في الأول من مايو/أيار 2001، نشر أول مقالي لي بجريدة “الحياة” اللندنية، وكانت وقتها جريدة النخبة العربية التي يكتب بها أسماء لامعة لمثقفين ومفكرين عرب بارزين، مثل المفكر الراحل محمد عابد الجابري، وإدوارد سعيد، وحليم بركات، وهشام شرابي، وهشام جعيط، وغيرهم.

وكانت الكتابة في جريدة “الحياة” بمنزلة جائزة كبرى، خاصة لنا نحن شباب الباحثين والصحافيين الذين كانوا في بداية مشوارهم البحثي والفكري، ولذلك كنا نتسابق دوما على النشر بها، وذلك رغم الصعوبات التي كانت تواجهنا في سبيل ذلك، ولعل أهمها كان سوء المعاملة من مكتب الجريدة في القاهرة الذي كان يديره شخص نزق مريض النفس، كان همّه الوحيد هو “تطفيش” شباب الباحثين، ربما حسدا أو خوفا وشعورا بالتهديد من أن يحلّ أحدنا محلّه في إدارة مكتب الجريدة بالقاهرة، الذي كان يدر عليه دخلا لم يكن ليحلم به، خاصة أنه لم يكن صحافيا معروفا وليس لديه تاريخ في المهنة كما يقولون. كما أن إدارته للمكتب توفر له مساحة واسعة للنفوذ والتأثير. وقد عرفنا لاحقا أن هذا الشخص كانت له علاقات وثيقة بأجهزة الأمن المصرية، وهو ما فتح له الباب لأن يكون قريبا من “لجنة السياسات” التي كان يرأسها جمال مبارك.

وكانت العادة أن نقوم بإرسال المقالات إلى مكتب الجريدة في القاهرة، الذي يقوم بدوره بإرسالها إلى قسم الرأي في لندن، الذي كان يشرف عليه وقتها الصحافي المعروف عبد الوهاب بدرخان، ومن بعده الصحافي إلياس حرفوش. وأحيانا كان صاحبنا في مكتب القاهرة يقوم باحتجاز المقالات وعدم إرسالها للجريدة في لندن وذلك حتى نيأس ونتوقف عن الكتابة. وقد علمت لاحقا أنه كان يفعل الشيء نفسه مع كبار الكتاب وليس معنا فقط. وأحيانا كان يشتكي لي منه الأديب المصري المعروف إبراهيم أصلان، الذي كان وقتها يشرف على المواد الأدبية التي يتم إرسالها من القاهرة إلى بيروت ولندن، وقد كان لعمنا إبراهيم (كما كنّا نسميه) عمود منتظم بالجريدة تحت عنوان “شيء من هذا القبيل”، وكان ينشر صباح كل أربعاء، على ما أذكر، وقد تم تجميع مقالاته في كتاب نُشر لاحقا تحت الاسم نفسه.

عموما، انتظمت في الكتابة بجريدة الحياة لأكثر من عقد من الزمن، ولربما كنت وقتها أحدث الكتّاب سنا، وبدأت في إرسال مقالاتي إلى لندن مباشرة من دون الحاجة لوسيط من مكتبي الجريدة بالقاهرة أو بيروت، وهو ما رفع عني عبء التواصل مع ذاك الشخص بمكتب القاهرة. في الوقت نفسه، كنت أنشر دراسات ومقالات في جرائد، مثل جريدة “الأهرام” اليومية، و”الأهرام ويكلي” (Al-Ahram Weekly) الإنجليزية، وجريدة “الوطن” العمانية وغيرها. وكذلك نشرت عدة كتب ودراسات بين عامي 2005 و2010 في مجلات ودور نشر عديدة. وكنت أنشر مقالا كبيرا (أقرب لدراسة علمية) في مجلة “شؤون عربية” وهي مجلة تصدر عن جامعة الدول العربية وكان يرأس تحريرها -وربما لا يزال- السفير سعيد رفعت.

وفي أواسط عام 2007، وأنا أطالع صفحة الرأي بجريدة الحياة، فوجئت بمقال لأستاذة علوم سياسية تعمل بالجامعة الأميركية بالقاهرة، قامت فيه بانتحال جزء كبير من إحدى دراساتي التي كنت قد نشرتها قبل ذلك بأسابيع في مجلة “شؤون عربية” ونشرته باسمها.

