رغم الحداثة الطافية على وجه مدينة الأبيض المعروفة بـ”عروس الرمال” غربي العاصمة السودانية لا يزال “سوق أبو جهل” الذي يتوسط المدينة محتفظا بأصالته الممتدة لأكثر من 100 عام، متمسكا باسمه الغريب وحضوره المختلف لكونه موطنا لمنتجات موغلة في المحلية وعلى رأسها لب “بِزْر” البطيخ المطلوب في عدد من الأسواق الإقليمية والعالمية.

ويأمل السودانيون في أن تسهم منتجاتهم -خاصة الزراعية- في إعادتهم إلى الواجهة، ولأجل تلك الغاية تحتضن الأبيض حاليا أكبر بورصة للمحاصيل الزراعية بالبلاد، لتلبية احتياجات السوق العالمي وجلب أكبر قدر من الأرباح للخزينة العامة.

وجهة رئيسية

يباع لب البطيخ في عدة أسواق بمدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، ولكن سوق أبو جهل هو إحدى أهم هذه الوجهات لهذا المحصول المهم.

وبلغت صادرات السودان من لب البطيخ بحسب تقارير البنك المركزي 35 مليون دولار خلال النصف الأول من العام 2021.

ويشتهر غرب السودان -خاصة ولايتي شمال وغرب كردفان- بإنتاج البطيخ بكميات كبيرة وتقدّر بحوالي 81% من حجم الإنتاج الكلي في البلاد.

سوق ضيق وربح كبير

يتسم سوق أبو جهل بالصغر، فشوارعه المكتظة بالمشترين والباعة لا تقل ضيقا عن مخازن التجار، لكن في مقابل المساحات الضيقة نجد سعة في تعاملات الباعة وهامش أرباح قد يكون كبيرا نسبيا.

ويعد السوق مقصدا لأهالي المدينة والقرى المجاورة والزوار والسياح، فيما بورصة المحاصيل القريبة منه باتت وجهة محببة للتجار لمواكبة الأسعار العالمية.

ويحل السودان ثالثا في ترتيب الدول العربية المنتجة للب البطيخ، أما أبرز الأسواق التي استوردت هذا المحصول في عام 2013 فكانت الهند والأردن وإيطاليا وكندا وكازاخستان، وذلك وفقا لنقطة التجارة السودانية التابعة لوزارة التجارة.

مخزن للمحصولات الزراعية وتظهر جِوالات لب البطيخ (الجزيرة)

ميزات تفضيلية

يتميز محصول لب البطيخ المحلي -طبقا لوزارة التجارة السودانية- عن بقية الأصناف بنسبة نقاء تصل إلى 99%، وبروتين بنسبة 37.4%، ورطوبة لا تتعدى نسبتها 5.9 إلى 9% في مقابل مستخلصات الزيوت التي تصل نسبتها إلى 51%.

ويأتي المنتج المحلي بعدة ألوان (سوداء، بيضاء، بنية)، ولكنه حين يدخل في صناعة الصابون والزيوت يسهم في نضارة البشرة.

وتتخطى لائحة الفوائد مجال مستحضرات التجميل إلى الدخول في تصنيع المواد الغذائية لما يحتويه لب البطيخ من أحماض أمينية وفيتامينات المجموعة “ب” والدهون المتنوعة.

ويحتوي لب البطيخ أيضا على مكونات تساعد في تعزيز الصحة الجنسية وتقوية العظام، لذلك يتم استخدامه في كثير من الخلطات الدوائية.

وعالميا، يعد لب البطيخ أحد أهم أنواع المكسرات، لذا لا غرو أن يتم تحميصه وخلطه بالملح وتعبئته في أكياس صغيرة تباع بأسعار زهيدة وتعرف محليا بـ”التسالي”.

إسماعيل إدريس تاجر المحاصيل بسوق أبو جهل
إسماعيل إدريس تاجر المحاصيل بسوق أبو جهل (الجزيرة)

تنوع

من أمام متجر مملوء بأصناف المحاصيل المحلية -وعلى رأسها لب البطيخ- يكشف الدرديري سليمان للجزيرة نت عن وجود عدة أنواع للب البطيخ، أهمها “لب الصادر” الذي يتميز بالحجم الكبير ويجلب من مناطق محددة في كردفان، مقابل “لب الكاشير” الذي يصل السوق من مناطق خارج الولاية نحو الجزيرة وسط السودان.

