واشنطن- “من أجل الله، لا يمكن لهذا الرجل البقاء في السلطة”، جاءت هذه الكلمات للرئيس الأميركي جو بايدن متسقة مع تاريخه الطويل في الهجوم الشخصي على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

منذ بدء فترة حكمه في 20 يناير/كانون الثاني 2021، تعهد بايدن بتغيير العلاقات مع روسيا عما كانت عليه من دفء خلال السنوات الأربع الماضية أثناء حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، مؤكدا أن موسكو ستحاسب على أفعالها.

وجمع تاريخ طويل من العلاقات بين بايدن وبوتين على مدار العقود الأخيرة، فقد التقيا عدة مرات أثناء عمل بايدن رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. كما اجتمع بايدن أكثر من مرة مع بوتين أثناء عمله نائبا للرئيس باراك أوباما بين عامي 2008 و2016.

واجتمعا للمرة الأولى عام 2011 عندما شغل بوتين منصب رئيس الوزراء وكان بايدن نائبا للرئيس، ووفقا لحديث سابق لبايدن؛ قال لبوتين في لقاء خاص بمكتبه بالكرملين “لا أعتقد أن لديك روحا”.

واشتبك الرجلان مرة أخرى بعد عام 2014، عندما كلف أوباما نائبه بايدن بدعم أوكرانيا في أعقاب ثورتها الديمقراطية، والضغط على روسيا لتقليص تدخلها العسكري في شرق أوكرانيا.

وبعد وصوله للبيت الأبيض بعدة أسابيع، رد بايدن إيجابا على صحفي سأله عما إذا كان بوتين “قاتلا”.

وعند توجيه المذيع الشهير جورج ستيفانوبولوس في شبكة “إيه بي سي” (ABC) سؤالا مباشرا لبايدن عما إن كان يعتبر أن الرئيس الروسي “قاتل” أجاب بايدن “نعم أعتقد ذلك”.

ولم يفلح عقد القمة التي كانت اللقاء الأول بينهما وجها لوجه كرئيسين بجنيف في رأب الصدع. وقبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، وصف بايدن بوتين بالدكتاتور وبالحاكم المستبد وبالبلطجي.

وتحدث الرئيسان قبل بدء الحرب مرتين مكالمة عن طريق الفيديو، أولها في السابع من من ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم في 12 فبراير/شباط الماضي، حيث كرر بايدن تحذيراته من مغبة غزو أوكرانيا.

انتقاد حاد بعد الحرب الروسية على أوكرانيا

ومع اندلاع الأزمة الحالية، وصف بايدن بوتين بأنه “كاذب”، ثم وصفه بأنه “مجرم حرب” ردا على مقتل مدنيين في أوكرانيا جراء الهجمات الروسية، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يستخدم فيها بايدن هذا الوصف بحق الرئيس الروسي.

وخلال زيارته أمس السبت لمعسكر للاجئين الأوكرانيين في وارسو، قال بايدن عن بوتين إنه “جزار” بعدما تحدث لسيدة لاجئة من مدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية الأوكرانية، التي شهدت قصفا روسيا وهجمات على المدنيين استمرت أسابيع.

وهكذا جاءت كلمات بايدن أمس -والتي تمنى فيها عدم بقاء بوتين في الحكم- متسقة مع الخط العام لقناعات الرئيس الأميركي بخصوص نظيره الروسي.

وردا على تصريحات بايدن، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن على أي رئيس دولة أن يبقى حذرا، وأضاف “بلا شك تضيق الإهانات الشخصية من هذا النوع نطاق علاقاتنا الثنائية مع الحكومة الأميركية الحالية”.

كما عبر كثير من الخبراء والمعلقين الأميركيين عن رفضهم ما ذكره الرئيس بايدن، واعتبروا أن هذه الكلمات تعرقل إمكانية تحقيق أي حل سريع للأزمة في أوكرانيا، كما أنها تؤكد قناعات الحكومة الروسية وشريحة ضخمة من الشعب الروسي بأن واشنطن تسعى لتغيير النظام في موسكو.