الأستاذة الجامعية لم تنتحل دراستي فقط، ولكنها أيضا كانت تنتحل وتسرق جهد الآخرين، ولا تكتب مقالاتها بنفسها وإنما يكتبها لها شخص آخر، عرفت لاحقا أن من كان يكتب لها المقالات شاب كان يعمل باحثا مساعدا في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وقد استغلت الأستاذة الجامعية حاجته المالية من أجل أن يكتب لها مقالاتها مقابل أجر.

صُدمت من جرأة -وربما “وقاحة”- الكاتبة على سرقة وانتحال دراستي ونشرها من دون أن يهتز لها جفن. والكارثة أنها كانت، ولا تزال، من المحسوبين على ما يسمى التيار الليبرالي المصري، وجدها كان رمزا سياسيا معروفا أوائل القرن العشرين.

تواصلت مع مكتب الجريدة بالقاهرة، فلم يفعل “صاحبنا” مدير المكتب شيئا كما توقعت. فأرسلت رسالة غاضبة لمسؤول صفحة الرأي في مكتب الجريدة بلندن، طالبته فيه بضرورة نشر اعتذار في الصفحة نفسها التي نُشر بها المقال، وكذلك توجيه اللوم للأستاذة الجامعية، ووقفها عن نشر أي مقالات مستقبلية مع الجريدة، عقابا لها على جريمتها. ولكنه، للأسف، لم يفعل شيئا. وكنت وقتها أعمل مساعدا لرئيس تحرير مجلة “السياسة الدولية” التي كان يرأس تحريرها الدكتور أسامة الغزالي حرب، وهو أيضا ممن يتم تصنيفهم ضمن ما يسمّى التيار الليبرالي في مصر. وقد رآني غاضبا ومنزعجا مما حدث، فطالبني بالهدوء، وبعدما حكيت له ما حدث، كاد يستلقي على ظهره من الضحك، حيث قال ما معناه “هي جت فيك المرة دي”، مشيرا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها تلك الأستاذة بسرقة وانتحال مقالات كتاب آخرين، وعلى ما يبدو أن سمعتها في هذا الصدد معروفة.

عموما، وكي يقلل من غضبي، وعدني بالتواصل مع كاتبة المقال التي تربطه بها علاقة شخصية، كي يطالبها بالاعتذار عما فعلته. وبعد عدة أيام التقيته، وسألته ماذا حدث، فقال إنه تواصل بالفعل مع الأستاذة الجامعية، وقد اعترفت له بالفعل بواقعة الانتحال ولكنها، وبوقاحة لم أكن أتوقعها، رفضت الاعتذار. أما الصاعقة، بالنسبة لي، فكانت أنها ألقت باللائمة على الشخص الذي يكتب لها المقالات. وقتها أُسقط في يدي. فهذا عذر أقبح من ذنب كما يقولون.

فالأستاذة الجامعية لم تنتحل فقط دراستي، ولكنها أيضا كانت تنتحل وتسرق جهد الآخرين، ولا تكتب مقالاتها بنفسها وإنما يكتبها لها شخص آخر، عرفت لاحقا أن من كان يكتب لها المقالات شاب كان يعمل باحثا مساعدا في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وقد استغلت الأستاذة الجامعية حاجته المالية من أجل أن يكتب لها مقالاتها مقابل أجر.

في الليلة التي سبقت انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 اجتمعت الأستاذة الجامعية والرمز النسائي الليبرالي المعروف، مع مجموعة ممن يسمّون “النخبة المصرية” بإحدى الفيلات المملوكة لمسؤول حكومي سابق بمنطقة الزمالك في وسط القاهرة، وذلك من أجل وضع بيان الانقلاب الذي ألقاه الجنرال عبد الفتاح السيسي مساء الثالث من يوليو/تموز.

وقتها، تذكرت أن ما قامت به تلك السيدة من سرقة دراستي يبدو شيئا بسيطا، مقارنة بما اقترفته هي وغيرها من رموز “النخبة المصرية” حين سرقوا ثورة شعب بأكمله، وألقوا بها في حجر العسكر، وذلك من دون أن يهتز لهم جفن أو يرتعش لهم ضمير. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.