أبو الحسن علي بن سعد، أمير وزعيم أندلسي ومن آخر حكام مملكة غرناطة المسلمة في شبه الجزيرة الإيبيرية. رغم الاستقرار وتحقيق بعض الانتصارات في بداية حكمه فقد أدت النزاعات الداخلية في بلاطه إلى تقويض أركان المملكة والتمهيد لسقوطها النهائي في أيدي ملوك قشتالة، وهو ما رسم نهاية آخر سلطنة مسلمة في الأندلس.

المولد والنشأة

وُلد أبو الحسن علي بن سعد بن علي بن يوسف الخزرجي المعروف بـ “الغالب بالله” و”مولاي إسماعيل” و”مولاي الحسن” (في الأرشيف الإسباني) في غرناطة قبل عام 840هـ (أي بين عامي 1436 و1437 ميلادية)، ونشأ فيها في كنف أميرها والده سعد.

كان هو الأكبر بين 3 إخوة، يليه أخوه محمد المعروف بـ”الزغل” (تولى السلطة لأكثر من فترة)، ثم أخوه يوسف.

تميّز أبو الحسن بالنشاط والحيوية، كما وُصف بالشجاعة والإقدام والاهتمام بالعلم وتشجيع العلماء ومنح الجوائز الكبيرة للشعراء.

تزوج من ابنة عمه عائشة الحرة، كريمة عمه السلطان محمد التاسع أبي عبد الله الأيسر. وقد أنجبت له 3 أبناء، هم محمد، الذي عرف بأبي عبد الله محمد الثاني عشر “الصغير”، وكان آخر أمراء غرناطة، ويوسف وأخ ثالث توفي في أحد الأوبئة، إضافة إلى أخت وحيدة.

وقد أنجب أبو الحسن كذلك ابنين هما سعد ونصر من سيدة عُرفت في المصادر العربية باسم ثُرية، وهي أسيرة رومية اعتنقت الإسلام. وقد كان لما اعتُبر ميله إليها وإلى ابنيه منها دور معتبر في إذكاء التوتر الداخلي في البلاط.

وقد عادت ثرية إلى ديانتها المسيحية بعد سقوط غرناطة، حيث عُرفت في المصادر الإسبانية باسم “إيزابيلا دي غرانادا” و”إيزابيلا دي سوليس”، وكذلك تنصر ابناها من أبي الحسن وعُمدا وعُرفا باسمين مسيحيين هما فرناندو وخوان.

دولة بني نصر حكمت جنوب الأندلس قرنين ونصف وأسقطتها النزاعات الداخلية وزحف الممالك المسيحية (إلريتوهيستوريكو)

الأدوار العسكرية والسياسية

يرجع أول ظهور لأبي الحسن على المسرح السياسي والعسكري إلى مشاركته مع والده سعد بن علي في المناورات التي باشرها لاستعادة العرش بعد عزله عن الحكم عام 1455.

وضمن هذا السياق، كان على أبي الحسن أن يقيم في بلاط ملك قشتالة إنريكي الرابع مبعوثا شخصيا لوالده سعد، وضامنا لإثبات إخلاصه في التحالف الذي بموجبه تلقّى دعم قشتالة لاستعادة عرش غرناطة.

وكان الأمير الشاب مصحوبا في هذه الإقامة بوزير أبيه وشخصيات بارزة من الموالين له داخل البلاط النصري في غرناطة، إضافة إلى نحو 150 من الفرسان الغرناطيين.

اضطلع أبو الحسن بشكل خاص بمهمات الترجمة والمفاوضات والتنسيق بين والده وحليفه ملك قشتالة، حيث كان أبو الحسن يجيد اللغة القشتالية، كما شارك في المجهود الحربي إلى جانب والده.

استقر أبو الحسن مع والده بعد أن استعاد عرشه، وكان واليا له على ألمرية جنوب شرق الأندلس، كما بعثه إلى جبال البُشرّات حيث كان يتحصّن غريمه محمد الأحنف. ونجح أبو الحسن في القبض عليه وإحضاره مع ابنيه إلى غرناطة حيث كان مصيرهم الإعدام في ساحة الأسود.

في سدة الحكم

في مارس/آذار 1458 كان أبو الحسن يتولى حكم ألمرية، كما بدأ على الأقل منذ 863 هـ (1459م) مباشرة بعض مهمات الحكم المركزي في غرناطة، حيث يظهر اسمه في بعض الوثائق بلقب “الغالب بالله”، بينما كان لا يزال رسميا وليا للعهد، وكان والده في عمر متقدم.

