قالت مجلة لوبوان (Le point) الفرنسية إنه حدث في مثل هذا اليوم 23 مارس/آذار 1801، أن دخل عند منتصف الليل الجنرالان ليونسي بينيغسن وياشفيل، متبوعين بعشرات الضباط إلى قصر سان ميشيل، حيث القيصر بول الأول؛ يريدون اغتياله، وهم في شبه حالة سكر لفرط ما شربوا من الشمبانيا تشجيعا لأنفسهم.

وفي تقرير بقلم فريديريك لوينو وغويندولين دوس سانتوس، أوضحت المجلة أن الجنرالين وأتباعهما وصلوا إلى باب غرفة نوم القيصر بعد أن قتلوا الحارس القائم على الباب بضربة سيف، كما لقي صاحب التشريفات نفس المصير عندما فتح باب غرفة الانتظار.

نظر المتآمرون إلى بعضهم بعضا للمرة الأخيرة قبل دخول شقة القيصر، ولكن بول الأول -الذي نبهته الفوضى- حاول الهروب عبر فتحة سرية تؤدي إلى شقة زوجته، غير أنه وجدها -لحظه العاثر- مغلقة، فاختبأ مذعورا وراء ستارة، وعند اكتشاف السرير فارغا، خشي المتآمرون أن يكون “الطائر قد طار من العش”.

غير أن الجنرال بينيغسن الذي لاحظ دفء السرير، أمر بالبحث في الغرفة، فرأى قدمي القيصر خارجتين من تحت الستارة، ليصيح “إنه هنا”. جرّ المتآمرون القيصر أمام طاولة، وطلب منه الجنرال زوبوف أن يوقع على تنازل عن العرش كان قد أعده له مسبقا، ولكن بول الأول رغم خوفه رفض التوقيع قائلا “لا. لا. لن أوقع”، فأصر المتآمرون على ضرورة التوقيع، ولكنه أكد رفضه.

كان الأمر يقتضي السرعة لأن جلبة بدأت تُسمع في بقية القصر، فاستل بينيغسن سيفه، وخاطب القيصر مرة أخرى قائلا “مولاي أنت أسيري، وعهدك انتهى. وعليك أن توقع على الفور على عقد التنازل لصالح الدوق الأكبر ألكسندر”.

كان غرور بول الأول مفرطا وتنتابه نوبات غضب مفاجئة، فضلا عن معاناته من جنون العظمة الذي يخيف من حوله، فهو القائل: “ليس في روسيا شخص مهم سوى من أتحدث إليه، وفقط خلال حديثي معه”

عهد مجنون

وأوضح التقرير أن هذه المجموعة من الرجال تشجعوا على اغتيال ابن كاترين الثانية ملكة روسيا، لأنهم رأوه خطيرا على البلاد، فقد أظهر نزوات غريبة منذ اعتلائه العرش عام 1797، وللانتقام من والدته التي أرادت أن تجعل من حفيدها الإسكندر وريثا لها، بدأ في تدمير كل ما بنته خلال فترة حكمها، كما قرر إذلال النبلاء الذين يعتبرهم فاسدين ومنحلين.

وهكذا حرّم رقصة الفالس باعتبارها جريئة جدا، وحظر ارتداء السراويل القصيرة والأحذية ذات الكعب العالي والقبعات المستديرة، كما منع تعاطي كلمات معينة مثل “المواطن” و”النادي” و”المجتمع” و”الثورة”، لأنه كان يخاف إلى حد الهلع من اضطرابات كالتي أحدثتها الثورة الفرنسية.

أقال هذا القيصر الوزراء ذوي الكفاءة دون أي مبرر، وأمر بغزو الهند، فضلا عن غروره المفرط ونوبات غضبه المفاجئة وجنون العظمة الذي يخيف من حوله، فهو القائل “ليس في روسيا شخص مهم سوى من أتحدث إليه، وفقط خلال حديثي معه”. ولذلك، أرادت الطبقة الأرستقراطية الروسية، بعد 4 سنوات من الحكم المجنون، التخلص من هذا الرجل المجنون.

خطط الكونت بيير ألكسندر باهلين حاكم سانت بطرسبورغ، والجنرال بينيغسن، وأصله من هانوفر، والأخوان زوبوف العائدان من المنفى، لمؤامرة انضم إليها حوالي 50 ضابطا وأرستقراطيا، يسعون من خلالها للتخلص من القيصر وتتويج ابنه الإسكندر الذي يعلم بالمؤامرة، ولكنه وافق عليها بشرط الحفاظ على حياة والده.

بعد اكتمال الجريمة، غادر المتآمرون ليعلنوا أن القيصر مات فجأة من سكتة دماغية

فات أوان التراجع

أخذ القيصر بول الأول وثيقة التنازل عن العرش من يد بينيغسن، ولكن بدلا من توقيعها، أتلفها بيديه قبل أن يرميها على الأرض، فصرخ الأمير بلاتون زوبوف عندها “لم تعد القيصر. الإسكندر هو ملكنا”، فلم يكن من الملك الغاضب إلا أن ضرب زوبوف وسط ذهول المتمردين، حتى أن بعضهم أراد الفرار لولا أن بينيغسن أعاقهم، في وقت بدأ فيه صوت الأسلحة يقترب أكثر فأكثر من غرفة النوم.

تدخل الجنرال ياشفيل قائلا “الآن فات أوان التراجع يا أمير (زوبوف)، كفى كلاما. الآن سيوقع ما تريد أو غدا ستتدحرج رؤوسنا”. كان عليهم الذهاب حتى النهاية: اغتيال القيصر الذي يصرخ مدافعا عن نفسه، وأخيرا أمسك زوبوف بعلبة من الذهب الخالص وضرب بها بول الأول الذي سقط على الأرض فاقد الوعي.

دب الهلع بين المتمردين، فاندفع بعضهم إلى زوبوف لانتزاع السيف الذي كان بيده، في حين رمى آخرون بول الأول على السرير وهو فاقد الوعي، إلا أن حارسا اسمه ياكوف سكارياتين أجهز عليه بخنقه بوشاح، وقد ادعى بينيغسن في وقت لاحق أنه غادر الغرفة أثناء الاغتيال لإحضار شعلة عندما انطفأت تلك التي كانت في الغرفة عن غير قصد.

بعد اكتمال الجريمة، غادر المتآمرون ليعلنوا أن القيصر مات فجأة من سكتة دماغية، وكلف نيكولاس زوبوف إبلاغ الإسكندر في غرفته بأنه من الآن فصاعدا أصبح القيصر الجديد، “حان الوقت أن تكبر وتحكم”، فسارع الملك الجديد ليخبر والدته التي أغمي عليها من سماع الخبر، وقد رفضت مبايعة ابنها عندما استعادت وعيها، قبل أن تستسلم للأمر الواقع.

بعدها ذهب الإسكندر إلى غرفة والده، وعندما رفع القبعة التي تخفي وجهه، أذهلته الإصابة، ثم التفتت إليه والدته بحزن عميق قائلة “مبارك عليك، اليوم أنت القيصر الجديد”، وعند سماعها انهار ألكسندر على الأرض فاقد الوعي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.