هل لي بسؤال شخصي نوعا ما؟

= نعم، تفضل.

أنت نسوية، صحيح؟ هل ترتدين الحجاب عن قناعة؟

= نعم، أنا نسوية، وأرتديه عن قناعة كاملة.

ما تقولينه هو أفضل رد على السيدة لوبان التي تريد حظر الحجاب في الأماكن العامة.

كان هذا نص حوار سريع أجراه “إيمانويل ماكرون”، الرئيس الفرنسي الفائز للتو بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي جرت قبل ساعات، مع سيدة محجبة كانت تحضر أحد تجمعاته الانتخابية. فرغم التضييق الكبير الذي عاشه المسلمون في عُهدته الأولى، فإن ماكرون حاول الظهور بمظهر المرشح المعتدل لمواجهة مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، خلال جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، ويبدو أن صورة الاعتدال تلك هي التي أقنعت بعض الناخبين باختياره لولاية جديدة، لا سيما أن الفترة الأولى شهدت أزمات اجتماعية واقتصادية خانقة.

 

التيار “الماكروني” الجديد

يظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الشاشة وهو يصل إلى المنصة مع زوجته السيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون ، بعد إعادة انتخابه كرئيس (رويترز)

بعد وصوله لأول مرة إلى قصر الإليزيه مستشارا اقتصاديا للرئيس الفرنسي السابق “فرانسوا هولاند”، ظنَّ المراقبون للشأن الفرنسي أن ماكرون الذي عُدَّ ابنا روحيا لهولاند سيصبح امتدادا لجيل سابق من الاشتراكيين، وهو الشاب المبتسم اللامع الذي يحمل أفكارا تدافع عن قيم اليسار التقليدية وعلى رأسها المساواة والدفاع عن الطبقات الفقيرة. لكن مع مرور السنوات، اكتشف المُتتبِّعون للشأن السياسي الفرنسي أن ماكرون كان بالكاد يساريا، إذ حمل الرجل في جعبته مشروعا أقرب إلى اليمين، ونهل أحيانا من اليمين المتطرف، رغم أنه أكَّد في مناسبات عدة أن حزبه “الجمهورية إلى الإمام” حزب مختلف لا يمكن تصنيفه أيديولوجيا، بل يُصنَّف مشروعا متكاملا يسعى لخلق دينامية جديدة في البلاد.

 

منذ سنة 1950، انقسمت الساحة السياسية الفرنسية بين تيارين أساسيين، اليمين الجمهوري واليسار الاشتراكي، وقد حكم التياران فرنسا مع حضور أكبر لليمين، لكن كل هذا التاريخ السياسي سيصل إلى المحطة الأخيرة مع ترشُّح ماكرون لولايته الأولى، حيث فاز الرئيس الفرنسي بالانتخابات بعد أن أُنهك اليسار واليمين كلاهما. وقد واصل الحزبان سقوطهما الحر بحصول الحزب الاشتراكي الذي حكم فرنسا قبل ماكرون على 1.7% فقط من الأصوات، فيما لم يتجاوز اليمين الجمهوري عتبة 5%.

 

ظنَّ ماكرون بعد إجهازه على المشاريع السياسية التقليدية أن المنافسة السياسية حُسِمَت لصالحه في وجه مُنافِسته الوحيدة “مارين لوبان” القادمة من أسرة لا يحبها الفرنسيون كثيرا. وأعلن الرئيس الفرنسي أن مشروعه يستهدف تقليص حضور اليمين المتطرف سياسيا والحد من إغرائه للناخبين، مؤكِّدا أن ولايته ستُركِّز على إقناع الفرنسيين أن ليس هنالك من داعٍ لاختيار التيارات المتطرفة، سواء تعلَّق الأمر باليمين المتطرف أو باليسار الراديكالي.

