لندن – أحدثت نتائج الانتخابات المحلية في أيرلندا الشمالية زلزالا سياسيا، بلغت ارتداداته كل أطراف المملكة المتحدة، بعد حصول حزب “شين فين” الجمهوري على الأغلبية في الجمعية الوطنية الأيرلندية التي تعتبر بمثابة برلمان للبلاد.

نجاح حزب “شين فين” في تصدر الانتخابات حدث لأول مرة منذ تأسيس أيرلندا الشمالية سنة 1921، ذلك أن صدارة الانتخابات كانت دائما حكرا على الأحزاب الحاملة لشعار الوحدة مع المملكة المتحدة.

وحصل “شين فين” على 27 مقعدا، مقابل حصول الحزب الوحدوي الديمقراطي على 25 مقعدا، وجاء حزب التحالف في المركز الثالث بحصوله على 17 مقعدا.

ولهذا اتفقت التحليلات السياسية على وصف نتائج الانتخابات تلك بالتاريخية وغير المسبوقة، لأنها تجعل القوميين الراغبين في الانفصال عن المملكة وتوحيد الجزيرة الأيرلندية في صدارة المشهد السياسي، ولهم القدرة على الدفع نحو الانفصال فعلا عن التاج البريطاني.

من هو حزب “شين فين”؟

تعود أصول تأسيس هذا الحزب إلى سنة 1905 وقد حمل الكثير من الأسماء المختلفة قبل أن يصبح على الشكل الذي هو عليه حاليا، سنة 1970.

وخلال الحرب الدامية التي شهدتها أيرلندا بين أنصار الوحدة مع المملكة المتحدة وأنصار الانفصال والتي عرفت مقتل أكثر من 3500، كان حزب “شين فين” يعتبر الجناح السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي.

ويعتبر هذا الحزب الوحيد الذي له نشاط سياسي في شطري الجزيرة (أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا) ويحمل في عقيدته السياسية هدف توحيد الجزيرة بعيدا عن المملكة المتحدة.

وتدريجيا نجح الحزب في الرفع من عدد مقاعده في البرلمان، ليصبح منذ سنة 2003 أكبر حزب قومي يحمل فكرة الانفصال من حيث عدد المقاعد.

وعرف الكثير من التغييرات في أطروحته السياسية، إلا أن موقفه من الانفصال بقي ثابتا، ورغم أنه لعب دورا مهما في مفاوضات السلام والتوقيع على اتفاق “الجمعة العظيم” الذي أنهى الحرب، إلا أن الحزب وقادته يرفضون إدانة أعمال العنف التي قام بها الجيش الجمهوري خلال تلك الفترة.

ومن المواقف المثيرة أيضا للحزب، رفضه استلام مقاعده السبعة في البرلمان البريطاني، بسبب أن كل النواب في البرلمان يؤدون القسم بالولاء للملكة، في حين أن “شين فين” يرفض أن يكون ولاؤه للملكة ويعتبر أن وصاية المملكة على أيرلندا وضع غير شرعي.

هل بات الانفصال وشيكا؟

رغم أن “شين فين” أعلن مباشرة بعد فوزه بالانتخابات أن الأولوية ستكون لمواجهة غلاء المعيشة والتضخم، وتحسين الخدمات الصحية، إلا أن هذا الحزب يحمل أيضا في برنامجه الانتخابي وعدا بالسعي لإجراء استفتاء توحيد هذه الجزيرة.

ويطلق “شين فين” على الاستفتاء تسمية “انتخابات الحدود” لمعرفة رأي سكان أيرلندا الشمالية في الانفصال عن المملكة المتحدة أو البقاء تحت التاج، ويتوفر الحزب على خطة من 5 سنوات للوصول إلى محطة الاستفتاء.

غير أن تنظيم الاستفتاء ليس قرارا يتخذه “شين فين” وحده حتى وإن كان صاحب الأغلبية بالجمعية الوطنية، ذلك أن نظام اتخاذ القرار في أيرلندا الشمالية معقد جدا لضمان التوازن بين التيار الوحدوي والانفصالي.

كيف يمكن تنظيم استفتاء الانفصال؟

يعتبر اتفاق “الجمعة العظيم” -الذي تم توقيعه سنة 1998 برعاية أميركية وأنهى سنوات من الصراع الدموي- هو الضابط والمحدد لقواعد تنظيم استفتاء لانفصال أيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة.

