القدس المحتلة- منذ بدء معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري اعتقل الاحتلال أكثر من 200 فلسطيني من مدينة القدس المحتلة، واتهم معظمهم بالتحريض والتضامن على مواقع التواصل الاجتماعي، أفرج عن بعضهم بشروط مقيدة، وآخرون حوّلوا إلى الاعتقال الإداري أو قدمت ضدهم لوائح اتهام.

وخلال 16 يوما تجاوزت أعداد المعتقلين حصيلة أشهر سابقة في القدس، في وتيرة غير مسبوقة منذ سنوات، حيث اعتقل 156 مقدسيا في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، و130 في أغسطس/آب، و150 في يوليو/تموز، علما أن تلك الأشهر شهدت تصعيدا إسرائيليا بسبب الأعياد اليهودية.

وفي التاسع من الشهر الجاري، اقتحمت قوات الاحتلال منزل المعلمة المقدسية المبعدة عن المسجد الأقصى هنادي الحلواني، واعتدت على زوجها وأبنائها، وعاثت خرابا في منزلها، وفتشت حفيدتها الرضيعة (أسبوعان) بعد تعريتها.

كما فتشت مركبة الأسيرة تفتيشا دقيقا، لتخضع بعد ذلك لتحقيق متواصل، وتُزج في سجن الدامون شمالي فلسطين، وتتعرض للاعتداء الجسدي واللفظي، وذلك بتهمة التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي.

تحقيق على المنشورات

حُقق مع الحلواني حول منشورات نشرتها بعد السابع من أكتوبر، مثل “اللهم بردا وسلاما على أهلنا في غزة”، “كونوا على وضوء فالصلاة في القدس باتت قريبة جدا”، والآية القرآنية “فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا”، وما زالت محكمة الاحتلال تمدد اعتقالها.

وفي الـ13 من الشهر الجاري اقتحمت قوات الاحتلال منزل معلمة مقدسية أخرى هي شيماء هندي وهي أم لطفل، واعتقلتها وسط صراخ شديد وتهديد أشقائها بالقتل، وما زالت حتى اليوم معتقلة بشبهة التحريض والتضامن.

ومثلهما المحامية المقدسية أصالة أبوخضير التي اعتقلت في الـ 16 من الشهر الجاري لمدة 3 أيام، بعد إعاثة الخراب في منزلها واستدعائها للتحقيق وتجميد رخصة مزاولة مهنة المحاماة التي تحملها.

يقول رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبوعصب للجزيرة نت إن الاعتقالات على خلفية “التحريض” في مواقع التواصل طالت قاصرين وفتيات وأمهات وشبانا، كما تعاملت قوات الاحتلال أثناء الاعتقال “بقبضة من حديد وكثير من الضرب والتنكيل وإسالة الدماء، وتعمدت تحطيم أثاث البيوت والمركبات، حتى إن بعض المعتقلين توجهوا إلى المستشفى للعلاج بعد الإفراج عنهم”.

وصل الأمر بالاحتلال إلى فصل طلبة مقدسيين من جامعاتهم أو وظائفهم بسبب منشورات على مواقع التواصل، أو وضع إعجاب على منشورات يصنفها الاحتلال بأنها تحريضية، كما أغلق محل تجاري في القدس واعتقل اثنان من العاملين فيه بشبهة تمجيد معركة طوفان الأقصى أمام الزبائن.

تفتيش الهواتف

وطوال الأيام الماضية عمدت قوات الاحتلال إلى نصب حواجز طيّارة في أحياء القدس والبلدة القديمة، وتوقيف الشبان عشوائيا، أو اقتحام متاجرهم، وإجبارهم على فتح هواتفهم، أو فتحها قسرا بواسطة بصمة الوجه، ثم تفتيشها بدقة وضرب صاحبها واعتقاله إن وجد في هاتفه صور تتعلق بمعركة طوفان الأقصى، كما قام جنود بنشر عبارات مؤيدة للاحتلال على حسابات بعض الشبان بعد العبث في هواتفهم، وفق إفادات متداولة على شبكات التواصل اطلعت عليها الجزيرة نت.