وذكر باين دينسون الأكاديمي بجامعة نوتردام والمتخصص في الشأن الروسي “مع الأسف كما كتبت سابقا، تعتقد روسيا أن أميركا لديها نوايا لتغيير النظام تجاه موسكو. تصريح بايدن المؤسف سيعزز هذا الاعتقاد ونستمر في هذه المعضلة”.

في حين أشار الدبلوماسي الأميركي السابق والخبير بمجلس العلاقات الخارجية مارتن إنديك إلى ضرورة أن يضبط الرئيس كلماته، وقال “إنه الرئيس الأميركي، وكلماته مهمة، لهذا السبب كان حذرا بشأن ما سيفعله إذا استخدم بوتين الأسلحة الكيميائية. من أجل أوكرانيا سيحتاج بايدن إلى بوتين لإنهاء الحرب. كيف يفعل ذلك إذا وصفه بأنه مجرم حرب ودعا إلى الإطاحة به؟”.

واتفق آرون ديفيد الدبلوماسي السابق والخبير بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي مع الانتقادات الموجهة لبايدن، وكتب على صفحته في تويتر يقول “بعدما قال بايدن إن بوتين لا يمكنه البقاء في السلطة، لن يكون مهما صدور توضيح أو تصحيح من البيت الأبيض، ما قاله بايدن يؤكد ما كان بوتين يؤمن به طوال الوقت من أن سياسة واشنطن هي تغيير النظام في موسكو، وبالتالي تصبح هذه معركة ليس فقط من أجل أوكرانيا، ولكن من أجل بقاء بوتين نفسه. الصقور في الإدارة وخارجها سوف يحبون هذا التطور”.

وعلى النقيض دافع بعض الخبراء والمعلقين عن حديث بايدن على رأسهم مايكل ماكفول، سفير أميركا لدى روسيا خلال إدارة أوباما، والخبير حاليا بجامعة ستانفورد، الذي غرد يقول “فيما يتعلق ببوتين، عبر بايدن عما يعتقده مليارات البشر حول العالم والملايين داخل روسيا أيضا. بايدن لم يقل إن الولايات المتحدة يجب أن تزيح بوتين من السلطة، هناك فرق”.

واتفق ديفيد أكسلود كبير مستشاري الرئيس السابق أوباما مع طرح بايدن وقال “مهما كانت درجة صواب عبارة “يجب أن يذهب بوتين” في خطاب بايدن، فإن بوتين هو آخر شخص على هذا الكوكب يمكنه أن يشكو من التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى”.

كما دافع أيفود دالدر، السفير السابق لدى حلف الناتو والرئيس الحالي لمجلس العلاقات الدولية بشيكاغو، وقال “هناك الكثير مما يقال عن قول بايدن إن بوتين لا يمكنه البقاء في السلطة. رؤية بايدن الأوسع هي: نحن بحاجة إلى غرب ديمقراطي موحد لمواجهة الأنظمة الاستبدادية الوحشية مثل روسيا. نحن بحاجة إلى البقاء في المعركة على المدى الطويل. وفي نهاية المطاف سيؤدي هذا الضغط إلى تغيير في روسيا”.

وتسببت كلمات بايدن في مفاجأة وصلت لحد الصدمة داخل واشنطن، وهو ما استدعى تدخل البيت الأبيض بعد أقل من ساعتين على إنهاء خطاب بايدن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث أوضح مسؤول في البيت الأبيض أن الرئيس بايدن لم يدع في كلامه هذا إلى “تغيير النظام” في روسيا.

وقال المسؤول “ما أراد الرئيس قوله إنه لا يمكن السماح لبوتين بممارسة سلطة على جيرانه أو على المنطقة. لم يكن يتحدث عن حكم بوتين في روسيا ولا عن تغيير للنظام”.

ويتسق توضيح البيت الأبيض مع تكرار كبار المسؤولين الأميركيين أن إزاحة بوتين عن السلطة ليست ضمن الأهداف الأميركية. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في إحاطة صحفية قبل أيام “بالنسبة لنا، لا يتعلق الأمر بتغيير النظام في موسكو، على الشعب الروسي أن يقرر من يريد أن يقوده”.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.