“بعد النهاية، لم أشعر بشيء، وكأن جسدي تحول إلى قشرة جوفاء لا تحوي شيئا، لا مرارة ولا حيرة ولا غضب ولا صدمة، فقط إحساس باللاشيء، إحساس بالنقص، بالفراغ الهائل الذي يتملكك عندما تحل ثانيا”

(كيفن كيغان، مدرب نيوكاسل يونايتد السابق، متحدثا عن شعوره بعد خسارة لقب البريميرليغ موسم 1995-1996(1)(2))

أهلا بك، إن كنت أحد مشجعي سيتي أو ليفربول فسيكون لهذا التقرير غرض واحد بسيط، وهو إعدادك نفسيا لتقبل لحظة الهزيمة في نهاية الدوري، أو ربما زيادة توترك وخوفك من هذه اللحظة. الحقيقة، لسنا متأكدين بالضبط، ربما تكون حكايات هؤلاء الذين خسروا اللقب بطريقة درامية عزاءً لك عند الخسارة لأن بعضهم عاد وفاز به لاحقا، وربما تحبطك لأنها كانت فرصة بعضهم الأخيرة حتى اللحظة، ولكننا سنحكيها على أي حال حتى لا تشعر بالوحدة لو خسرت، وحتى لا تعتقد أنها نهاية المطاف لو فزت.

المباراة التي قتلت أرسنال

أشرار هذه الحكاية كُثُر، وهو ما يجعلها مناسبة لأرسنال جدا، لأن الإحباط بخسارة اللقب لم يكن الكارثة الوحيدة، بل حقيقة أن جمهوره لم يجد من يلومه بضمير مستريح بعد الخسارة، وتفرق الدم بين القبائل(3).

قبل المباراة، كان أرسنال متصدرا بفارق 5 نقاط وهزيمة وحيدة في 26 جولة، واحدة من تلك المباريات التي يجري فيها كل شيء على نحو خاطئ من اللحظة الأولى، وبعد تعيين “مايك دين” حكما للقاء، وهو أحد هؤلاء الذين يملكون تاريخا من التحيز ضد أرسنال، قرر مارتن تيلور -لاعب وسط برمنغهام- إنهاء مسيرة الكرواتي إدواردو سيلفا -مهاجم المدفعجية- بتدخل قصم ساقه إلى نصفين بالمعنى الحرفي. نحذرك جديا من مشاهدة اللقطة لو كنت من أصحاب القلوب الرقيقة.

رد فعل إدواردو كان غريبا، للحظة، لم يصرخ، ولم يُبدِ أي ردة فعل، بدا وكأن عقله قد حجز الألم خوفا من أن يتوقف عن العمل، ثم أدرك الحقيقة المفزعة عندما رأى النصف السفلي من ساقه يتدلى وكأنه مربوط بحبل، ورغم طرد تيلور، دخل لاعبو أرسنال في حالة من الإنكار والصدمة لباقي المباراة. في الواقع، المدهش فعلا هو كيف تمكنوا من تسجيل هدفين بعد مشاهدة إصابة زميلهم. لا عجب أنهم أتوا في بداية الشوط الثاني بعد أن تمكن فينغر من التحدث معهم بين الشوطين.

إدواردو أنهى الموسم بوصفه ثالث هدافي الفريق في كل البطولات رغم أنه تغيب عن ثلثه أو أكثر، وبالطبع لم يكن الأمر لينتهي عند إصابته، فقبل النهاية بدقائق فقدَ غايل كليشي تركيزه أثناء ترويض كرة مرتدة من الدفاع، ليخطفها جناح برمنغهام ويجبر ظهير أرسنال على ارتكاب مخالفة في المنطقة، سددها جيمز ماكفادين من علامة الجزاء ليحرز هدفه الثاني ويعلن بداية نزيف النقاط بتعادل إيجابي 2-2.