وكان من أنشطته في هذه المرحلة شن حملات للرد على هجمات القشتاليين، إحداها في 11 أبريل/نيسان 1462 باتجاه نواحي إشبيلية جنوب الأندلس، وكُلّلت الحملة بنجاح نسبي، إذ أثخن في القشتاليين وغنم الكثير من الماشية لكنه هُزم في عودته، ووقع بعدها هدنة مدتها 8 أشهر مع إنريكي الرابع.

بعد سنوات من ممارسة الحكم الفعلي، صعد أبو الحسن إلى سدة الحكم في منتصف محرم 869هـ (سبتمبر/أيلول 1464م)، وذلك بعد عزل والده سعد بتشجيع من القبيلة الغرناطية بني سراج، وأخرج والده من الحمراء وألجأه إلى مالقة في الجنوب.

وأمام استغلال ملك قشتالة إنريكي الرابع للأزمة الداخلية واستعداده لشن هجوم على غرناطة، تراجع أبو الحسن عن انقلابه وأعاد إلى والده ألقاب العرش.

ولم يستمر هذا الوضع إلا بضعة شهور، إذ توفي والده نهاية 869 هجرية (أغسطس/آب 1465)، ومن ثم بدأ الحكم الفعلي لأبي الحسن علي بن سعد.

في مواجهة النخبة

رغم أنه لم يكن غريبا على مناورات البلاط، حيث كان ولي عهد وحاكما بالفعل، فقد برزت أولى التحديات التي اعترضت أبا الحسن في الاستقلال بتدبير الملك الذي ورثه.

كان والده سعد واقعا تحت سيطرة النخبة الغرناطية و”محجورا للقواد” وفق عبارة المؤلف المجهول لكتاب “نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر”، الذي كتب في آخر أيام غرناطة.

وواجه أبو الحسن اضطرابات وثورات داخلية مع مقاومة أعيان غرناطة توجهه نحو الاستقلال عنهم. فقد دعوا لأخيه الأصغر محمد بن سعد “الزغل” في مالقة، لكن دهاء أبي الحسن قاده إلى تعبئة العامة الذين وعدهم بـ”إصلاح الشأن وإظهار الأحكام وإقامة الشريعة”.

وأمام هذه الإستراتيجية التي أثبتت فعاليتها، مالت العامة إليه وضيق الخناق على خصومه، لا سيما بعد أن دخل أخوه “الزغل” في طاعته، وانتهت هذه الثورة بحصاره المتمردين في مالقة ونجاحه في التخلص من قادتهم.

قمة “مولاي الحسن” قرب غرناطة التي تزعم بعض الروايات أنه دُفن فيها (غيتي)

فترة من الهدوء

بعد هذه التطورات “هابته النصارى وصالحته وكثر الخير وانبسطت الأرزاق، ودانت له جميع بلاد الأندلس ولم يبق له فيها معاند”، كما يروي صاحب كتاب “النبذة”.

والمقصود بالأندلس في هذا السياق “الأندلس الصغرى”، أو الجيب المسلم المتبقي في أقصى جنوب الأندلس التاريخية كغرناطة والحواضر الداخلة في أعمالها، ومنها ألمرية ومالقة ورُندة وبسطة، إضافة إلى الحصون والقرى في المنطقة، حيث كان أغلب شبه الجزيرة الإيبيرية حينها قد انتقل إلى حكم الممالك المسيحية.

تزامن صعود أبي الحسن إلى العرش رسميا مع مصاعب داخلية واجهها القشتاليون، حيث واجه إنريكي الرابع تمردا من النبلاء، ثم اشتعلت الحرب على خلافته بين ابنته خوانا زوجة ملك البرتغال ألفونسو الخامس، وبين أخته غير الشقيقة إيزابيلا زوجة ملك أراغون فرناندو الثاني.

ودفع هذا الوضع القشتاليين إلى أن يكونوا هم من يطلبون الهدنة تلو الهدنة، مما أتاح لأبي الحسن وضعا أفضل مكّنه من تجنب دفع الجزية، وأثمر ذلك هدوءا نسبيا بين الطرفين.

