قبل أيام، أكَّد(1) الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، أن التحالف العسكري الغربي وافق على تزويد أوكرانيا بمعدات لحماية نفسها من التهديدات الكيماوية والبيولوجية والنووية القادمة من روسيا. يأتي ذلك وسط مخاوف من أنه إذا تعثَّرت الحملة الروسية بشكل متزايد، فقد يتطلَّع الرئيس فلاديمير بوتين إلى تصعيد الصراع، وحينما يُصعِّد بوتين الصراع فإن ذلك يعني ربما استخدام السلاح الكيماوي.

يأتي ذلك في سياق تبادل للاتهامات بين روسيا والولايات المتحدة، حيث قال الرئيس الأميركي جو بايدن(2) إن اتهام روسيا الكاذب بأن أوكرانيا تمتلك أسلحة بيولوجية وكيماوية هو “علامة واضحة” على أن فلاديمير بوتين “اليائس” يفكر في استخدامها بنفسه، وقال بايدن إنه يعتقد أن بوتين “مجرم حرب”، كما وصفه بأنه “ديكتاتور قاتل” و”سفاح”.

لكن في خضم تلك الاتهامات، يبقى هناك دليل واحد فقط لا تخطئه عين على أن حربا كيماوية في أوكرانيا ممكنة، وهو للأسف يقع هنا بين جنبات وطننا العربي، الذي شهد خلال عقد مضى أكثر من مأساة كيماوية في سوريا أثناء دعم الروس لنظام بشار الأسد.

ما السلاح الكيميائي؟

بحسب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية(3)، يُعرف السلاح الكيميائي بأنه أي مادة كيميائية سامة مُصمَّمة خصيصا لإحداث الوفاة أو غيرها من الأضرار، أو أي مادة أخرى يمكن أن تؤدي بتفاعل كيميائي إضافي إلى تلك المادة السامة، التي يمكن أن تُستخدم مباشرة، أو توضع في ذخائر أو نبائط عسكرية. لكن لفهم الطبيعة القذرة للحرب الكيميائية يمكن أولا أن تتعرَّف إلى أنواع الأسلحة الكيماوية، التي تنقسم بحسب استخدامها إلى عدة عوامل.

لِمَ هو مخيف إلى هذا الحد؟

الآثار الضارة لكل هذه العوامل، كما يمكن أن تلاحظ، غير محكومة، أولا لأن ضررها يعتمد على تركيزها، وهو أمر يتنوَّع من مكان إلى آخر، حيث يمكن أن تتركَّز في الأماكن المغلقة والضيقة، مقارنة بالمساحات الواسعة على سبيل المثال، وهنا يمكن أن تؤدي جميعها -بما في ذلك عوامل مكافحة الشغب- إلى الوفاة، إذا زاد التركيز الذي يتعرَّض له الشخص ومدة التعرُّض عن حدٍّ معين.

أضف إلى ذلك -ثانيا- أنها عشوائية(4)، بمعنى أن الرصاص العادي غالبا ما يُستخدم ضد جنود محددين من جيوش الخصم (ونقول هنا “غالبا” بنوع من التحفظ)، لكن السلاح الكيميائي -بقدراته السائلة والغازية على الانتشار- عشوائي تماما، يمر بين جنبات البيوت والحارات الضيقة، فيقتل مَن يقابل بلا تمييز، هل سمعت من قبل عن هجوم الغوطة الكيميائي؟

حسنا، ربما كنا مشغولين في تداعيات الربيع العربي وقتها، إنها مجزرة وقعت في منطقة الغوطة شرقي دمشق، يوم الأربعاء 21 أغسطس/آب 2013، وراح ضحيتها المئات من سكان المنطقة بسبب استنشاقهم لغاز السارين السام أثناء هجوم مسلح.

السارين هو سائل صافٍ عديم اللون، لا طعم له ولا رائحة في شكله النقي، لذلك سيدخل جسدك دون أن تدري، ويمكن تحويله إلى الشكل الغازي، وهو أكثر عوامل الأعصاب قدرة على التطاير. الملاحظة الأولى والأهم لهذا الهجوم، الذي تصدَّر الأخبار وقتها، أن الكثيرين من القتلى في الصور كانوا من الأطفال.

أضف إلى ذلك سببا آخر مهما، وهو أن الأسلحة الكيميائية هي ببساطة طريقة بشعة للموت، يمكن أن تفهم ذلك من الأعراض السابق ذكرها، وخاصة عندما نتحدَّث عن العوامل الخانقة والحارقة. في دراسة(5) صدرت من جامعة كامبريدج شملت 383 هجوما كيميائيا حول العالم من عام 1970 إلى عام 2016، تبيَّن أن أكثر طرق التعرُّض شيوعا هي العوامل التي تهيج الغشاء المخاطي الجلدي، إضافة إلى الاستنشاق.