قرر ويليام غالاس تنفيذ أشهر وأغبى احتجاج ممكن في تاريخ المسابقة عندما ترك زملاءه وذهب ليقف وحيدا في دائرة الوسط أثناء تنفيذ ركلة الجزاء. يحكي ينس ليمان، الحارس الأسطوري، في سيرته الذاتية، أنها كانت اللحظة التي أنهت موسم أرسنال عمليا، غلبرتو سيلفا وغالاس تجادلا في غرفة الملابس بعد نهاية المباراة واحتد الأمر، واتهم الأول الثاني بالبحث عن الأضواء ومحاولة لفت انتباه الإعلام بتصرفاته الغريبة، واستمر الخلاف بين الثنائي حتى نهاية الموسم(4)(5).

بعدها، حدث ما يحدث مع أرسنال دائما، انهيار نفسي وذهني تام وشامل مع التعرض لضغوطات المنافسة الحقيقية. وفي المباريات الثلاث التالية، تعادل المدفعجية مع أستون فيلا وويغان وميدلزبره قبل أن يخسروا الرابعة لصالح تشيلسي، وقبل أن يدركوا، كانوا ينهون الموسم في المركز الثالث خلف البلوز والبطل مانشستر يونايتد.

أكثر ما يثير الغضب في هذه القصة لم يكن هبوط برمنغهام في نهاية الموسم، بل كان حقيقة أن ركلة الجزاء المحتسبة التي تعادل بها ماكفادين لم تكن صحيحة، ولم تكن لتحتسب لو كانت تقنية حكم الفيديو متاحة، وأي تدقيق في اللقطة سيكشف أن كليشي اعترض الكرة بطريقة نظيفة.

يمكنك أن تردد الأسطورة الشائعة القائلة بأن لا أحد يفوز بالدوري أو يخسره بسبب التحكيم، ولكنها مع الأسف غير دقيقة، ربما يكون التحكيم وحده غير قادر على صناعة بطل، ولكنه قادر على مساعدة بطل على التغلب على خصومه، أو منح الظروف والمشكلات حجما مضاعفا، حتى ولو لم يكن متعمدا.

ما قبل سيتي غوارديولا

أرسين فينغر – مدرب أرسنال 2018

لم يصدق أحد ما حدث في موسم 2018-2019 عندما عاد سيتي ليعوض فارق 7 نقاط كاملة بـ11 فوزا متتاليا في الدوري، ثم يفوز بالدوري بفارق نقطة واحدة، ولكن قبل تلك الواقعة بحوالي 20 عاما، كان أرسنال فينغر يقوم بما هو أصعب ليفوز بأول لقب دوري للمدرب الفرنسي في إنجلترا(3).

بدأ الانهيار في نهاية يناير، خسر مانشستر يونايتد مباراتين متتاليتين أمام ساوثامبتون وليستر، ورغم ذلك كان فريق فيرغسون لا يزال متصدرا بفارق 11 نقطة كاملة، ورغم خسارة وتعادل إضافي في مارس، فإن فارق النقاط كان قد ارتفع إلى 12 نقطة، ولكن أرسنال كان يمتلك 3 مباريات مؤجلة، بما فيها مباراة ضد يونايتد في أولد ترافورد.

10 انتصارات متتالية بينها واحد تاريخي في ملعب الأحلام كانت كفيلة بإعادة أرسنال للصدارة والفوز بالبريميرليغ بفارق نقطة واحدة عن يونايتد، وأصعب ما في الأمر كان النجاح في التعامل مع الفارق الضخم ذهنيا ونفسيا وعزل اللاعبين عن تأثيره، الميزة التي افتقدها أرسنال مع الزمن بسبب تراجع جودة وقوة شخصيات لاعبيه في الأجيال التالية.

مفاجأة نوريتش السعيدة التعيسة

أول موسم من البريميرليغ -بشكله ومسماه الحالي- كان غريبا، مانشستر يونايتد كان يحاول إنهاء ربع قرن بلا لقب مع فيرغسون، والبطل المتوج، ليدز يونايتد، كان يصارع الهبوط بعد أن فشل في تحقيق فوز واحد خارج أرضه طوال الموسم، وفي النهاية، كانت المراكز السبعة الأولى تضم كلّا من أستون فيلا وبلاكبرن وكوينز بارك رينجرز وشيفلد، وبالطبع نوريتش(3).