هيبة ورخاء البدايات لم يستمرا كثيرا ولم يستثمر أبو الحسن الفرص التي أتاحها وضع قشتالة، بل ما لبث أن مال إلى الملاهي والدعة والراحة، مهملا خطط الدولة ومتجاهلا حاجات الجند والفرسان وكان لذلك تداعياته.

فقد “أضاع الأجناد وأسند الأمر إلى بعض وزرائه واحتجب عن الناس ورفض الجهاد والنظر في الملك”، كما أنه “قتل كبار القواد وهو يظن أن النصارى لا يغزون بعدُ البلاد، ولا تنقضي بينهم الفتنة ولا ينقطع الفساد”، كما يرى أحمد المقري التلمساني في كتاب “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب”.

وجاءت حادثة السيل العظيم بغرناطة في محرم 883هـ (أبريل/نيسان 1478م)، الذي تزامن مع استعراضات عسكرية كبيرة نظمها أبو الحسن، لتلقي الرهبة في صفوف العامة التي رأت فيها “غضبا إلهيا على فساد الحاكمين وتخاذلهم”.

وعلى المستوى الداخلي، زادت الضرائب وضيّق أبو الحسن أبواب الأعطيات وصادر بعض أملاك خصومه وساءت الأحوال الاقتصادية، وأسهم ذلك في ضعضعة أركان حكمه في سياق من التحديات الخارجية المحيطة بآخر الجيوب المسلمة في الأندلس.

ثم ضاعف المصاعبَ استئناف تحرشات وهجمات القشتاليين على الحصون والمدن المسلمة، بعد انقضاء الهدن التي أملتها الظروف الداخلية في قشتالة وأراغون وحربهما مع البرتغال.

لوحة “تسليم غرناطة” لفرانثيسكو براديا إي أورتيث (ويكيميديا)

تجدد الهجمات القشتالية

وابتداء من عام 1479 (الموافق 882 و883 ميلادية) كانت إيزابيلا الكاثوليكية، التي قهرت غريمتها خوانا واعتلت دون منازع عرش أخيها إنريكي الرابع على قشتالة، قد تفرغت إلى جانب زوجها ملك أراغون فرناندو لإنهاء بقية الوجود الإسلامي في الأندلس.

كانت إسبانيا تشهد حينذاك بواكير انبعاثها قوة عالمية بعد توحد مملكتي قشتالة وأراغون وتجاوز مشكلات داخلية وتطور قدراتها العسكرية، مع إدخال سلاح المدفعية وتقاطر متطوعين أوروبيين للمشاركة بدافع ديني في المرحلة النهائية مما سُمي “حروب الاسترداد”.

أراد الملوك الكاثوليك استئناف فرض الجزية على مملكة غرناطة، فرفض أبو الحسن الشروط الجديدة واستبق هجومهم المتوقع بغارة شعواء على مدينة الزهراء في 27 ديسمبر/كانون الأول 1481م (شوال 886هـ).

وفي محرم 887هـ (فبراير/ شباط 1482) مثّل احتلال القشتاليين مدينة الحُمَّة الإستراتيجية وإعمال القتل والسبي والحرق فيها ضربة موجعة لغرناطة وحدثا ذا أهمية، فإضافة إلى تحصينها الشديد كان من شأن السيطرة عليها تهديد الطريق بين غرناطة ومالقة ورندة.

وفشلت 3 محاولات لأبي الحسن لحصار العدو في الحُمة واستنقاذها من براثنه، وسرت الشائعات بين العامة عن تخاذله هو ووزيره، وسعيهما خفية لامتصاص حماس المقاتلين وإنهاء الحرب.

وضمن هذه الهجمات جاء هجوم قشتالة في 27 جمادى الأولى 887 هـ (يوليو/تموز 1482م) على لوشة، في ضواحي مالقة، لكن حماتها تمكنوا من رد العدو وغنموا العديد من الأسلحة والآلات الحربية.

وكان لأبي الحسن دور في صد الهجوم بعد أن أرسل تعزيزات من غرناطة وانتهت الواقعة بهزيمة القوات القشتالية.

وسيكون عام 887هـ عاما مفصليا في حكم أبي الحسن، بل وفي تاريخ دولة بني الأحمر والوجود الإسلامي في الأندلس، حيث انفجرت الخلافات داخل بيت الإمارة بين أبي الحسن ونجليه من بنت عمه عائشة الحرة، وهو صراع غذته الغيرة بينها وبين زوجته الرومية ثرية.