والبطيخ هو محصول يمكن زراعته طوال السنة، ولكن يستحسن أن يتم ذلك في فصل الصيف خلال مارس/آذار وأبريل/نيسان.

أما أسباب انتشاره في كردفان فتعود إلى أن المحصول يستنبت عادة في الأراضي الرملية التي تتميز بها الولاية إلى حد إطلاق لقب “عروس الرمال” على حاضرتها مدينة الأبيض.

وعن طريقة تخزين لب البطيخ، يقول تاجر المحاصيل بسوق أبو جهل إسماعيل إدريس للجزيرة نت إن أولى الخطوات تكون بجمع البطيخ، ثم عصره لإفراغه من المياه، بالتزامن مع عزل القحاف، ونشر الشباك لحصد الثمار.

ويباع المحصول على هيئتين، الأولى بالجِوال (جِوالات بلاستيكية محكمة الإغلاق)، أو بالصاع في حالة الشراء من أوعية العرض الخارجية في شرفات السوق.

وطبقا للجودة تتراوح أسعار لب البطيخ العادي في السوق المحلية بين 18 و20 ألف جنيه للجِوال، في وقت يصل سعر الصنف عالي الجودة إلى 36 ألف جنيه للجِوال (الدولار يساوي 570 جنيها سودانيا).

وضمن عدة محاصيل في واجهات العرض الخارجي يعلن تاجر المحاصيل بالسوق الدرديري سليمان انحيازه إلى لب البطيخ لسهولة تخزينه في ظروف طبيعية، مما يعطيه سمة المحافظة على قيمته السوقية.

ويلفت إلى أن تلك العوامل ساهمت في اتجاه كثير من المزارعين بالريف لزراعة المحصول، خاصة عقب إنشاء سوق المحاصيل بالمدينة، مما حفز المزارعين على الاهتمام بالمحاصيل النقدية لتحسين أوضاعهم المعيشية.

الدرديري سليمان أمام متجره في سوق أبو جهل
الدرديري سليمان أمام متجره في سوق أبو جهل (الجزيرة)

معالجة الهدر

الجزيرة نت التقت أستاذ الزراعة في الجامعات السودانية محمود إلياس الذي طالب السلطات السودانية بضرورة الاهتمام بالمحاصيل الزراعية النقدية، مثل الصمغ العربي ولب البطيخ.

ودعا إلياس إلى تطوير أسواق المنتجات الزراعية المحلية وحوسبتها وربطها بالبورصات المحلية والعالمية.

وقال إن إيلاء قليل من الاهتمام كفيل بتقليل حجم الهدر في الثروات النباتية والغابات، وتعظيم فوائدها بصورة تدر أموالا ضخمة على الخزينة العامة.

وكشف البنك المركزي عن انخفاض صادرات لب البطيخ بنسبة 8% مقارنة بالنصف الأول للعام 2020.

سبب شهرة السوق باسم “سوق أبو جهل”

وأول اسم جرى إطلاقه على سوق أبو جهل بحسب المرويات وسط العاملين كان اسم “سوق النسوان” لكون البائعين كانوا من النسوة، ثم أخذ اسمه ذائع الصيت بعد إصرار أحد الرجال على ممارسة التجارة وسط البائعات، الأمر الذي احتج عليه مرتادو السوق وحملهم على نعت الرجل بـ”أبي جهل”، ثم جاءت المرحلة الأخيرة بتسميته بسوق ابن مسعود، الساري في الأوقات الرسمية، وذلك نسبة إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود قاتل عمرو بن هشام المكنى بأبي جهل.

لكن رغم تعدد أسماء السوق فإن الحقيقة تقول بأصالته البائنة في روائح البهار النفاذة، فيما يعكس حجم لب البطيخ المخزّن داخله أسباب النداءات الصادرة عن المهتمين بالشأن الاقتصادي والزراعي الذين ما فتئوا يطالبون باستخدام العلم في تطوير كل أوجه عمليات زراعته وتخزينه وتصديره بداية من أزقة سوق أبو جهل.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.