لندن- بعد أن كان العمل في القطاع الصحي البريطاني مصدر فخر للعاملين فيه، يبدو أن هيئة الصحة البريطانية لم تعد مغرية وفقدت بريقها، بسبب موجة الاستقالات التي تضرب هذا القطاع ووضعته في أزمة غير مسبوقة منذ عقود طويلة.

وحسب معطيات هيئة الصحة البريطانية فقد غادر حوالي 170 ألف شخص عملهم في القطاع الصحي خلال العام الماضي، في رقم قياسي جديد للاستقالات، مما وضع المستشفيات البريطانية تحت ضغط كبير وغير مسبوق في تاريخها.

وتظهر الأرقام الرسمية أن 41 ألف ممرض وممرضة غادروا المستشفيات البريطانية خلال العام الماضي، وهو أعلى معدل مغادرة منذ أكثر من 10 سنوات.

وتحاول الحكومة البريطانية تدارك هذا النقص، بإطلاق عدد من الخطط لتوظيف الآلاف من الأطباء والممرضين وكذلك بناء عدد من المستشفيات، إلا أن الأرقام تقول إن النقص في تزايد مستمر، بل إن هيئات طبية بريطانية تقدر النقص الحاصل في الأطقم الطبية حاليا بأكثر من 154 ألف وقد يرتفع إلى 571 ألف بحلول سنة 2036 في حال استمر الوضع على ما هو عليه من استقالات.

موجة استقالات

موجة الاستقالات في صفوف العاملين في هيئة الصحة البريطانية ارتفعت بسبب الكثير من العوامل، لكن يبقى السبب الأبرز هو ظروف العمل وتراجع الأجور، وهكذا باتت أعداد المستقيلين لهذا السبب أكثر بـ3 أضعاف مقارنة مع النسبة نفسها قبل 10 سنوات.

وبسبب ظروف العمل والضغط الذي يولده نقص الموارد البشرية، فقد خسرت المستشفيات البريطانية حوالي نصف مليون يوم عمل، كلها بسبب معاناة الأطقم الطبية من مشاكل نفسية وحالات اكتئاب، وهو ما يشكل ارتفاعا بنسبة 56% مقارنة مع سنة 2015.

 

وبحسب دراسة لمعهد الدراسات الضريبية، فإن أعداد الممرضين ومساعدي الأطباء الذين أخذوا إجازات لمدة 3 أيام على الأقل لأسباب نفسية، يغادر 27% منهم العمل بعد 3 أشهر، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل الضغط النفسي، ويرتفع هذا الرقم ليصل إلى 58% بالنسبة للاستشاريين الطبيين.

ويظهر أن نزيف الاستقالات من القطاع الصحي البريطاني لن يتوقف قريبا، فحسب استطلاع رأي أجرته الجمعية الملكية للطب العام سنة 2022، أظهر 39% من العاملين في المصحات العامة أنهم يفكرون جديا في الاستقالة من مناصبهم خلال السنوات الخمس المقبلة، مما يعني فقدان أكثر من ثلث القوة العاملة في هذه المصحات التي تعتبر من أسس البنية الصحية البريطانية.

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يخطط للاعتماد على الصيادلة في صرف عدد من الأدوية لتخفيف الضغط عن الأطباء (غيتي)

مشكلة الأجور والبريكست

ويخوض الممرضون وكذلك الأطباء الشباب إضرابات متكررة وصراعات طويلة مع الحكومة للمطالبة بزيادة الأجور، ولحد الآن لم تستجب الحكومة لمطالبهم بدعوى أن أي زيادة في الأجور ستؤدي لارتفاع نسبة التضخم في البلاد.

وحسب دراسة لمركز الأبحاث الطبية “نوفيلد تراست” لقيمة رواتب الممرضين والممرضات في بريطانيا مقارنة مع سنة 2010، ظهر أنهم يتقاضون أجورا أقل بنسبة 10% مقارنة مع أجور سنة 2010، وترتفع هذه النسبة إلى 15% بالنسبة للأطباء.

وإضافة لتراجع الأجور وتعنت الحكومة في الزيادة في الرواتب، فإن هناك عاملا آخر فاقم الأزمة وهو البريكست، حيث تراجعت أعداد الأطقم الطبية الأوروبية العاملة في بريطانيا منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي سنة 2016، وانخفضت نسبة توظيف ممرضين أوروبيين بنسبة 90%، مقابل ارتفاع هذه النسبة من دول أخرى، خصوصا من آسيا وتحديدا من الهند.

الاعتماد على الأجانب

ومن المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي البريطاني هو أنه ظل لسنوات طويلة يعتمد على الخبرات الطبية الأجنبية، ولم يكن هناك مشكلة عندما كانت المملكة المتحدة عضوا في الاتحاد الأوروبي، لكن بعد البريكست تغير كل شيء.

ففي سنة 2020، كان ثلث الأطباء (32%) العاملين في بريطانيا من الذين تلقوا تكوينهم وتدريبهم خارج البلاد، وهو معدل أعلى من المعدل المسجل في دول منظمة التنمية والتعاون الدولي والمقدر بحوالي 13%، أما فيما يتعلق بالممرضين فإن المعدل يصل إلى 18%، وهو رقم أعلى بكثير من المعدل العالمي البالغ 4%.

ويتواصل اعتماد القطاع الصحي البريطاني على الأجانب وبشكل كبير، ففي سنة 2021 بات الأطباء الذين تم توظيفهم من خارج بريطانيا هم الأكثرية مقارنة مع الأطباء الذين تم توظيفهم من داخل البلاد وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.