فقد غادر نجلا الأمير خفية إلى وادي آش حيث تلقيا البيعة فيها ثم في غرناطة فاشتعلت نار الفتنة “ووقعت حروب وكوائن أعرضنا عن ذكرها لقبحها” وفق عبارة مؤلف نبذة العصر.

ضربة قاصمة

انحاز أبو الحسن رفقة أخيه محمد “الزغل” إلى مالقة، بعد أن استولى ابنه أبو عبد الله على غرناطة بدعم من أخيه يوسف وأمه عائشة الحرة وقبيلة بني سراج (التي دعمته ضد أبيه في البداية) وأطياف من النخبة الغرناطية.

لكن دولة بني نصر بمختلف طوائفها المتناحرة تلقت ضربة قاصمة في ربيع الأول من عام 888 هـ (أبريل/ نيسان 1483) مع أسر الأمير أبي عبد الله محمد بن علي (نجل أبي الحسن وغريمه) الذي شن هجوما جريئا داخل الأراضي القشتالية، في خطوة فُسّرت بسعيه لتحقيق نصر في إطار التنافس مع أبيه أبي الحسن وعمه محمد “الزغل”.

وقد أولى القشتاليون عناية فائقة للأمير بعد التعرف على هويته ولم يدّخروا حيلة في استغلال وجوده في الأسر، للتلاعب بالأوضاع الداخلية في غرناطة وتوجيهها لصالحهم.

ومع أسر الأمير محمد استعاد والده أبو الحسن تاج غرناطة لكن في جو شديد التقلب، وسرعان ما عزله أخوه محمد “الزغل” ونفاه خارج غرناطة وتولى الحكم مكانه في الثالث من جمادى الآخرة 890هـ (يونيو/حزيران 1485م)، وذلك بينما كانت قشتالة تتفاوض مع أنصار الأمير محمد الصغير للإفراج عنه بشروط مجحفة للنفخ في نار الخلافات من جديد.

في هذه الأثناء، كان أبو الحسن قد تناوشته الأمراض وأصيب في بصره ويعاني نوبات من الصرع. وبعد عزله استمر تردي الدولة النصرية وصراع نخبتها، بينما واصل القشتاليون القضم التدريجي للحصون والثغور والمدن واللعب على الخلافات الداخلية.

استمر حكم أبي الحسن زهاء عقدين (1464م إلى 1482م ثم 1483م إلى 1485م) تضمنا فترة طويلة نسبيا من السلم ناهزت 16 عاما وأتاحت مرحلة “ازدهار أخير وعابر” للأندلس النصرية، وفق تقييم المؤرخ الإسباني فرانشيسكو بيدال كاسترو.

لكن سياساته، التي تقلبت بين النشاط العسكري والسياسي ثم تضييع الفرص والتفريط في المكاسب، لم يكن من شأنها أن تغير مسار انحدار “الأندلس الصغرى” في اتجاه الزوال، حيث سينتهي الأمر بعد نحو 7 سنوات من عزله ووفاته إلى سقوط غرناطة نهائيا في أيدي القشتاليين في الثاني من ربيع الأول 897هـ (2 يناير/ كانون الثاني 1492م).

وفاة أبي الحسن علي بن سعد

عاش أبو الحسن آخر أيامه منفيا ومريضا في بلدة المُنكَّب على شاطئ المتوسط جنوب غرناطة مع زوجه ثرية وابنيهما سعد ونصر، بعد عزله من السلطة. وقد توفي بعد أشهر معدودة من الإقامة في المنكَّب في حدود سبتمبر/أيلول 1485م.

نُقل جثمانه إلى غرناطة حيث تولى دفنه دون مراسم اثنان من الأسرى النصارى في مقبرة بني نصر في حدائق قصر الحمراء. وبعد نحو 7 سنوات استخرج ابنه محمد، آخر أمراء غرناطة، بقايا الجثمان ونقلها مع رفات أسلاف بني نصر عند خروجه من غرناطة بعد تسليمها، لتدفن في حصن مندوجر بوادي الإقليم إلى الجنوب من غرناطة.

وتزعم إحدى الروايات الشعبية في إسبانيا أن أبا الحسن أوصى بأن يدفن في أقرب مكان ممكن إلى السماء وإلى غرناطة. وتحمل اسمه أعلى قمة بارتفاع 3478 مترا في شبه الجزيرة الإيبيرية جنوب شرقي غرناطة، غير أنه لم يعثر على أي دليل يشير إلى دفنه على هذه القمة.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.