القاهرة- في لهفةٍ دلَف الموظف المصري الشاب “أحمد العبسي” إلى المصعد وضغط على زر الطابق الخامس، ممنيا نفسه بجلسة مريحة تحت هواء المكيف البارد في منزله، بعد يوم مرهق في العمل، زاد صعوبته لهيب الموجة الصيفية التي تخيم على البلاد.

أخذ العبسي يراقب تغير أرقام الطوابق على لوحة المصعد، الذي تجاوز الطابق الثالث، وفجأة يخيم الصمت والظلام على المكان، لقد حدث ما كان يخشاه وانقطع التيار الكهربائي.

لحظات ثقيلة خانقة مرت على الشاب وهو يحاول السيطرة على أعصابه، تتسارع أنفاسه ويسمع دقات قلبه بوضوح، بينما يغمر العرق جسده، وازداد توتره حين أدرك أنه قد يظل حبيسا في المصعد لمدة ساعة على الأقل، وهي الفترة التي ينقطع فيها التيار الكهربائي ضمن خطة حكومية لتخفيف الأحمال لمواجهة الموجة الحارة التي عاشتها مصر ودول أخرى خلال الأسبوعين الماضيين.

10 دقائق مرت على الشاب داخل المصعد المغلق وكأنها 10 سنوات كما يصف في حديثه لمراسل الجزيرة نت، مضيفا أنه حاول مواجهة الموقف العصيب بقراءة ما يحفظ من القرآن، حتى سمع صوت أقدام أحد الجيران يصعد على الدرج، ليستغيث به ويساعده الرجل على الخروج، وهو لا يصدق أنه تجاوز هذه المحنة المفاجأة.

أوقات عصيبة

الواقعة التي عاشها الشاب المصري واحدة من قصص معاناة متكررة عاشها المصريون خلال الأيام الماضية نتيجة الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، تزامنا مع موجة شديدة الحرارة تعرضت لها البلاد، لتزيد الصيف لهيبا.

أعراس تحولت فرحتها إلى حزن نتيجة انقطاع الكهرباء لتستكمل “ليلة العمر” على أضواء الهواتف المحمولة، وأجهزة كهربائية تعرضت للتلف نتيجة الانقطاع المتكرر للتيار وعودته المفاجأة، فضلا عن معاناة سكان الأبراج السكنية العالية الذين لا يستطيعون صعود أو نزول 10 أو 15 طابقا على الأقل على أقدامهم، بجانب معاناة الجميع مع الحرارة الشديدة وعدم إمكانية تشغيل أجهزة التبريد.

وبدأت الحكومة منذ أسبوعين خطة غير معلنة التفاصيل لقطع الكهرباء بشكل متكرر في أنحاء البلاد، لمدة ساعة على الأقل في المرة الواحدة، بهدف تخفيف الأحمال عن شبكة الكهرباء في البلاد بسبب الطقس الحار غير المسبوق، وفقا لتصريحات رئيس الوزراء والمسؤولين.

واستثنت الخطة الحكومية المناطق الساحلية من جدول قطع الكهرباء لعدم التأثير على الحركة السياحية.

ودعت الشركة القابضة لكهرباء مصر المواطنين الأسبوع الماضي إلى تجنب استخدام المصاعد الكهربائية قبل وبعد بداية كل ساعة بـ10 دقائق خشية انقطاع الكهرباء في هذه الفترة، بدون تحديد ساعة بعينها، وهو ما أثار موجة من السخرية والجدل.

أجهزة محترقة

وأدى عدم إعلان ساعات محددة إلى العديد من المواقف العصيبة للمصريين، كما حدث للعبسي.

وكانت المعاناة الأكبر مع تلف الأجهزة الكهربائية، ورغم عمله كفني كهربائي لم يسلم “طارق محمود” من أضرار انقطاع التيار الكهربائي، حيث تعرضت 3 مبردات في منزله ومنزل أخيه للتلف.

ويتساءل محمود في حديثه للجزيرة نت “من يعوضنا عن هذه الخسائر، ولا سيما في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار الأجهزة الكهربائية المنزلية؟”.

ومع تكرار شكاوى المواطنين من تلف الأجهزة الكهربائية، نصح المسؤولون المواطنين بفصل مصدر التيار الكهربائي الرئيسي في المنزل عند انقطاع التيار، وانتظار مدة زمنية بعد عودته للتأكد من استقرار التيار الكهربائي، للحفاظ على أجهزتهم.

فرحة مكسورة

استعدت العروس نيفين عبده لحفل زفافها، ودعت الأهل والأصدقاء والمعارف لمشاركتها فرحة العمر في إحدى قاعات الأفراح المعروفة بمحافظة القاهرة، لكن انقطاع التيار الكهربائي حال دون اكتمال فرحتها.

