مقدمة للترجمة:

“كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي”، هذا ما قاله الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، ولعله كان مبالغا بتعميم الفكرة على كل الأفكار العظيمة، إلا أن جوهر الكلام صحيح تماما، فالمشي يحفز الدماغ ويدفعه للتفاعل مع مشاهد كثيرة جديدة، ما يساعد على توليد الأفكار النيرة، إلا أن تلك ليست الفائدة الوحيدة للمشي.

 

ففي عالمنا المعاصر انخفضت معدلات حركتنا، وارتفعت معدلات توترنا، واختلط نظامنا الغذائي بكل ما هو مسبب للمرض، وهي ثلاثية لن نكون مبالغين لو قلنا إنها قد تكون قاتلة، وهنا تنشأ حاجة ماسة بالنسبة إلى سكان عالم اليوم من كل الفئات العمرية لممارسة الرياضة بشكل منتظم، ويأتي المشي باعتباره أسهل تلك الممارسات، لكن أطباء جامعة هارفارد في هذه المادة يضيفون لك حقيقة جديدة مدهشة، وهي أن المشي مع صديق لك عادة سيكون أفضل بكثير من المشي منفردا، فلِمَ يا تُرى هو مهم إلى هذا الحد أن تمشي مع صديقك؟

 

نص الترجمة:

المشي بوصفه نشاطا بدنيا يحفز نمو خلايا الدماغ الجديدة، لذلك عندما تقضي أوقاتا تطيب بها نفسك بالتحدث مع الآخرين والتفاعل معهم أثناء المشي، فإنك تحصل على جرعة مضاعفة من فوائد صحة الدماغ. (مصدر الصورة: بيكسابي)

هناك قول مأثور مفاده أنه إذا أردت أن تسير بسرعة فاذهب وحدك، أما إذا أردت أن تواصل سعيك لمسافة أبعد فاذهب بصحبة أحدهم. أحد الأمثلة الجيدة على ذلك هو ممارسة الرياضة، وخاصة المشي السريع الذي يُعتبر نوعا من التمرين لتنشيط القلب والرئتين وتعزيز الصحة العامة. الجميل في الأمر أنه من السهل ممارسة هذا النشاط مع العائلة والأصدقاء، وقد يكون للعمل الجماعي تأثير إيجابي بالعديد من الطرق.

 

يُعد الذهاب في نزهة سريعة مع صديق أو أكثر شكلا من أشكال التواصل الاجتماعي الذي يعتبر أمرا ضروريا للمداواة الذاتية والصحة الجيدة، تساعد الأوقات التي نقضيها مع أصدقائنا على استقرار الوئام بيننا، لأنها أوقات متحررة من الشعور بالعزلة والوحدة اللتين ترتبطان بأمراض القلب والسكري والتهاب المفاصل. أما الضغوطات النفسية التي تؤدي إلى الاكتئاب والتوتر أو الضغط النفسي المزمن والوفاة المبكرة، فلا سبيل إلى محقها سوى بأوقات كهذه.

 

تساعدنا الأوقات التي نقضيها في التواصل مع الأصدقاء على تنشيط الدماغ أيضا، ما يحمي مهارات تفكيرنا، فعندما تتواصل اجتماعيا، يفسِّر دماغك تعابير وجه الأشخاص، وكلامهم، وما يتسرب إلى قلوبهم من عواطف، وكيف تظهر لغة جسدهم، فيسكن ذلك كله في نفسك، ثم يتحرك فيكون باعثا على تعزيز ردود أفعالك وتحويل أفكارك إلى كلمات وتعابير وجه وحركات جسدية.

 

هذا الجهد الإضافي الذي يتطلبه التواصل الاجتماعي -حتى لو لم تكن على دراية به- يعزز اتصالات الخلايا العصبية في الدماغ، ما يحافظ على حدة التفكير والذاكرة. كما أن المشي بوصفه نشاطا بدنيا يحفز نمو خلايا الدماغ الجديدة، لذلك عندما تقضي أوقاتا تطيب بها نفسك بالتحدث مع الآخرين والتفاعل معهم أثناء المشي، فإنك تحصل على جرعة مضاعفة من فوائد صحة الدماغ.