France’s far-right candidate concedes defeat to Macron in elections- - PARIS, FRANCE - APRIL 24: French far-right Rassemblement National (RN) party presidential candidate Marine Le Pen holds a press conference in Paris, France on April 24, 2022. French far-right presidential candidate Marine Le Pen on Sunday conceded defeat and said that the number of votes she received represents a “victory in itself.”
المرشحة الرئاسية لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف (RN) مارين لوبان (رويترز)

انعكس هذا الأمر كثيرا على الولاية الأولى لماكرون، فقد واجه الأزمات الداخلية بمبدأ “إما أنا وإما لوبان والفوضى”، وهو ما زاد من غضب الفئات المُحتجَّة على بعض سياساته الاقتصادية، التي بدأت ترى في ماكرون وجها قبيحا للسياسة الفرنسية، ربما يكون أكثر قُبحا من لوبان نفسها ذات الخلفية الفاشية. ورغم أن سياسات ماكرون الاقتصادية اتسمت بالليبرالية، فإن سياساته الاجتماعية والثقافية أتت عكس ذلك، فظهر بمظهر غير المتسامح مع الوجود الإسلامي المُعتَبَر في البلاد، إذ رأى في محورَيْ “الدين الإسلامي” و”الهجرة” مشكلة حقيقية تواجه فرنسا، وشدَّد على هذين الملفين لأجل دغدغة مشاعر الجماهير.

 

سار الرئيس الفرنسي في طريق الصراع الأيديولوجي الذي بدأه جاك شيراك بداية الألفينيات، إذ انتقلت في عهده المنافسة السياسية من منافسة بين اليسار واليمين إلى منافسة بين اليمين واليمين المتطرف، ومن ثم تحوَّلت العلمانية من أداة تُحيِّد المجال العام إلى أداة تسعى إلى تقويض الإسلام تدريجيا داخل فرنسا، وأداة لتهديد المهاجرين والأقليات الدينية والعِرقية.

ماكرون الذين علَّم اليمين الرماية

French President Emmanuel Macron waves at the stage, after being re-elected as president, following the results in the second round of the 2022 French presidential election, during his victory rally at the Champ de Mars in Paris, France, April 24, 2022. REUTERS/Christian Hartmann
يلوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خشبة المسرح ، بعد إعادة انتخابه كرئيس ، عقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022 (رويترز)

بحلول نهاية فترته الأولى، كان ماكرون قد اعترف بفشله في الحد من قوة التيارات المتطرفة. وجاء فشل ماكرون تكريسا لنجاح يميني لم يخفت منذ 40 سنة، فقد شكَّل هذا التيار رغم اختلاف نتائجه الانتخابية بين الحقب المختلفة رافدا سياسيا مهما في البلاد، وتمكَّن من دخول المؤسسات رغم أنه نظريا ضد النظام السياسي. ثم تكلَّلت مجهوداته في الانتخابات الأخيرة بتحقيق نتائج مهمة، فإلى جانب لوبان التي خاضت جولة الإعادة الأخيرة أمام ماكرون، يوجد أيضا “إريك زمور” الذي انتزع نحو 2.5 مليون صوت بالإضافة إلى “نيكولا ديبون إنيون”. وفي الأخير، حصل الثلاثي على نسبة تصل إلى ثُلث المصوتين الفرنسيين، وهو إنجاز كبير ومخيف في الوقت نفسه.

 

لم يحقق اليمين المتطرف هذه النتائج بمحض المصادفة بطبيعة الحال، فقد عمل الإعلام الفرنسي على التطبيع مع الأفكار المتطرفة حتى الفاشية منها، وساهمت سياسات ماكرون في هذا الأمر أيما مساهمة عبر مجموعة قوانين وتحرُّكات استهدفت المهاجرين والمسلمين، فأضحت الأفكار التي ينظر إليها على أنها فاشية مشاريعَ سياسية لتيارات اليمين الجمهوري وتيار الوسط، مثل فكرة إنشاء وزارة للهجرة والهوية الوطنية.

 

ساهم الرئيس الفرنسي في خلق مناخ سياسي متسامح مع جميع الأفكار العنصرية، كما عقد صداقات مع رموز يمينية متطرفة مثل “فيليب دو فيليي”، سكرتير الدولة السابق المقرب من ماريون ماريشال لوبان، الذي انضم إلى حملة زمور بعد ذلك، بل إن زمور نفسه قال إن ماكرون أخبره سرًّا أنه يتفق معه في عدد من الأفكار التي يطرحها، وعلى رأسها إيمانه بنظرية “الاستبدال الكبير” وخطورة الإسلام في فرنسا على هوية الدولة والمجتمع. وسمح ماكرون أيضا لوزرائه بالانخراط في النقاشات حول وجود جبهة يسارية-إسلامية تعمل ضد مصالح الجمهورية، بل إن وزير داخليته جيرارد دارمانان اتَّهم لوبان نفسها بعدم الجدية والحزم في مواجهة “الخطر الإسلامي”. ولم يتردد رجال ماكرون في الدخول في أي نقاش مطروح من طرف التيار الفاشي.