وينص هذا الاتفاق على أن وزير الحكومة البريطانية المكلف بأيرلندا الشمالية هو من يعود له القرار في الدعوة لإجراء استفتاء للانفصال عن المملكة المتحدة، وحسب نفس الاتفاق فإن هذا الوزير يحق له الإعلان عن الاستفتاء إذا ظهر له أن أغلبية المصوتين سوف يصوتون لصالح توحيد أيرلندا والخروج من تحت عباءة المملكة.

هذا يعني أن القرار النهائي لتنظيم الاستفتاء سيبقى في يد الحكومة البريطانية التي بالتأكيد لن تمنحه بسهولة خصوصا في هذه الظروف حيث يمر حزب المحافظين الحاكم بأزمة سياسية حقيقية.

في المقابل، يدافع حزب “شين فين” عن موقفه بالقول إن نتائج الانتخابات الأخيرة تظهر أن هناك توجها لدى أغلبية الناخبين الأيرلنديين نحو توحيد جزيرة أيرلندا والخروج من المملكة المتحدة.

وهو مبرر غير دقيق من الناحية العددية، أولا لأن جل استطلاعات الرأي التي تم تنظيمها تظهر غياب أغلبية مؤيدة لفكرة الانفصال عن المملكة، وثانيا لأن ثالث أكبر حزب حاليا في أيرلندا الشمالية وهو حزب التحالف لا يتبنى أي موقف من مسألة الوحدة وهو ما يعقد المسألة أكثر.

ماري لو ماكدونالد زعيم شين فين تؤكد أن توحيد أيرلندا هدف لا يمكن التخلي عنه (غيتي)

ما خطط “شين فين” لتنظيم استفتاء الانفصال؟

مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، خرجت زعيم الحزب “ماري لو ماكدونالد” لتؤكد أن هدف توحيد أيرلندا لا يمكن التخلي عنه بل “بات مطلبا ملحا”.

ومع ذلك فقد بدت حذرة وهي تحدد السقف الزمني لإجراء استفتاء الانفصال عن المملكة، عندما أكدت أن حزبها يعمل على خطة مدتها 5 سنوات تنتهي بإجراء الاستفتاء، مشيرة إلى “العقد الحالي سيشهد نهاية حقبة أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا لتصبح دولة أيرلندا موحدة”.

ولا تريد زعيمة حزب “شين فين” تكرار الفوضى التي حدثت بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي “فأي استفتاء يحتاج لتحضير جيد ومدة طويلة من الزمان حتى يتم على أفضل وجه”.

ويبدو أن الحزب يعول على السنوات الخمس المقبلة التي سيكون فيها متصدر المشهد السياسي للتحضير للاستفتاء، قبل الانتقال لمرحلة الضغط على لندن للقبول بتنظيمه فهي صاحبة القرار الأخير.

ماذا يريد الأيرلنديون؟

لم تظهر نتائج الانتخابات في أيرلندا الشمالية رغبة لدى المواطنين بالانفصال عن المملكة المتحدة، بقدر ما أظهرت رغبة في التخلص من ثنائية الوحدة والانفصال.

وهذا ما يفسر ارتفاع أعداد المقاعد التي حصل عليها حزب التحالف الذي حقق أفضل نتيجة انتخابية له في تاريخه، وهو يقول إنه بعيد عن تيار الوحدة وكذلك الانفصال، ويركز مشروعه السياسي في تحسين ظروف عيش الأيرلنديين.

وتظهر نتائج حزب التحالف أن هناك غضبا من الأحزاب التقليدية في أيرلندا الشمالية ورغبة في البحث عن بديل، يركز على الأولويات بالنسبة للأيرلنديين خصوصا ما يتعلق بمستوى المعيشة.

ويطالب هذا الحزب بتغيير قواعد تأسيس التحالف الذي يقود البلاد، وتنص حسب اتفاق “الجمعة العظيم” على وجوب الشراكة بين الحزبين الوحدوي والانفصالي، ويريد حزب التحالف أن يصبح هذا التحالف اختياريا إلا أن هذا يعني تغيير بنود اتفاق “الجمعة العظيم” وهو ما قد لا تقبل به الولايات المتحدة راعية الاتفاق.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.