القاهرة- إذا ذهبت سائحا إلى مصر فستجد أن من أهم الأطعمة التي يوصيك الأصدقاء بتناولها هو الحمام أو البط المحشو بالفريك، ولا يستطيع كثيرون عندما يأكلونه للوهلة الأولى التفريق بينه وبين الأرز، لكن الحقيقة أن الفريك ليس أرزا بل قمح لم يكتمل نضجه.

المثير أن الفريك قفز إلى صدارة الاهتمامات في الفترة الماضية، ولكن ليس في سياق الحديث عن حشو الحمام أو الدجاج أو البط، ووصل الأمر إلى إلقاء الشرطة القبض على مصريين بسبب الفريك، فما القصة؟

منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا -في فبراير/شباط الماضي- اتجهت الحكومة المصرية عبر حزمة إجراءات للسيطرة على إنتاج القمح واستهلاكه بمصر، تفاديا لحدوث أزمة غذائية في البلاد، بيد أن السيطرة الرسمية أصبحت أكثر حزما؛ إذ امتدت مؤخرا لإحالة مخالفي توجهاتها إلى النيابة العامة.

يشتهر الفريك في المطبخ المصري وشمال أفريقيا، وهو قمح لم ينضج بعد، أو هو “القمح الأخضر أو الحنطة الخضراء”، ويتم تجفيفه وعرضه للحرارة الشديدة داخل أفران، ويسحق ليصبح في حجم أقل 3 مرات من حبة القمح.

بواسطة 

أحدث تلك الإجراءات كانت قبل يومين حين حررت مديرية التموين 20 محضر مخالفة لمزارعين من محافظة المنيا (جنوبي القاهرة) بدعوى تحويل كميات من القمح إلى فريك، وتمت إحالتهم للتحقيق من قبل النيابة العامة، وفي الشهر الماضي تم تحرير محاضر مخالفة لمزارعين من محافظة أسيوط (جنوبي البلاد)، وشملت الاتهامات الموجهة إليهم -حسب ما نقلته وسائل إعلام محلية- إشغال الطريق وبناء أفران بغير تصريح، فضلا عن مخالفات بيئية.

ويشتهر الفريك في المطبخ المصري وشمال أفريقيا، وهو عبارة عن قمح لم ينضج بعد، فهو “القمح الأخضر أو الحنطة الخضراء”، ويتم تجفيفه وعرضه للحرارة الشديدة داخل أفران، ويسحق ليصبح في حجم أقل 3 مرات من حبة القمح.

وتعد المحافظات الجنوبية الأكثر شهرة في استخلاص الفريك من القمح، وعلى رأسها المنيا وأسيوط وسوهاج.

ووفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، فقد اعتمدت مصر على كل من روسيا وأوكرانيا في استيراد 80% من إجمالي القمح المستورد من الخارج خلال عام 2021.

تحذير من الفريك

وحذر نقيب الفلاحين المصريين حسين أبو صدام من حصاد القمح قبل اكتمال نضجه لتحويله إلى الفريك، موضحا أن هذه الظاهرة تتسبب في قلة الإنتاجية العامة من القمح بنسبة تصل إلى نحو 20%.

ودعا أبو صدام -في تصريحات تلفزيونية سابقة- المواطنين لاستخدام الأرز بدل الفريك في وجباتهم الغذائية، قائلا “احشوا البط بالأرز بدل الفريك”، مبينا أن تصنيع الفريك في ظل الأزمة الراهنة أمر خطير، وإعداد الأطعمة باستخدامه يعد نوعا من الرفاهية يجب تجنبها.

وطالب النقيب الحكومة بدعم مزارعي القمح عبر طرح قروض ميسرة بنسب فوائد قليلة، وصرف مستحقات الفلاح فور توريده الكميات التي يلتزم بها من القمح، وتوفير البذور المعتمدة عالية الإنتاجية بأسعار مناسبة، والمبيدات اللازمة للقضاء على الأمراض التي تصيب الحبوب أثناء نموها.

من جهته، قال رئيس قطاع الخدمات الزراعية بوزارة الزراعة عباس الشناوي إن تحرير محاضر إتلاف محاصيل لمن يصنع الفريك من القمح يأتي إعمالا للقرار الوزاري الذي ألزم المزارعين بتوريد القمح للحكومة بشكل إجباري.

وأضاف -في تصريحات تلفزيونية- أن حرق حبوب القمح الخضراء عادة قديمة تسمى الفريك، موضحا في الوقت نفسه أن المساحة التي يُحرق فيها محدودة للغاية ولا تؤثر في المساحة المنزرعة.

