القدس المحتلة- في جبل الزيتون المطل على البلدة القديمة والمسجد الأقصى بالقدس المحتلة، تتربع “الزاوية الأسعدية” التي تضم أول مسجد بُني على هذا الجبل قبل 4 قرون ونيف. ومنذ ذلك الحين تتولى عائلة العلمي رعايته ورعاية قبر الجد الأول للعائلة الذي وصل المدينة لأول مرة عام 1023هـ/ 1614م، قادما من مدينة فاس المغربية.

في الفناء الداخلي للزاوية الذي يفصل مسجدها عن قبر الجد الصوفي وزوجته، التقت الجزيرة نت بمتولي وقف “الزاوية الأسعدية” المحامي المقدسي نزيه العلمي المسؤول عن رعاية المكان منذ عام 1973 حتى يومنا هذا.

استهل العلمي، الذي يتطوع في إمامة كافة الصلوات في مسجد الزاوية، حديثه بالقول إن الجد الأول للعائلة الشيخ محمد العلمي زار القدس كونها “وجهة للتقديس”، وعندما وصل إلى جبل الزيتون تعلّق بالمكان المطل على أولى القبلتين وقرر عدم العودة إلى دياره.

كان الشيخ العلمي فقيرا وتأمّل أن يتمكن من بناء مسجد في المكان، لكن ضيق الحال دفعه ليفترش الأرض للتعبّد والإقامة مع الإلحاح في الدعاء والتضرع إلى الله بأن يتمكن من بناء المسجد يوما ما.

شيخ الزاوية الأسعدية حاليا ومتولي الوقف منذ عام 1973 المحامي المقدسي نزيه العلمي (الجزيرة)

تحقق الرؤيا

وفق رواية عائلة العلمي المتوارثة والتي تدارست مخطوطات ومؤلفات شيخها الصوفي، يقول متولي الوقف “إلحاح شيخنا بالدعاء جعل شيخ الإسلام المقيم في القسطنطينية (إسطنبول) يراه في منامه لليال متتالية وهو يطلب منه أن يحضر إلى جبل الزيتون كي يبني مسجدا”.

ومع تكرر الرؤيا، يقول الحفيد “امتطى شيخ الإسلام ركوبه وتوجه مع حاشيته إلى جبل الزيتون في القدس، وعند وصوله كان الشيخ محمد العلمي يقدم درسا لتلامذته في أصول الفقه الإسلامي، فطلب من الضيوف الانتظار حتى انقضائه”.

كان “شيخ الإسلام” يُدعى “أسعد أفندي” وبعدما أشار عليه الشيخ العلمي ببناء المسجد سُميت الزاوية بالأسعدية نسبة له، وأضيف إلى البناء عدة مساكن مجاورة لإقامة عائلة العلمي، وأوقف “شيخ الإسلام” عشرات الدونمات من الأراضي المجاورة لصالح الزاوية.

لُقب الشيخ المتصوف والعالم بأمور الدين بالعلمي لأنه كان يحمل دائما عَلما خلال حياته، ووُضع هذا العلم بجوار قبره داخل الزاوية.

وفوق الباب الحديدي المؤدي نزولا إلى قبر الشيخ وزوجته عائشة، ثُبت نقش حجري عام 1143هجرية، ويُقال إنه وُضع قبل وفاة العلمي ببضع سنوات بمناسبة اكتمال بناء الزاوية، وكُتب عليه:

“أيا زائر هذا الرحاب لك الهنا..

نزّه لحاظك من محاسن قدسنا

زُر قبر هذا القطب وارجُ نواله..

واخضع وكن متأدبا متمسكنا

وأنِخ مطايا كل خطب ببابه..

واسأله تفريج الكرب مع العنا تسمع لسان الحال منه منشدا

فإذا علتك صروف دهرك لذنبنا..

فألقِ السلاح وكن متأملا من بعد ذا

وانظر لتكوين البناء أنشأه..

الذي يرجو الثواب ليس مقصده الثنا

لما تكاملت قلت في تاريخه..

أيا زائر العلمي قد نلت المُنى”.

من داخل الزاوية الأسعدية حيث يوجد ضريحا الشيخ العلمي وزوجته (الجزيرة)

رعاية مسيرة التصوف

بعد رحيل الجد الأكبر الشيخ المتصوف محمد العلمي، توارث أبناؤه وأحفاده مهمة الحفاظ على هذا الوقف الإسلامي حتى يومنا هذا، وتسلسل في رعاية الزاوية -وفقا لنزيه العلمي- 8 أجداد حتى الآن.

وما زالت العائلة تحافظ على مخطوطات تضم مؤلفاته في التصوف والعلوم الدينية. وعلى قبره وقبر زوجته الواقعيْن في بناء قديم أسفل الزاوية، أقيمت حجرة أثرية يصل إليها الزائر عبر سلالم تاريخية.

وبينما يغطي قبر الشيخ الزاهد رداء أخضر يعج بالآيات والزخارف الإسلامية وثُبتت أعلاه عمامته، يظهر من طرف قبر زوجته رداء باللونين الأحمر والأخضر في قبر يعلوه قوس حجري قديم.

ومع رفع أذان المغرب، فتح متولي الوقف باب المسجد وودعنا ليؤم المصلين فيه، وفي الخارج أُضيئت المئذنة ومحيطها بإنارة خضراء، وبدأ المصلون بالتوافد نحو مسجد الزاوية الذي حلم ببنائه متصوّف مغربي وحقق الحلم “شيخ الإسلام” من إسطنبول.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.