بيروت- داخل أحد مخيمات ببنين بعكار (شمالي لبنان)، يسكن السوري أبو أحمد (53 عاما) في خيمة متهالكة تطوف بها المياه الآسنة، ويثبتها بأحجار لتقاوم رياح العاصفة الثلجية، ويرتجف الرجل مع زوجته وطفليه من البرد، ولا يفلح ما لديهم من أغطية وألبسة في تدفئة أطرافهم المبللة.

لا تختلف مأساة عائلة أبو أحمد عن معظم اللاجئين السوريين في مئات المخيمات المنتشرة بين مناطق البقاع وعرسال وشمالي لبنان، ومعظمها بلا بنية تحتية وتعاني من نقص حاد في مستلزمات التدفئة والمساعدات الغذائية والعينية.

وجاء الشتاء أكثر قسوة على السوريين في لبنان هذا العام مع قرار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شطب نحو 35 ألف عائلة منهم عن لائحة المساعدات الغذائية والمالية لهذا العام، رغم أن الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة بلبنان دفعت نحو 90% منهم للفقر المدقع؛ وهكذا انخفضت نسبة العائلات السورية المستفيدة من برامج المساعدات الأممية لنحو 15%.

ويأتي القرار أيضا وسط ضغوط يعيشها هؤلاء بسبب إصرار السلطات اللبنانية على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ضمن خطة لا تلقى ترحيبا دوليا ويواجه تطبيقها مصاعب كبيرة.

الانهيار في لبنان دفع 90% من اللاجئين السوريين إلى الفقر المدقع (الجزيرة نت)

الشتاء والحرمان

منذ لجوئه إلى لبنان سنة 2012، هربا من آلة الدمار التي قضت على منزله في حمص (شمال دمشق)، كان أبو أحمد ينتظر شهريا مساعدات المفوضية الزهيدة ليعيل أسرته. وفي حين يعجز عن العمل بسبب مرض في أذنه يفقده التوازن؛ فإنه يقول للجزيرة نت “تلقيت رسالة من المفوضية تبلغني بفصلي عن برنامج المساعدات المالية وبقائي ببرنامج المساعدات الغذائية، فشعرت بصدمة ضاعفت مأساتنا، خاصة أن الجمعيات الأهلية لا تمدنا بالمساعدات كالسابق”.

وهنا في عكار -كما البقاع وعرسال- تنتشر المخيمات العشوائية في سهولها وجبالها، فيحلّ البرد قارسا وتتسبب المنخفضات الجوية في السيول وتراكم الثلوج؛ ومن ثم تتحول خيرات الشتاء لنقمة تعمق معاناة الفقراء من لاجئين سوريين ولبنانيين أيضا.

وداخل خيمة ممزقة وغارقة في مزيج من المياه الآسنة والأمطار، تعيش سلوى (28 عاما) مع والديها العجوزين، وهي امرأة مطلقة تعيل طفليها الصغيرين، وفُصلت عن مساعدات المفوضية، وكانت تنتظرها شهريا لتوفير بعض قوتهم.

تشكو ألمها للجزيرة نت قائلة “ليست لدينا وسيلة للتدفئة، نلمّ الحطب من الشارع أحيانا لأننا نعجز عن شراء المازوت. وبعد وقف المساعدات عني، صرت أطلب بقايا طعام جيراني بالمخيم لإطعام أطفالي”.

استغلال المساعدات

ويعاني أبناء المخيمات من بطالة واسعة تطول النساء والشباب والرجال، ويلجأ كثيرون منهم لعمالة أطفالهم أو تسولهم في الشوارع. وفي عكار، يعمل معظم اللاجئين لدى أصحاب الأراضي الزراعية ساعات طويلة وبأجور زهيدة لا تتعدى 1.5 دولار يوميا. لكن انهيار القطاع الزراعي بسبب غلاء الأسمدة وصعوبة تصريف الإنتاج حرم آلاف السوريين من العمل أيضا.

وحسب ما رصدته الجزيرة نت، فإن شريحة من أصحاب أراضي المخيمات -الملقبين “بالشاويش”- رفعوا أجور الخيم المتهالكة لأكثر من مليون ليرة (15 دولارا)، ويستغلون عمالة اللاجئين ويسيطرون على المساعدات الأهلية التي تصلهم لتوزيعها بشكل تمييزي.

لذا، يرى خبراء أن ثمة ضياعا للأموال والموارد التي تصل للاجئي لبنان، ومعظم المشاريع المنفذة باسمهم تأتي بنتائج محدودة ولا تعكس تطورا في عيشهم، بل تزداد معاناتهم سوءا.

وهنا، يقول الناشط في مخيمات السوريين خضر الضبي إن قطع المساعدات الأممية عن آلاف الأسر جاء ليقصم ظهر البعير فقط، لأن تدهور ظروفهم بلغ مستوى غير مسبوق مع تصاعد التضخم فصاروا عاجزين عن شراء أبسطة حاجاتهم.

ويضيف الضبي للجزيرة نت أن قيمة المساعدات لا تغطي حاجات الأسر السورية الفعلية، وتسندهم قليلا لتسديد إيجار الخيم أو شراء أسطوانة غاز أو عبوة حليب أو زيت في أحسن حال.

ويشير إلى أن الجمعيات الأهلية غير قادرة على سد الفجوة الكبيرة داخل المخيمات، وتقتصر مساعداتها على الطرود الغذائية من حين لآخر.