وكانت شرطة الاحتلال نشرت على حسابها الرسمي في فيسبوك قائلة إنها تعمل ليلا ونهارا على رصد من تصفهم بـ”المحرضين” على وسائل التواصل الاجتماعي، وأحدثهم مساعِدة بروضة أطفال من قرية صور باهر، وطباخ وأئمة من القدس، وطالبة في إحدى الكليات، وعشرات الشبان الآخرين.

فيما قال المفوض العام للشرطة (كوبي شبتاي) في تسجيل مصور “من يرغب بالتضامن وتأييد غزة فهو مدعو الآن للصعود إلى الحافلات المتجهة إلى هناك، نحن في حالة حرب ولن نتسامح أبدا مع أي حادث، ولا يوجد تصريح للقيام بالاحتجاجات، كل من يتم توقيفه سنفعّل كل المكاتب الحكومية ضده كما نفعل مع المجرمين”.

من جهته يقول المحامي المختص في شؤون القدس خالد زبارقة للجزيرة نت إن أغلب التهم الموجهة للمعتقلين هي “التعاطف مع الإرهاب”، ولا يستثنى من ذلك التعاطف مع المدنيين في غزة، حيث اعتقل البعض بتهمة نشر عبارات مثل “حسبنا الله ونعم الوكيل”، و”لا إله إلا الله”.

ويؤكد زبارقة أن هناك اقتراحا إسرائيليا لتعديل قانون يجيز للشرطة اعتقال أي فلسطيني يشاهد بشكل ممنهج المضامين التي تصنف بأنها “تحريضية”.

ويضيف زبارقة “هذه ملاحقة ليس لها مثيل، ومحاولة لليّ أعناق النصوص، وأغلب الملفات في المحاكم اليوم تحاسب عن آراء المعتقلين لا أفعالهم، هناك اعتقالات بسبب وضع لايك على منشورات تعتبر في تصنيفهم تحريضية، بالرغم من معاكسة هذا الأمر لتعليمات النيابة العامة الإسرائيلية”.

وأضاف “هذه الملاحقة غير قانونية حسب القانون الإسرائيلي، لكن الأحداث أثبتت لنا أن القانون في واد والتطبيق في واد آخر، كما نلمس في الآونة الأخيرة وجود ضباط شرطة وعناصر مخابرات وقضاة يتبنون أفكار الجماعات اليهودية المتطرفة”.

 

تجاهل المستوطنين المحرضين

وبينما يلاحق مئات المقدسيين على مساندتهم لأهالي قطاع غزة الذين يتعرضون لإبادة جماعية، يتجاهل الاحتلال وأجهزته آلاف المستوطنين الذي يحرضون على قتل الفلسطينيين عموما والمقدسيين خصوصا بشكل علني بل وتقوم بتسليحهم.

ومؤخرا أنشئت قناة على تطبيق تليغرام تدعى “صيادو النازيين” تنشر صورا وبيانات شخصيات فلسطينية ومقدسية وتحرض على قتلهم، وعلى رأسهم خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري.

يفسر المحامي زبارقة تلك الملاحقات بأنها جزء من مخطط إسرائيلي لتمرير مفهوم يهودية الدولة والسيطرة على الرواية بشكل مطلق، ومن يخالف روايته يعتبر هدفا شرعيا للملاحقة الأمنية. إلى جانب السعي  لكبت التعاطف الفلسطيني، ونشر الذعر والشعور بالملاحقة، لخلق وعي فلسطيني متهالك يلهث خلف سلامته الشخصية فقط.

وختم قائلا “الملاحقة الفكرية والسياسية للشبان الفلسطينيين ربما تجعلهم يتراجعون عن النشر، ولكنها لا تغير من قناعاتهم”.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.