خط كارمان هو الخط الفاصل بين الغلاف الجوي للأرض وبداية الفضاء الخارجي، ويقع على بعد 100 كيلومتر من سطح الأرض.

ورغم أن مسافة 100 كيلومتر قريبة جدا من الأرض فهي لا تزال تقع ضمن الجاذبية الأرضية والغلاف الجوي الممتد، إلا أنه تم قبول هذا الموقع القريب نسبيا باعتباره الخط الفاصل بين الأرض والفضاء، ولكن لماذا؟

يعتمد تحديد خط كارمان على الواقع المادي، فهو يشير إلى الارتفاع الذي لم تعد الطائرات التقليدية قادرة على الطيران فيه بشكل فعال، وذلك بسبب تغير القوانين الفيزيائية التي تحكم قدرة المركبة على الطيران.

ورغم امتداد الغلاف الجوي فوق خط كارمان فإن الهواء يصبح رقيقا للغاية في تلك الأماكن المرتفعة. وبالتالي فإن أي شيء يسافر فوق خط كارمان يحتاج إلى نظام دفع لا يعتمد على قوة الرفع الناتجة عن الغلاف الجوي للأرض.

المهندس وعالم الفيزياء ورائد الفضاء تيودور فون كارمان كان هو من اقترح تحديد خط كارمان على ارتفاع 100 كيلومتر (غيتي)

تحديد خط كارمان

إن تحديد المكان الذي يبدأ فيه الفضاء بالضبط يمكن أن يكون أمرا صعبا إلى حد ما، لأن الغلاف الجوي للأرض لا ينتهي فجأة، بل يصبح أرق على ارتفاعات أعلى، مما يعني عدم وجود حدود عليا محددة.

ووفقا لموقع “أسترونومي”، كان المهندس وعالم الفيزياء ورائد الفضاء تيودور فون كارمان، قد اقترح أن الحافة الأكثر منطقية للفضاء ستكون قرب المكان الذي تتجاوز فيه القوى المدارية القوى الديناميكية الهوائية، مقررا أن 100 كيلومتر كانت حدودا جيدة.

وقد حصل خط كارمان على اسمه من هذا العالم المجري المولود عام 1881، لأنه كان من بين الأوائل الذين حسبوا الارتفاع الذي لم يعد الرفع الديناميكي الهوائي فوقه قادرا على إبقاء الطائرة عاليا. بعدما عمل في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى على التصميمات المبكرة للطائرات المروحية.

ورغم أن اسمه مرتبط الآن بحدود الفضاء، فإن فون كارمان نفسه لم ينشر هذه الفكرة أبدا. فقد جاء طرح عمله الأصلي نتيجة نقاش في مؤتمر.

وقد قام أندرو غالاغر هالي، أول ممارس لقانون الفضاء في العالم، بنشر أول بحث كامل حول حدود الفضاء في أوائل الستينيات. وذلك بعدما طبق معايير فون كارمان بشكل أكثر تحديدا، وحدد الحدود الفعلية للفضاء بحوالي 84 كيلومترا فوق سطح الأرض، وهو أيضا الارتفاع الذي استخدمته القوات الجوية الأميركية في الخمسينيات من القرن الماضي عندما وزعت تصاريح رواد الفضاء لاختبار الطيارين الذين طاروا على ارتفاع يزيد على 80 كيلومترا.

ويعتبر المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الدولي للطيران، أن الفضاء يبدأ عند خط كارمان، أي عند 100 كيلومتر. أما وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” والجيش الأميركي فيبدأ الفضاء لديهم على ارتفاع حوالي 80 كيلومترا.

لماذا لا تستطيع الطائرات الطيران فوق خط كارمان؟

يعتبر خط كارمان هو المكان الذي تتغير فيه القوانين الفيزيائية التي تحكم قدرة المركبة على الطيران. فهو يصف تأثير خصائص الغلاف الجوي للأرض على ارتفاعات مختلفة على قدرة الطائرة على الطيران.

تتحرك الطائرات عادة بواسطة توليد قوة رفع إلى حد كبير بواسطة أجنحة الطائرة أثناء طيرانها في الهواء، مما يخلق قوة تعاكس وزن الطائرة فتبقيها محمولة في الهواء. ولكن مع ارتفاع غلافنا الجوي فإنه يصبح أقل سمكا.

وعند نقطة معينة يكون الهواء رقيقا جدا بالنسبة للطائرات التقليدية، وبدون وجود ما يكفي من الهواء لن يكون هناك قوة رفع، وأي طائرة فوق هذا الارتفاع تتطلب نظام دفع، مثل الصاروخ، لتبقى محلقة. ولهذا السبب لا تشبه السفن الفضائية الطائرات في الشكل عادة.

لماذا من المهم معرفة حدود الأرض والفضاء؟

وفقا للقانون الدولي، تنص معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في مجال استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي على أن “الفضاء الخارجي يجب أن يكون متاحا للجميع للاستكشاف والاستخدام”. ونظرا لوجود تعريفات مختلفة للمكان الذي يبدأ فيه الفضاء فعليا، فقد يؤدي ذلك إلى عدد من العواقب القانونية.