لم تمض دقائق على بدء مراسم حفل الزفاف حتى انقطع التيار الكهربائي، وأظلمت القاعة إلا من أضواء كاميرات التصوير، واستمر غياب التيار الكهربائي لأكثر من ساعة ونصف.

انكسرت فرحة العروس وتحولت ضحكاتها إلى دموع تبلل خديها، وهي تشاهد المدعوين يغادرون القاعة التي خلت إلا من الأهل وبعض الأصدقاء الذين حاولوا استكمال الحفل على أضواء الهواتف المحمولة.

وتنصل منظمو الحفل ومالكو القاعة من المسؤولية رغم تلف مولد الكهرباء الاحتياطي الموجود بالقاعة، وحين هددتهم العروس باللجوء إلى السوشيال ميديا ألقوا باللائمة على خطة الدولة لتخفيف الأحمال.

وبلهجة حزينة تقول العروس للجزيرة نت إن أصحاب القاعة كسروا فرحتها وحاولوا لاحقا تشويه صورتها وادعاء أن ما نشرته على السوشيال ميديا هو محاولة ابتزاز، مشيرة إلى أنها لم تكتف بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي وإنما لجأت إلى تحرير محضر في قسم الشرطة للحصول على حقها.

مشاريع عملاقة ولكن

والأسبوع الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن حكومته ستعلن خطة جديدة “للتعامل مع أزمة الاستهلاك المتزايد للكهرباء”.

واستنكر مدبولي غضب المصريين من انقطاع التيار الكهربائي لمدة 3 ساعات فقط، قائلا إنه لولا المشروعات التي نفذتها الدولة لكانت الكهرباء تعمل لمدة 3 ساعات فقط يوميا.

ونفذت مصر خلال السنوات الماضية عددا من المشروعات لتطوير قطاع الكهرباء، وكان أبرزها التعاقد مع شركة “سينمز” الألمانية لبناء 3 محطات كهرباء عملاقة باستثمارات بلغت حوالي 7 مليارات دولار.

وصرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 13 فبراير/شباط الماضي -خلال القمة العالمية للحكومات في دبي- أن مصر أنفقت على قطاع الكهرباء 1.7 تريليون جنيه (الدولار حوالي 31 جنيها بالسعر الرسمي).

وزادت قدرة شبكة الكهرباء إلى نحو 60 ألف ميغاوات لتغطي قرابة ضعف الحمل الأقصى للاستهلاك، ووصل الفائض بين الإنتاج والاستهلاك إلى نحو 26 ألف ميغاوات عام 2021-2022.

وفي مارس/آذار الماضي صرح وزير الكهرباء المصري محمد شاكر أن “زمن تخفيف الأحمال لن يتكرر في مصر مهما بلغت الأحمال على الشبكة القومية للكهرباء سواء خلال أشهر الصيف أو الشتاء”، وهو ما لم يحدث خلال الأيام الماضية.

خطة جديدة

وأعلنت الحكومة قبل أيام الخطة الجديدة، والتي تشمل تخفيف الأحمال يوميا من ساعة إلى ساعتين بالتناوب بين مناطق الجمهورية المختلفة، ونشرت جدولا بالمواعيد الجديدة لقطع التيار الكهربائي في كل منطقة بدءا من أمس الثلاثاء الأول من أغسطس/آب وحتى سبتمبر/أيلول المقبل.

وأرجع البعض لجوء الحكومة إلى قطع التيار الكهربائي إلى تخفيض حصص الغاز الطبيعي المخصصة لمحطات توليد الكهرباء، وتصديرها للخارج كمصدر للعملة الصعبة في ظل أزمة توفير الدولار التي تعاني منها مصر منذ شهور.

وقفزت صادرات مصر من الغاز الطبيعي بشكل غير مسبوق خلال عامي 2021 و2022 وتجاوزت 8 مليارات دولار.

ورغم تصريحات مسؤولين حكوميين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بتوقف تصدير الغاز بشكل كامل خلال أشهر الصيف، تظهر بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي أن مصر لم تتوقف خلال الأعوام الماضية عن تصدير الغاز خلال أشهر الصيف الحارة (يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول).

ووفق صفحة التحقق من المعلومات “صحيح مصر” على فيسبوك، جمعت مصر نحو 2.68 مليار دولار من تصدير الغاز المسال خلال أشهر الصيف الثلاثة ما بين عامي 2019 و2022.

وقررت الحكومة استيراد شحنات إضافية من المازوت بقيم تتراوح بين 250 و300 مليون دولار بديلا للغاز لتشغيل محطات الكهرباء.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.