استُخدمت العوامل الكاوية خاصة في الجزء الأكبر من الهجمات حول العالم (25%)، لكن الملاحظ أنه بعد عام 2001 زاد استخدام عوامل الاختناق (الكلور) من 7% إلى 48.1%، والعوامل المنفّطة (الخردل) من 2.3% إلى 6.2% على التوالي، خردل الكبريت تحديدا يتسبَّب في ظهور تقرحات في الجلد والأغشية المخاطية بمجرد ملامستها.

مشكلة مثل هذه العوامل أنها، إذا أُطلقت في الهواء بخارا أو إذا أُطلقت في الماء، يمكن أن تُحمَل مع الرياح أو المياه إلى مسافات طويلة، كذلك يمكن أن تستمر من يوم إلى يومين في البيئة التي أُطلقت بها، في ظل ظروف مناخية متوسطة، ومن أسابيع إلى شهور في ظل ظروف شديدة البرودة.

ما الذي حدث في خمسين عاما؟

لكن لا شك أن الملمح الأهم في هذه الدراسة كان إبرازها أن عدد الهجمات الكيماوية ارتفع من 6 سنويا بين عامَيْ 1970-2011 إلى 24.9 سنويا بين عامَيْ 2011-2017، في إشارة إلى أنه رغم كل الاتفاقيات الدولية حول استخدام السلاح الكيماوي، فإن أحدا لا يهتم، وحينما يوضع قائد ما تحت ضغط فإنه يفكر فورا في استخدام الكيماوي، بغض النظر عن أي شيء. كما تلاحظ، فإن ارتفاع المعدلات العالمية لاستخدام الأسلحة الكيماوية جاء بالتزامن مع بدء الصراع في سوريا. في الواقع، رصدت بعض التقارير أكثر من 300 هجوم كيماوي في سوريا خلال الحرب.

تضمَّنت الهجمات الأكثر دموية في سوريا هجوم غاز السارين في الغوطة، وهجوما آخر تضمَّن الغاز نفسه في إبريل/نيسان عام 2017 في خان شيخون (قتل 89 شخصا على الأقل). العامل الأكثر شيوعا في الحرب السورية، على الرغم من ذلك، كان الكلور (حيث وجدت إحدى الدراسات أنه استُخدم في 91.5% من الهجمات داخل سوريا). ما يقرب من نصف الهجمات بين عامَيْ 2014-2018 شهدت إطلاق الأسلحة الكيماوية عبر الطائرات، وأقل من ربعها أُطلقت عبر ضربات أرضية.

تُسبِّب جميع عوامل الأعصاب مثل السارين(6) آثارها السامة عن طريق منع التشغيل السليم للإنزيمات التي تعمل بمنزلة “مفتاح إيقاف” للغدد والعضلات، بالتالي تُحفَّز باستمرار، وفي النهاية تُرهق وتتوقف عن العمل.

تبدأ أعراض تسمم السارين بدموع غزيرة، مع ألم واضح ورؤية مشوَّشة، إلى جانب سيلان اللعاب والتعرق المفرط والسعال وضيق الصدر والتنفس السريع والإسهال والغثيان والقيء مع آلام في البطن وزيادة التبول والارتباك والنعاس والصداع، إلى جانب ذلك يرتفع معدل ضربات القلب ويضطرب ضغط الدم. لكن مع الجرعات الكبيرة من السارين، يفقد الشخص الوعي، وقد تظهر تشنجات وشلل، إلى جانب فشل الجهاز التنفسي، ثم الوفاة.

أما الكلور، كسلاح كيماوي(7)، فربما يكون الأقرب إلى إدراكنا، لأن الغالبية العظمى منّا تعرف رائحته، وربما تعرَّض البعض لتركيز مرتفع من الكلور في حادث منزلي ما، يتسبَّب الكلور في ألم حارق واحمرار وبثور على الجلد، مع شعور بحرقة في الأنف والحلق والعينين، وسعال ساحق، وضيق شديد في الصدر، وصعوبة في التنفس، ثم تتراكم السوائل في الرئتين، ومع استمرار التعرُّض فإن الوفاة هي النتيجة التالية، بسبب متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (ARDS)، إنها أيضا ما يقتل مرضى “كوفيد-19” في الحالات الحرجة.

 

اليوم، تعود المأساة السورية للواجهة، يتذكَّرها العالم مُجبرا لأن أوكرانيا قد تكون مُعرَّضة لمأساة شبيهة، بل ربما أكثر قسوة، فهل من تحرُّك يوقف الكارثة قبل فوات الأوان؟

____________________________________________________________

مصادر:

1- Chemical weapons: NATO to provide Ukraine with equipment to counter Russian threat

2- ‘Clear sign’ Putin is weighing up use of chemical weapons in Ukraine, says Biden

3- اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية

4- Why Are Chemical Weapon Attacks Different?

5- Five Decades of Global Chemical Terror Attacks: Data Analysis to Inform Training and Preparedness

6- Facts About Sarin

7- Choking agents and chlorine gas – History, pathophysiology, clinical effects and treatment

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.