French politician Philippe de Villiers (L) looks on as French President Emmanuel Macron (R) meets with Vendean businessmen at a K-Line industrial site in Les Herbiers, in Vendee, western France, June 13, 2018. Picture taken June 13, 2018. Ludovic Marin/Pool via Reuters
السياسي الفرنسي فيليب دي فيلييه (يسار) يلتقي بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) (رويترز)

ركَّز ساكن الإليزيه حتى في أحلك الظروف الاقتصادية والصحية على مواجهة ما سمَّاه الانعزالية الإسلامية، وترك خلفه اليمين المتطرف مستفيدا من الأزمات الاجتماعية، إذ أظهرت لوبان، زعيمة هذا التيار، تركيزا أكبر على المواضيع الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، ما أسهم في زيادة شعبيتها مقارنة بعام 2017 حين كانت مهووسة فقط بملف الإسلام والهجرة. وقد استفادت المرشحة اليمينية من تركز اهتمام الفرنسيين على الملفات الاقتصادية، خصوصا بعد الأزمات المتتالية بداية من وباء “كوفيد-19” وصولا إلى الحرب الأوكرانية.

 

قدَّمت مارين لوبان في برنامجها الأخير العديد من الإجراءات الاقتصادية، منها خفض الضرائب على السلع الأساسية وعلى المواد البترولية، قاطعة على نفسها وعدا برفع الحد الأدنى للأجور، وتنظيم استفتاءات حول القرارت المصيرية التي ستتخذها البلاد، مطمئنة الفرنسيين بأنها لن تخرج من أوروبا كما ردَّدت سابقا. ومن جهته تحدَّث ماكرون في الأشهر الأخيرة عن تطبيق قانون الانعزالية، وواصل إغلاق المساجد التي لم تتبنَّ نظرته لممارسة الإسلام، ولم يلتفت كثيرا إلى المطالب الفئوية سواء من الأطباء أو المعلمين أو العاملين أو أولئك الذين أنهكتهم الضرائب وتكلفة الحياة الباهظة.

 

جرَّت هذه الخطوات على ماكرون انتقادات واسعة، بداية بالمنظمات الدولية، وصولا إلى التيارات السياسية اليسارية في فرنسا، التي اعتبرت الرئيس الفرنسي السبب الحقيقي في جرِّ البلاد نحو انتشار الفاشية ومنح التيار اليميني فرصة الوصول إلى انتخابات 2022 بكل هذه القوة، وصولا إلى لحظة المواجهة الحاسمة مع لوبان في جولة الإعادة.

 

الدور الثاني.. حقل الألغام

Official campaign posters of 2022 French presidential election candidates, French President Emmanuel Macron, candidate for his re-election, and Marine Le Pen, French far-right National Rally (Rassemblement National) party candidate, are displayed on an official billboard in Henin-Beaumont , France, April 23, 2022. REUTERS/Yves Herman
ملصقات الحملة الرسمية لمرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022 ، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، المرشح لإعادة انتخابه ، ومارين لوبان ، مرشحة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الفرنسي (التجمع الوطني) (رويترز)

خلال انتخابات 2017، تمكَّن ماكرون من الإطاحة بلوبان بعد أن حصل على 66% من الأصوات في الدور الثاني، في حين تقلَّصت نسبته هذه المرة إلى ما دون 60% (نحو 58%) وارتفعت حصة لوبان من الثُلث إلى أكثر من 42% (وفق النتائج الأولية). لقد تغيَّر الكثير طيلة السنوات الخمس الماضية على ما يبدو، إذ نجحت لوبان في الاقتراب أكثر من أي وقت مضى في تاريخها وتاريخ عائلتها من تحقيق حلم الوصول إلى الإليزيه رغم خسارتها بهامش بسيط نسبيا في النهاية، ما يطرح تساؤلات مهمة حول أسباب التمدُّد التدريجي لليمين الفاشي في فرنسا وسر نجاحه في توسيع شريحة ناخبيه.