ويفيد الناشط بأن معظم الأسر التي حصلت على مبلغ نقدي من المفوضية لتأمين التدفئة بالشتاء استخدمته لسد حاجاتها الغذائية وإيجار الخيم، مقابل تنامي ظاهرة حرق البلاستيك والملابس والأحذية القديمة، أو جمع بقايا الخشب من الشارع لإضرامها والتدفئة قربها رغم روائحها وانبعاثاتها السامة.

مخيمات عكار اثناء العاصفة - الجزيرة
خيام اللاجئين السوريين في عكار أثناء العاصفة (الجزيرة نت)

مسؤولية الانهيار

يقدر الأمن العام اللبناني عدد السوريين المقيمين في لبنان بمليونين و80 ألف لاجئ، معظمهم لا يملكون أوراقا نظامية، في حين تظهر بيانات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أن المسجلين لديها يبلغون 840 ألف لاجئ، ويوجد نحو 3100 مخيم عشوائي على الأراضي اللبنانية، ومعظمها بالبقاع والشمال.

ومنذ منتصف 2022، تصاعدت مخاوف اللاجئين السوريين مع تحريك لبنان ملف عودتهم إلى بلادهم، فعكس ذلك تخبطا بلغ مستوى الصراع على شرعية الإمساك بالملف، ولم يتمكن الأمن العام اللبناني من تنظيم سوى قافلات معدودة نقلت مجموعات صغيرة من السوريين لبلادهم.

ورأى كثيرون أن خطة العودة أشبه بورقة تفاوضية للبنان مع الجهات الدولية، تهدف إلى رفع مستوى المساعدات المادية عبر تحميل اللاجئين جزءا من مسؤولية الانهيار في البلاد.

وفي حديث للجزيرة نت، رأى وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين أن وقف مساعدات المفوضية عن آلاف السوريين “قد ينعكس إيجابا لجهة تحفيز الرغبة في عودتهم لسوريا، ويخفف عبئا كبيرا على لبنان من جهة الخدمات الاجتماعية تجاههم”. وقال الوزير “إن المواد الغذائية والدوائية التي تصرفها الدولة باهظة كثيرا للاستهلاك المزدوج بين السوريين واللبنانيين؛ ما يشكل عبئا على الخزينة”.

وأوضح أن قوافل الإعادة الطوعية للسوريين متوقفة بسبب فصل الشتاء، وأن الملف حاليا بيد الأمن العام اللبناني.

الأكثر ضعفا فقط

بالتوازي، توضح المتحدثة باسم المفوضية في لبنان ليزا أبو خالد أن ثمة أنواعا مختلفة من برامج المساعدة، ومنها مثلا المساعدات النقدية الموسمية في فصل الشتاء، أو لدى إصابة عائلة لاجئة بحالة طارئة تعرضها لأضرار جسيمة .

وتفيد بأن المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي يقدمان مساعدة نقدية منتظمة متعددة الأغراض للسوريين الأكثر ضعفا، وتلفت إلى أن العائلات السورية لا تتلقى النوع عينه من المساعدات التي يعتمد توزيعها على تقييم حالة الأسرة أو الفرد.

وتوضح أن ثمة اعتقادا شائعا بتلقي اللاجئين مساعدة منتظمة نقدية بالدولار، لكنهم يتلقون المساعدات بالعملة المحلية بالليرة اللبنانية.

وبدءا من فبراير/شباط الجاري، قام برنامج الأغذية العالمي والمفوضية بزيادة مبلغ المساعدة النقدية للاجئين الضعفاء؛ فارتفعت المساعدة الغذائية من 500 ألف ليرة (8 دولارات) للفرد إلى 800 ألف (12 دولارا)، وبحد أقصى 5 أشخاص لكل أسرة. كما ارتفع المبلغ النقدي من مليون ليرة (نحو 15 دولارا) إلى مليون و600 ألف (نحو 25 دولارا)، يحصلون عليه نقدا بالإضافة إلى المساعدة الغذائية.

وتقول ليزا أبو خالد “إن الزيادة أقل من حاجة الأسر بسبب الارتفاع المستمر في أسعار السلع والمواد الغذائية، مما يضعف قدرة اللاجئين الشرائية”.

وحول أسباب فصل آلاف الأسر من برامج المساعدات، تشير المتحدثة إلى أنه نظرا للقيود على الميزانية “تعيّن على المفوضية والشركاء إعطاء الأولوية للعائلات التي تحددها بالأكثر ضعفا، واتخاذ قرارات صعبة، إذ لا يمكنهم دعم جميع اللاجئين المحتاجين للمساعدة”.

وتجري المفوضية وشركاؤها سنويا مراجعة لنقاط الضعف، بناء على معايير تتوافق مع الضعف الاجتماعي والاقتصادي للأسر، وفق المتحدثة.

واستنادا إلى آخر مراجعة، لم يتم اختيار بعض العائلات للحصول على مساعدات نقدية وغذائية منتظمة في 2023، بينما أضيف آخرون ممن لم يتلقوا المساعدة العام الماضي كمستفيدين جدد. ويمكن للعائلات المستثناة استئناف القرار لإعادة النظر في وضعها وإعادة إدراجها في الدورة اللاحقة، في حال توفر تمويل إضافي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.
مشاعل السالم

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.