الكناري كانوا أبرز المرشحين للهبوط في هذا الموسم، ولكن بحلول ديسمبر كانوا قد اعتلوا الجدول بفارق 8 نقاط -تخيل- بعد تعادلين وخسارتين فقط في 18 جولة. خذ لحظة لتتخيل أن نوريتش كان على مسار مشابه لليستر في 2015-2016، وأنه عند لحظة ما من موسم 1992-1993، كان قد تمكن من الحصول على 44 نقطة من أصل 54 متاحة(6).

طبعا كان هذا قبل أن يواجهوا مانشستر يونايتد فيرغسون في ملعب الأحلام ويخسروا اللقاء بصعوبة بهدف وحيد، لينهار العزم المعنوي الذي راكموه منذ بداية الموسم ويحققوا 3 نقاط فقط من المباريات الخمس التالية.

لم يكن في هذا الفريق ما يلفت النظر سوى العبقري كريس ساتن، ثالث هدافي الفريق هذا الموسم، والذي انتقل لاحقا لبلاكبرن ليشكل ثنائيا مرعبا رفقة آلان شيرر أسهم في الفوز باللقب تحت قيادة كيني دالغليش في موسم 1994-1995. في الواقع، هذه هي القصة التالية، وكأن ساتن كان موعودا بالمواسم الملحمية.

حذاري من ديفون لوخ

جاك ووكر (يمينا) وكيني دالغليش

هذه القصة تبدأ في جيوب مليونير إنجليزي هو جاك ووكر، مالك بلاكبيرن روفرز، بين 1991 و2000. هذا آخر مكان تتوقع أن تبدأ فيه القصص الملحمية. تخيل أنه عند لحظة ما كان بلاكبرن هو أكثر فرق البريميرليغ إنفاقا على الانتقالات!(7)

بمجرد شرائه للنادي، بدأ ووكر خطته الطموحة لإعادته من غياهب وسط جدول الليغ 2 إلى أضواء البريميرليغ، وتعاقد مع أسطورة ليفربول الحية كيني دالغليش مدربا، وعبر ثلاث سنوات من ضخ الأموال المتواصل، نجح دالغليش أخيرا في صناعة فريق بطل، يستطيع مزاحمة يونايتد فيرغسون في القمة، وانضم صانع الألعاب تيم شيروود إلى ثنائية ساتن وشيرر، وهو الرجل الذي رفض دالغليش التعاقد مع زين الدين زيدان لأجله آنذاك. كل تفاصيل هذه القصة غريبة(8).

بعد الخسارة من توتنهام بنتيجة 3-1 في فبراير، انطلق الروفرز في مسيرة 10 مباريات بلا هزيمة جمعوا فيها 24 نقطة من أصل 30 متاحة، وبحلول أبريل، كانوا يتصدرون الجدول بفارق 6 نقاط، وحينها فقط بدؤوا يشعرون بالضغط النفسي والذهني، عندما أدركوا أن الحلم لم يعد حلما(9).

بعد هذه المباريات العشر، واجه الروفرز مانشستر سيتي. يحكي مارك أتكينز -لاعب وسط الفريق- عن هذه المباراة قائلا: “واجهنا سيتي في ليلة اثنين وكان المطر غامرا، هذه المباراة كان من الممكن أن تنتهي بأي نتيجة لأي من الفريقين من فرط صعوبتها! خسرنا، وبدأ بعض اللاعبين يشعرون بحجم التوقعات تثقل كاهلهم”.

سير أليكس فيرغسون

بعدها عاد كيفن جالاهر -مهاجم الفريق الأساسي- من الإصابة، وساعد الفريق للفوز على كريستال بالاس، قبل أن يقدموا عرضا سيئا للغاية ضد ويستهام في أبتون بارك -ملعب ويستهام القديم- ويخسروا بنتيجة 2-1. يحكي كولين هندري أن تلك اللحظة كانت عندما بدأ اللاعبون في الشجار في غرفة الملابس: “بعد مباراة ويستهام أدركنا أننا في خضم معركة أكبر منّا. كان هناك العديد من الشخصيات القوية في غرفة الملابس، شيرر وشيروود وساتن وفلاورز الحارس، وبعد المباراة بدأ كل منهم في انتقاد الآخر!”.