 

فرصة للالتزام بجدول زمني

المشي جماعات
عندما تسير برفقة شخص آخر، يتحدى كل منكما الآخر وتشجعان بعضكما. (مصدر الصورة: شترستوك)

هل تواجه صعوبة في الالتزام بجدول تمارين رياضية منتظم؟ لا تقلق، لست وحدك من يواجه ذلك. يقول الدكتور “إدوارد فيليبس”، الأستاذ المشارك في الطب البدني وإعادة التأهيل في كلية الطب بجامعة هارفارد ومدير الرعاية الصحية الشاملة للمرضى في بوسطن: “لم يُولَد البشر مجبولين أو مفطورين على ممارسة التمارين الرياضية، بل وُلدوا وبداخلهم محرِّك للحفاظ على طاقتهم قدر الإمكان والاسترخاء متى استطاعوا ذلك، وهذه هي طبيعة الإنسان”.

 

ستكون لديك فرصة أفضل للحفاظ على نظام المشي إذا قررت الذهاب بصحبة الأصدقاء، وذلك لسببين أساسيين: يتمحور السبب الرئيسي منهما حول مفهوم المسؤولية أو الالتزام أمام الأصدقاء في الحفاظ على وعدك بالسير معا، إذ يقول الدكتور فيليبس: “دائما ما يحمل الأصدقاء توقعات بشأننا، وفي الأغلب لا تراودنا رغبة في خذلانهم، لذا نحاول جاهدين بذل ما في وسعنا لنكون هناك من أجلهم، ما يعني أن موافقتك على المشي مع صديق ستكون دافعا إضافيا للالتزام بروتين المشي”.

 

أما السبب الآخر فهو عامل التحفيز، وعن ذلك يقول الدكتور فيليبس: “عندما تسير برفقة شخص آخر، يتحدى كل منكما الآخر وتشجعان بعضكما. تخيل -على سبيل المثال- أنك واجهت عقبة أثناء المشي ولم تعد خطواتك تعرف موطئها معرفة جيدة، وعندما التفتّ حولك رأيت الآخرين ما زالوا مستمرين في المشي، ألن يجعلك ذلك تُدرك أن بإمكانك التغلب على هذه العقبة والاستمرار في طريقك؟ والأمر الآخر هو أن الحضور برفقة الآخرين يغرس فينا شعورا بأن ثمة متعة لا تتجلى إلا في رحاب هذه الأوقات الطيبة. وقد تتدفق إلى نفسك رغبة أشد إلحاحا في الذهاب في نزهة سريعة إن كنت تفكر في الأمر على أنه قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء وليس عملا روتينيا رتيبا أو واجبا ثقيلا”.

 

أكثر أمانا

وجود شخص يمكنه مساعدتك هو أمر بالغ الأهمية، وبالأخص إن كنت تعاني من حالة مزمنة قد تُفضي إلى ظهور أعراض مُفاجئة.
وجود شخص يمكنه مساعدتك هو أمر بالغ الأهمية، وبالأخص إن كنت تعاني من حالة مزمنة قد تُفضي إلى ظهور أعراض مُفاجئة. (مصدر الصورة: أن سبلاش)

المشي بصحبة صديق أيضا أكثر أمانا من المشي بمفردك، يرى الدكتور فيليبس أن وجود شخص آخر يمشي معك يعني أن هناك مزيدا من الأشخاص الذين قد يستشعرون الخطر المحدق بك أو المشكلات المحتملة التي ربما تكون غائبة عنك، فضلا عن كونك تبدو أكثر وضوحا للسائقين عندما تمشي مع شخص آخر أو في مجموعة، والأهم من ذلك كله أنك إن واجهت أي نوع من المشكلات الصحية أثناء المشي، أو إن سقطت، فيمكن لصديقك حينذاك أن يعتني بك ويطلب المساعدة”.

 

إن وجود شخص يمكنه مساعدتك هو أمر بالغ الأهمية، وبالأخص إن كنت تعاني من حالة مزمنة قد تُفضي إلى ظهور أعراض مُفاجئة، كأمراض القلب أو الربو أو اضطراب في التوازن، لذا من المهم وجود شخص بجانبك يمكنه أن يساعدك على التعامل مع هذه الأعراض المفاجئة ويقدم المساعدة اللازمة. كما أنه لا يجب ترك هاتفك المحمول في المنزل والاعتماد على استخدام هاتف شخص آخر في حالة الطوارئ، لأنك ستكون في ورطة إن كان الشخص غير قادر على التحدث ومشاركة رمز مرور هاتفه. لذا من الأفضل أن يحضر كل شخص أثناء المشي هاتفا مشحونا بالكامل، لضمان توفر وسيلة اتصال في حالة الطوارئ.