يتم تنظيم الحركة الجوية عادة على المستوى الدولي، حيث تسيطر الدول على المجال الجوي فوق أراضيها. وتجاوز ذلك قد يؤدي عن غير قصد إلى التسبب في صراعات دولية. لذا أصبح تحديد التمييز بين المجال الجوي للأرض والفضاء الخارجي ذا أهمية كبيرة، فالفضاء ملك للجميع بينما المجال الجوي هو ملك للدول المختلفة.

وقد كتب فون كارمان نفسه عن الحدود بين الأرض والفضاء، في سيرته الذاتية المنشورة بعد وفاته بعنوان “الريح وما بعدها”، قائلا “إن هذه حدود مادية بالتأكيد، حيث تتوقف الديناميكا الهوائية وتبدأ الملاحة الفضائية، ولذا فكرت لماذا لا ينبغي أن تكون أيضا حدودا فضائية؟ تحت هذا الخط المساحة ملك لكل دولة. وفوق هذا المستوى، سيكون هناك مساحة حرة”.

ويذكر موقع “إنترستينغ إنجنيرنغ”، أنه رغم تعريف خط كارمان كحدود، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه يعمل كخط حدودي متين حيث يكون أحد الجانبين عبارة عن فضاء والجانب الآخر يمثل الغلاف الجوي بالكامل. وذلك لأن الغلاف الجوي للأرض لا يختفي فجأة، بل يصبح أقل سمكا مع ارتفاعه ويمتزج في الفضاء في النهاية.

إن تعريف خط كارمان باعتباره الحدود غير المرئية حيث يبدأ الفضاء هو بالفعل جانب مهم فيما يتعلق بالسفر في الفضاء. حتى لو كان الارتفاع حيث يبدأ الفضاء محل جدل، فإن الفكرة التي يقدمها تحديد ارتفاع هذا الخط مفيدة في تعريف ما إذا كان شيئا ما موجودا في الفضاء أم في الغلاف الجوي للأرض، وينطبق الأمر على تعريف من هو رائد الفضاء فالشخص لا يحصل على رخصة رائد الفضاء إلا إذا مارس الطيران فوق هذا الخط.

صورة تظهر طبقات الغلاف الجوي للأرض التقطها رائد فضاء على متن محطة الفضاء الدولية 2011 (ناسا)
صورة تظهر طبقات الغلاف الجوي للأرض التقطها رائد فضاء على متن محطة الفضاء الدولية 2011 (ناسا)

لماذا لا يبدأ الفضاء عند انتهاء الغلاف الجوي؟

ووفقا لموقع “سبيس” يتساءل بعض الناس عما إذا كان من الأسهل تعريف الفضاء على أنه النقطة المطلقة التي ينتهي عندها الغلاف الجوي للأرض. ولكن هذا التعريف من شأنه أن يزيد الأمور تعقيدا.

إن السفر إلى ما وراء الغلاف الجوي للأرض سيأخذنا إلى ارتفاع حوالي 10 آلاف كيلومتر فوق سطح الأرض إلى أعلى طبقة في الغلاف الجوي للأرض وهي الغلاف الخارجي.

حيث تدور محطة الفضاء الدولية حول الأرض على ارتفاع متوسط يبلغ 400 كيلومتر وتدور الأقمار الصناعية حول الأرض على ارتفاعات أقل من 1000 كيلومتر. مع حدود الفضاء عند هذا الارتفاع الجديد البالغ 10 آلاف كيلومتر، لم تعد معظم المركبات الفضائية والأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض “مركبة فضائية” ولن يُطلق على أي زائر لمحطة الفضاء الدولية، على سبيل المثال، رائد فضاء. لذا فإن أفضل الخيارات لبداية الفضاء هي 80 كيلومتر أو 100 كيلومتر عند خط كارمان.

هل خط كارمان هو الحافة الوحيدة الممكنة للفضاء؟

يقول جوناثان ماكدويل، عالم الفيزياء الفلكية في مركز الفيزياء الفلكية بهارفارد، وسميثسونيان، لموقع “بوبيلار ساينس”، إن بعض العلماء اقترحوا خصائص أخرى لتحديد الحدود بين الأرض والفضاء، مثل المنطقة الموجودة في مدار كوكبنا التي ينكسر فيها القمر الصناعي عند عودته، والتي تبين أنها تقع على علو الثمانينيات إلى التسعينيات من الكيلومترات من سطح الأرض.

ويتخذ مركز التحكم في مهمة ناسا نهجا مختلفا لتحديد بداية الفضاء. بدلا من التركيز على الرفع الديناميكي الهوائي، تحدد وكالة الفضاء نقطة العودة إلى المجال الجوي للأرض من الفضاء الخارجي على أنها المكان الذي يصبح فيه السحب الجوي ملحوظا، على بعد حوالي 122 كيلومترا.

ويقترح ماكدويل أن هناك حدودا أخرى قد يأخذها البعض بعين الاعتبار لحافة الفضاء. أحدها هو حد أرمسترونغ، الذي سمي على اسم هاري جي أرمسترونغ، وهو طبيب أميركي في طب الفضاء الجوي، وهو الارتفاع الذي يغلي عنده دم الإنسان إذا لم يكن محميا من الضغط الجوي المنخفض ببدلة فضائية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.