواقف، وهذا ظهر منذ اللحظات الأولى للكارثة”، مطالبا بضرورة الاستعانة بالمنظمات الدولية المختصة كمنظمة الصحة العالمية.

من جهتها، وصفت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس الفيضانات التي اجتاحت شرقي ليبيا “بالأزمة الإنسانية غير المسبوقة”، واعتبرت -في مقابلة مع الجزيرة- أن الأمر الملّح حاليا في المناطق المتضررة هو تمكين الناجين من الوصول إلى مصادر مياه نظيفة وصالحة للشرب، مشيرة إلى احتمالية انتشار بعض الأوبئة عبر مياه الشرب.

وبدوره، قال مسؤول المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة مارتن غريفيث إن ليبيا بحاجة إلى معدات للعثور على الأشخاص المحاصرين في الوحل والمباني المتضررة في درنة، مشددا -في مؤتمر صحفي- على حاجة المدينة إلى رعاية صحية عاجلة، لمنع تفشي الكوليرا بين الناجين.

محليا، قال وزير البيئة في حكومة الوحدة الوطنية الليبية إبراهيم العربي منير للجزيرة إن الفرق التابعة لوزارته تحلل المياه الجوفية في مدينة درنة للتأكد مما إذا كانت ملوثة أم لا، ونصح السكان بعدم شرب أو استخدام المياه الجوفية في المدينة.

خطر يتجاوز درنة

من ناحيته، يشارك الطبيب أشرف حمّاد في حملة المساعدات الإنسانية والطبية في المناطق المنكوبة، وأوضح للجزيرة نت أن الخطر يتجاوز مدينة درنة التي ركّز عليها الإعلام، على حساب مناطق صغيرة، مثل “سوسة” و”الوردية” وشط “جرار أمه”، حيث لم تصلها أي من فرق الإغاثة حتى الآن وتعاني مخاطر صحية وبيئية محتملة.

وقال حماد للجزيرة نت إن الفقر الشديد في الإمكانات والبنية التحتية المتهالكة في كل مناطق الجبل الأخضر تسببت في تفاقم الأزمة، “فالجثامين في البحر والأودية ومنجرفات السيول عددها كبير جدا، ولم نر فرق بحث هناك كما في درنة”، حسب وصفه.

كما لفت الطبيب المختص في الطب البيطري إلى خطورة انتشار جثث الحيوانات النافقة، قائلا “لم يتحدث عنها أحد، وهي أيضا من مسببات الأوبئة، ولم تتدخل الدولة في عملية إعدامها بالطرق الصحيحة، فدفنها فقط من قبل المواطنين ستكون له أبعاد كارثية على المنطقة”، مرجحا أن أمطار فصل الشتاء الذي بات على الأبواب قد تزيد من انتشار هذه الأمراض.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.