 

لقد اختار ماكرون إستراتيجية خطيرة لخوض الجولة الثانية، وهي أن يخلق جبهة تدعم مشروعه، بدلا من الاعتماد على الإستراتيجية العادية التي استعملها جاك شيراك سنة 2002، وهو نفسه في 2017، عندما كان الهدف الوقوف في وجه عائلة لوبان فحسب. فقد أظهر الرئيس الفرنسي سعادة كبيرة عندما قال إنه فخور بحصوله على عدد أصوات (في الجولة الأولى) أكثر مما حصل عليه في سنة 2017، معلقا: “أنا فخور بأنني حصلت على عدد أصوات أكثر من السنة الماضية، لم يحصل ذلك إلا مع فرانسوا مِتيران، إنه أمر مثير للفخر أن تحصل على دعم أكبر بعد الولاية الأولى”. بيد أن هذه الأرقام وإن كانت حقيقية، فإنها قد لا تعكس أبدا الخطورة التي تُهدِّد مشروع ماكرون، ذلك لأن عددا مهما من الناخبين الذين صوَّتوا لمرشحين آخرين انضم بعضهم إلى لوبان هذه المرة من أجل الوقوف في وجه الرئيس الفرنسي الذي قدَّم حصيلة اجتماعية واقتصادية غير مُرضية للكثيرين.

 

في هذا السياق، اعتبر موقع “ميديا بارت” الفرنسي في تقرير له أن ماكرون غامر بجعل انتخابات الدور الثاني عبارة عن استفتاء على سياساته، لأن عدد المقتنعين بمشروعه قليل مقارنة بالمصوِّتين المُحتمَلين له رغبة في إفشال لوبان بأي ثمن، لا سيما أن عددا من الفرنسيين عاشوا خمس سنوات مرهقة بسبب السياسات الاقتصادية الليبرالية للرئيس الحالي التي جعلت من لوبان للمفارقة مرشحة “العدالة الاجتماعية” هذه المرة، فقط لأنها اقترحت سياسة أقل انفتاحا وليبرالية من تلك التي يفرضها ماكرون.

 

قدَّمت لوبان نفسها بوصفها حلا وحيدا أمام ماكرون الذي يزيد من المصاريف ولا يدعم الفقراء ويرغب في رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، وهو ما منحها أصواتا مهمة لعلها قادمة من مرشح اليسار الراديكالي ميلانشون الذي حلَّ ثالثا في الجولة الأولى بفارق بسيط جدا عنها. فرغم أن ميلانشون دعا مؤيديه إلى عدم التصويت لصالح اليمين المتطرف، فإنه لم يدعم ماكرون أيضا، فيما أظهر عدد من المصادر استعداد اليساريين للتصويت لصالح “مارين” فقط لإخراج ماكرون من الإليزيه. كان هذا انقلابا نوعيا في المعادلة، فبعد أن صوَّتت شرائح واسعة لماكرون عام 2017 لأنها تكره لوبان ليس إلا، فإننا اليوم أمام شريحة من المصوِّتين صوَّتت للوبان لأنها أرادت ماكرون خارج الرئاسة فحسب.

Marine Le Pen, French far-right National Rally (Rassemblement National) party candidate for the 2022 French presidential election, speaks at the Pavillon d'Armenonville after her defeat in the second round of the 2022 French presidential election, in Paris, France, April 24, 2022. REUTERS/Yves Herman
مارين لوبان (رويترز)

أما بالنسبة للقاعدة الجماهيرية اليمينية التي حاول ماكرون استمالتها في السنوات الأخيرة حتى يقضي على آمال لوبان، فيبدو أنها أثبتت أنها أكثر استعدادا للتصويت لصالح حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، حيث اقترحت زعيمته، إلى جانب سياساتها الاجتماعية، أفكارا واضحة لمواجهة الإسلام في فرنسا لا يسع ماكرون أن يطرحها بتلك الجرأة. على سبيل المثال، اقترحت لوبان قوانين من أجل التضييق على بناء المساجد ومنع الحجاب في الفضاء العام، والحد من الهجرة وإيقاف تأشيرات التجمع العائلي.