 

يمكنك استغلال المشي بصحبة الأصدقاء على أكمل وجه من خلال تحدي وتوجيه بعضكم بعضا، كما يمكنك أيضا تحدي نفسك بتجربة نمط مختلف للمشي، مثل رياضة مشي النورديك (وهو نمط من أنماط المشي الذي يستخدم عصا خاصة تسمى “عصا النورديك” تساعد على توزيع الوزن وتقليل الضغط على المفاصل والعضلات وتحسين اللياقة البدنية). يُعدّ القيام بأشياء جديدة أمرا ممتعا ومفيدا لتدفق الأفكار، والأجمل أن هذه العملية تبدو أيسر برفقة الأصدقاء.

 

يمكنك أيضا التفكير في كيفية تحسين أوقات المشي، وعن هذا يقول الدكتور فيليبس: “لاحظ المدة التي تستغرقها عادة لقطع مسافة معينة. إن كان الأمر يستغرق 32 دقيقة، فحاول القيام بذلك في 31 دقيقة في المرة القادمة، ثم 30 دقيقة في المرة التي تليها، وهكذا”. يشير الدكتور فيليبس أيضا إلى ضرورة التعاون المتبادل بين المشاة للحفاظ على المشي بصورة صحيحة، بمعنى أن على المشاة التأكد من تأرجح ذراعيهم أثناء المشي والحفاظ على عصا المشي (في حالة استخدامها) بزاوية 45 درجة. هذه التوجيهات تهدف إلى تعزيز الوضعية الصحيحة وتحقيق أقصى استفادة من ممارسة المشي.

 

الحفاظ على الوتيرة ذاتها أثناء المشي

أنك لست هنا فقط لممارسة الرياضة، بل لتكون جزءا من الروح الجماعية وتعزيز الآصرة التي تجمعك بأصدقائك
تذكر أنك لا تقوم بالسير فقط لممارسة الرياضة، بل لتكون جزءا من الروح الجماعية وتعزيز الآصرة التي تجمعك بأصدقائك. (مصدر الصورة: شترستوك)

إن كنت تسير بصحبة صديق واحد فقط، فسيكون من السهل عليك ضبط سرعتك وتنظيمها لتتوافق مع الوتيرة التي يسير بها صديقك بسلاسة دون أن يُعكِّر نسقها شيء، لكن ماذا لو كنتَ تسير في مجموعة؟ يقترح الدكتور فيليبس أنكم إن رغبتم جميعا في المشي بالسرعة ذاتها، فيمكن استخدام تطبيق “الميترونوم (metronome app)” أو المعروف بـ”بندول الإيقاع” (وهو تطبيق يستخدم لتوليد إيقاع مستقر وثابت بوتيرة محددة، ويُستخدم عادة لمساعدة الموسيقيين على العزف بوتيرة منتظمة وتنسيق حركاتهم)، أو يمكنكم بدلا من ذلك أن تصفقوا بأيديكم أو تقرعوا على طبلة صغيرة، كما يمكنكم الاتفاق فيما بينكم للتناوب على أن يكون أحد الأشخاص هو المسؤول عن الحفاظ على الوتيرة. وكما ترى فإن هذه النصائح البسيطة تهدف إلى تحقيق تناسق بين أعضاء المجموعة والمشي بالسرعة ذاتها.

 

في حالة كانت المجموعة مرتاحة لذلك، يمكن السماح للمشاة الأسرع بالتقدم. يرى الدكتور فيليبس أنه بعد فترة قصيرة يمكنهم أخذ قسط من الراحة وممارسة تمارين التمدد أثناء انتظار الآخرين. أو يمكن للمشاة الأسرع أن يبطئوا من وتيرتهم للتنسيق مع باقي المجموعة، لكن باستطاعتهم في الوقت ذاته أن يجعلوا روتينهم الرياضي أكثر تحديا أو شدة بزيادة مستوى الجهد أو الصعوبة، وذلك برفع أذرعهم وخفضها أثناء المشي، أو ارتداء سترة ثقيلة أو محملة بالأوزان، باعتبارها وسيلة لزيادة القوة والتحمل البدني، أو يمكنهم بدلا من ذلك حمل زجاجات مياه الآخرين.

 

وفي نهاية المطاف، يُنهي الدكتور فيليبس نصائحه: “استمتع بأجواء هذه الرحلة قدر المستطاع طالما كنت بصحبة الأصدقاء، وتذكّر أنك لست هنا فقط لممارسة الرياضة، بل لتكون جزءا من الروح الجماعية وتعزيز الآصرة التي تجمعك بأصدقائك، وحقيقة أن ذلك كله يأتي مع فوائد صحية يُعدّ شيئا إيجابيا مكملا للتجربة وأشبه بالحلوى الإضافية التي تزين الكعك”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.