الجزائر – في مدينة بوسعادة الجزائرية التي تلقب بمدينة “القهوجيين” أي عشاق القهوة، يكاد يصبح الناس على بعضهم فيها بـ “صباح القهوة” بدل “صباح الخير” يومئ الخارجون من صلاة الفجر لبعضهم باليد يتعازمون “قهوة؟”.. البن يحرك يومهم هنا.

في المدخل القديم لمدينة بوسعادة العريقة، 250 كلم جنوب العاصمة الجزائر، بالحي الشعبي “مارتي” سابقا، يوجد أقدم مقهى بالمنطقة والذي يقارب عمره القرن وعقد. لا يكاد الزائر للمدينة أن يتجاوز لافتة “بوسعادة ترحب بكم” حتى تعبقه رائحة البن المطحون.

المقهى لا يزال على طرازه القديم مع بعض الترميمات (الجزيرة)

مقهى تحرري

يعود تأسيس هذا المقهى إلى ما يقارب القرن والعقد، حين حوله الجد الأول لمحمد جويدار إلى مقهى من ناد ليلي سنة 1914 حيث كان تابعا للفرنسيين الذين كانوا يحتلون الجزائر وقتها.

لا يمكن أن توجد مكانة بين المتمرسين في القهوة إلا إذا كنت زعيما في “الكار”/المجال/ هذه قاعدة يسير عليها محمد جويدار (البالغ عمره 50 سنة) صاحب “مقهى النسيم” منذ 30 عاما والذي ورثه عن جده وأبيه، وقد تعاقب على المحل 4 أجيال.

وقد أطلق مهندس ثورة الجزائر عبان رمضان تسمية “النسيم” على المقهى، وذلك نسبة لهواء المدينة الجميل، فكان يجتمع فيه مع رفاقه من حركة أصحاب البيان خلال فترة الاستعمار.

اعتبر الاستعمار الفرنسي هذا المقهى خطرا على أمنه، فراسل والد جويدار برسائل تحذيرية وإنذارات تحثه عدم احتضان تجمعات أصحاب النزعة الثورية والتحررية، خاصة بعدما باتت اجتماعات جمعية العلماء المسلمين تقام به.

صاحب مقهى النّسيم الذي يعتني بقهوته
صاحب مقهى النسيم يعتني بقهوته (الجزيرة)

المقهى اليوم

على أنغام موسيقى رائد الأغنية البدوية خليفي أحمد، يبدأ مريدو مقهى النسيم يومهم، بين جالس على الطاولات الخشبية القديمة أو واقف، ينتظر الزبائن قهوتهم التي يحضرها محمد وهو يكرر بصوته البدوي مقاطع موسيقية مع جهاز الكاسيت القديم الذي يضعه بمحله.

مقهى لا تتجاوز مساحته 30 مترا مربعا، استطاع أن يجمع قصصا من التاريخ، وأن ينقل للجيل الجديد حياة سابقيهم من خلال تفاصيل المحل: جدار بالحجر القديم وسقف بحبال العرعار، نوافذ صغيرة تطل على تفاصيل مدينة الثقافة والأصالة بوسعادة.

يجلس رواد المقهى بالخارج ويمضون ساعات طويلة دون ملل
رواد المقهى يجلسون بالخارج ويمضون ساعات طويلة دون ملل (الجزيرة)

سر قهوة الجزوة

“من يشرب قهوة الجزوة يعود لمدينة بوسعادة” هكذا يعتقد الكثير من مرتادي مقهى النسيم الذين يلحون في سؤال صاحب المحل عن سر نكهة قهوته، فيرد بابتسامة من لا يريد كشفه.

يقول اعمر (28 عاما) ممازحا “تسريب ويكيليكس أكثر منطقية من تسريب وصفة الجزوة لعائلة جويدار” في حين يعتبر الشاب زياني مراد خصوصية المقهى تكمن في عراقتها مشيرا للجزيرة نت “كان جدي زبونا هنا وبعده والدي واليوم أنا”.

تقدم قهوة الجزوة أو ما يعرف في تونس بالدكداكة وفي بلدان أخرى “سادة بوجه” لكن مع إضافة مجموعة من الأعشاب السهبية (البرية) التي تنبت بالمنطقة شبه الصحراوية.

يقول صاحب المحل للجزيرة نت “نضيف للقهوة عشبة الجرتيل، والشيح ومكونات أخرى” ويقدم كذلك مشروبات ساخنة بالأعشاب البرية للمنطقة، مثل مشروب الجور.

ويتم تحضير “الجور” بعشبة إكليل الجبل والزعتر والعرعار والتسلقة والقاصة والشيح وأعشاب أخرى، كما يعرف المحل أيضا بالمشروب المحلي المعروف بـ “الحار” والمكون حسب جويدار من “الخلجلان والزنجبيل والقرفة والنعناع وأعشاب أخرى”.

ويعتبر مقهى “النسيم” أحد المعالم السياحية في بوسعادة، ولا يقل أهمية عن متحف نصر الدين دينيه أو الطاحونة وسط المدينة، يزوره العامة كما يقف لطلب قهوته السفراء والوزراء والشخصيات المعروفة.. هنا الجميع سواسية كرشفات القهوة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.