ويصل سعر كيلو الفريك إلى نحو 30 جنيها (الدولار يساوي 18.38 جنيها)، في حين لا يزيد كيلو الدقيق على 10 جنيهات، وربما ارتفاع سعر الفريك هو ما يدفع المزارعين لترجيح كفته على القمح مكتمل النضوج.

وفي مارس/آذار الماضي، أصدرت وزيرة الصناعة نيفين جامع قرارا بوقف تصدير مجموعة من السلع لمدة 3 أشهر، ومن بينها الفريك.

وتستورد مصر ما يزيد على 10 ملايين طن من القمح لتغطية استهلاكها البالغ نحو 16 مليون طن سنويًا، ويتم الحصول على الباقي من الإنتاج المحلي.

 

إجراءات حكومية

ومع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، اندفعت مخاوف مصرية من مستقبل استيراد القمح من موسكو وكييف، تُرجمت تلك المخاوف إلى تصريحات حكومية مطمئنة بشأن المخزون الإستراتيجي وتحليلات الخبراء الداعية للحذر.

وأعلنت الحكومة إجراءات مشددة بهدف السيطرة على سوق القمح المحلي، مع مساع متوازية للبحث عن بدائل لاستيراد الحبوب التي يعتمد عليها المصريون بشكل رئيسي في وجباتهم الغذائية.

وضمن إجراءات رآها البعض غير عادلة أصدرت وزارة التموين قرارا يلزم المزارعين بتسليم ما لا يقل عن 12 أردبا عن كل فدان يزرعونه، وفقا للحيازة الزراعية المسجلة في وزارة الزراعة، مع حظر بيع ما يتبقى لدى الفلاح من الكمية المزروعة لغير جهات التسويق التابعة للوزارة.

وبالتزامن، أقر مجلس الوزراء زيادة في سعر أردب القمح بقيمة 170 جنيها، مقارنة بالموسم الماضي، ليصل إلى 885 جنيها، علما بأن الأردب يعادل نحو 150 كيلوغراما.

وكان وزير المالية محمد معيط أعلن الشهر الماضي تخصيص 1.1 مليار جنيه كدفعة مقدمة لشراء القمح المحلي من المزارعين، كما أعلنت الحكومة التزامها بمنح مستحقات المزارعين خلال 48 ساعة من توريد الكميات المقررة من القمح، مع توفير 450 نقطة لتسلم المحصول؛ وذلك للتسهيل على المزارع وتقليل تكلفة نقل الحبوب، وتوفير ماكينات الحصاد الآلي للمحاصيل.

تلك التسهيلات كانت بمثابة الجزرة للمزارعين، أما العصا فكانت التهديد على لسان مسؤولين بوزارة الزراعة بـ3 عقوبات في انتظار من يرفض توريد القمح للحكومة، وهي تحرير محضر ضده أمام النيابة العامة، ووقف صرف الأسمدة المدعمة له، وحرمانه من الدعم التمويني الذي تبلغ قيمته 50 جنيها لكل مواطن.

وتوقع تقرير صادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء أن يزيد إنتاج مصر من القمح هذا العام بنحو 11%، علما بأن مساحة القمح المزروعة زادت بنسبة 7.4%، وبلغت 3.65 ملايين فدان في 2022، مقابل 3.4 ملايين فدان في 2021.

السعر البخس

في مقال له حمل عنوان “ماري أنطوانيت ونقيب الفلاحين”، تحدث الكاتب الصحفي ماجد حبته عن استهلاك المصريين للفريك، ورأى اتساع أسواقه في السنوات الأخيرة، خاصة في المحافظات الجنوبية، مشيرا إلى توسع المزارعين في إنتاجه.

وأوضح أنه تم تحويل كل المساحات المزروعة في بعض القرى من القمح إلى الفريك، بالتزامن مع فتح أسواق خارجية لتصديره إلى دول عربية وأوروبية.

وحذر الكاتب الصحفي من حدوث أزمة غذائية بمصر بسبب نقص القمح، مشيرا إلى أن نقص الخبز هو سبب إشعال الثورة الفرنسية، وكان أيضا بطلا رئيسيا في الحرب الأهلية الأميركية.

في السياق ذاته، قال عبد التواب بركات مستشار وزير التموين المصري سابقا إن التوريد الإجباري والسعر البخس في مصر كانا -وما زالا- السبب الأكبر في إفقار مزارعي القمح وصرفهم عمدا عن زراعته إلى محاصيل أخرى أقل أهمية، بعضها هامشية أو استفزازية، والنتيجة أن مصر أصبحت أكبر مستورد للقمح في العالم، وتعاني من أزمات خبز متكررة، وذلك في مقال بعنوان “إجبار الفلاحين على توريد القمح يفاقم أزمة الخبز في مصر”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.