أبرز لقطات الموسم وقعت قبل آخر 5 مباريات، عندما خرج سير أليكس فيرغسون بواحدة من أشهر لعباته النفسية عندما صرح بتوقعه أن يكرر بلاكبرن نفس ما فعله ديفون لوخ في الأمتار الأخيرة(10)(11).

فيرغسون كان مهتما بسباقات الخيول طوال عمره، وديفون لوخ كان الحصان الذي خسر السباق الدولي الأكبر سنة 1956 بعدما كان متصدرا أغلب فتراته، وفي الأمتار الأخيرة، قفز الحصان بطريقة غريبة وكأنه يتجاوز سورا وهميا، ثم سقط مفترشا أرض السباق بقوائمه الأربعة، وخسر في النهاية. بالمناسبة، كانت تلك هي الحيلة النفسية ذاتها التي استخدمها فيرغسون في سباق موسم 2011-2012 ضد مانشستر سيتي، وفي الحالتين، لم تجلب الحيلة لقب الدوري لفيرغسون(12)(13).

ظاهريا، بدا دالغليش في منتهى الثبات عندما سُئل عن تصريح فيرغسون، وعلق ساخرا بأنه لم يسمع عن ديفون لوخ من قبل، ثم تساءل ضاحكا إن كانت تلك بحيرة في إسكتلندا التي يحمل فيرغسون جنسيتها، ولكن واقعيا، يحكي غراهام لو سو -ظهير بلاكبرن- أن لعبة فيرغسون قد نجحت، وأن دالغليش أصبح مهووسا به وبمانشستر يونايتد، وبالرغبة في التفوق عليه وإثبات خطئه.

نجحت لعبة ديفون لوخ، وخسر بلاكبرن دالغليش 3 من مبارياته الخمس الأخيرة في الدوري، ولكنّ فَشَلَ فيرغسون في التفوق على ويستهام في الجولة الأخيرة منَحَ الروفرز اللقب بفارق نقطة واحدة.

هذا ما يجعلك تتساءل: ماذا لو عدنا في الزمن؟ هل كان فنغر وفيرغسون وكيغان ونوريتش سيتمنون أن يستمروا في المنافسة لفترة أطول قبل الخسارة، أم كانوا سيتمنون أن تنتهي آمالهم مبكرا حتى لا يبنوا المزيد من الطموحات؟ نعتقد أنها الثانية، ونعتقد أنه لو تعثر ليفربول أو سيتي في الجولتين القادمتين فإن هذا سيكون أكثر رحمة بجماهير الفريق الخاسر من الانتظار للجولة الأخيرة.

___________________________________________

المصادر:

  1. كيفن كيغان:”مازالت الكوابيس تنتابني عندما أتذكر كيف فرطنا في اللقب!” – Four Four Two
  2. ليفربول لن ينسى اليوم الذي خسر فيه البريميرليغ أبدًا – الجزيرة
  3. 7 انهيارات درامية في الصراع على اللقب؛ مانشستر يونايتد وليفربول وأرسنال – Planet Football
  4. “لا تلومونني على انهيار موسم أرسنال!”..وليام غالاس يرد على منتقديه – The Evening Standard
  5. ينس ليمان يكشف ما حدث في غرفة ملابس أرسنال عقب التعادل مع برمنغهام 2-2 – Give Me Sport
  6. سباقات على لقب البريميرليغ حسمت في الجوJack Walker Blackburn Roversلة الأخيرة – Give Me Sport
  7. أكبر الانهيارات الذهنية في تاريخ صراعات لقب البريميرليغ – Goal
  8. ميركاتو يناير..أغرب الانتقالات في التاريخ (1) – الجزيرة
  9. لقب بريميرليغ بلاكبرن..الشعور بالضغط مازال حاضرًا بعد ربع قرن! – Sky Sports
  10. بعد التفكير مرة ثانية..ألعاب فيرغسون العقلية! – The Guardian
  11. الألعاب العقلية لم تعد جزءًا من وظيفة المدرب في البريميرليغ – ESPN
  12. قصة ديفون لوخ – Yahoo Sports
  13. فيرغسون يتمنى أن يتعثر مانشستر سيتي مثل ديفون لوخ قبل نهاية الدوري – The Telegraph


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.