 

ولكن في خضم فشله في طرح تلك المقترحات المتطرفة ومحاولة مجاراة الخطاب اليميني المتطرف في الوقت نفسه، يظهر باستمرار “جيرارد دارمانان”، وزير داخلية ماكرون، بوصفه الوجه الحديدي لنظام ماكرون في وجه المسلمين بتعنُّته في ملفات مثل إدارة المساجد والهجرة وغيرها. وعلى النقيض، حاول ماكرون نفسه لعب ورقة حماية المسلمين من أجل إقناع هذه الشريحة بالتصويت له، إذ قال في أكثر من مرة إنه سيعمل على مساعدة الأقليات الدينية على ممارسة الشعائر بكل حرية، فهو لن يمنع الحجاب، ولن يقف في وجه مصانع اللحم الحلال كما تريد لوبان، لأن دوره ليس مراقبة إيمان أو عدم إيمان الناس، بل احترام الجميع، من مؤمنين وغير مؤمنين، لقوانين الجمهورية.

epa09855894 French Interior Minister Gerald Darmanin speaks on the sidelines of a Special European home affairs ministers' council on Ukrainian refugees situation in Brussels, Belgium, 28 March 2022. EPA-EFE/OLIVIER HOSLET
وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين (الأوروبية)

زِد على ذلك ملف الفساد الذي فاقم من أعباء ماكرون في الأسابيع الماضية، حيث انفجرت قضية “ماكينزي”، الشركة الأميركية المتخصصة في تقديم الاستشارة للمنظمات الحكومية، حين نشر البرلمان الفرنسي تقريرا كشف عن اعتماد الوزارات الفرنسية على هذه الشركة في تنفيذ سياسات الدولة، وفي المقابل حصلت الشركة على نحو 900 مليون يورو مقابل المساعدات التي قدَّمتها للدولة الفرنسية. وما زاد الطين بلة هو وجود اختلالات ضريبية للشركة جعلت السلطات المختصة تفتح تحقيقا في هذا الأمر. ودفعت هذه القضية بماكرون وحكومته إلى قلب زوبعة جديدة، لم تخدم مصالح الرئيس الفرنسي كثيرا قبيل أيام من الاستحقاق الانتخابي، إذ ركَّز عليها الكثير من خصومه ومن ضمنهم لوبان لتأكيد عدم أهليته لإدارة دولة مثل فرنسا.

 

كل هذه الصعوبات التي ذكرنا صعَّبت مهمة إيمانويل ماكرون للغاية، نعم، لقد أشارت استطلاعات الرأي إلى فوز مرتقب لماكرون وأصابت في توقُّعها، لكن المفاجأة ظلَّت تحوم حول صناديق الاقتراع أكثر من أي انتخابات سابقة، وهي نقلة تُمثِّل نجاحا ضمنيا لليمين الفرنسي. وفي ظل وجود شريحة ناقمة على سياسات ماكرون وفقر الحياة السياسية الفرنسية، ومع المرونة التي أظهرها الفاشيون في التجاوب مع المتطلبات الاجتماعية للفرنسيين ومحافظتهم في الوقت نفسه على أفكار أيديولوجية صلبة مُعادية للإسلام، يبدو أن لوبان وحزبها في طور الصعود هذه اللحظة لا الهبوط رغم خسارة الاستحقاق الانتخابي. أما ماكرون والوسط الفرنسي الذي يميل إلى اليمين يوما بعد يوم، فيجد نفسه متأرجحا بين خيارين: إما الانزياح إلى اليمين من أجل استقطاب أصوات القاعدة اليمينية، وإما الميل يسارا والتعهُّد بحماية الأقليات والمسلمين لضمان أصواتهم، وهو تأرجح لا يخدمه بحال. لقد حقَّق ماكرون نصره السياسي الذي سيُبقيه في الإليزيه لسنوات خمس، بيد أن لوبان حصلت هي الأخرى على نقلة مهمة في السياسة الفرنسية من المرجَّح أن آثارها ستبقى لما بعد نهاية ولاية ماكرون الثانية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.