يعود تاريخ التجارب النووية لعام 1945 حيث أجرت أميركا أولى تجاربها النووية تحت اسم مشروع “مانهاتن”، وتلتها القنبلتان النوويتان اللتان ألقتهما في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية على مدينتي ناغازاكي وهيروشيما، وما إن انتهت الحرب حتى أجرى الاتحاد السوفياتي تجربته الأولى “جو 1” عام 1949 معلنا بداية صراع التسلح النووي، والذي شكّل تهديدا أمنيا عالميا تخوفا من نشوب حرب نووية وشيكة.

في 5 أغسطس/آب 1963 وقّعت أميركا وبريطانيا وأيرلندا الشمالية والاتحاد السوفياتي معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية (يشار لها أيضا بمعاهدة الحظر المحدود لتجارب الأسلحة النووية) في موسكو، والتي صدّق عليها مجلس الشيوخ الأميركي في 24 سبتمبر/أيلول 1963، ودخلت حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.

وقّع المعاهدة وزير خارجية الولايات المتحدة دين راسك، ووزير الخارجية السوفياتي أندريه غروميكو، ووزير الخارجية البريطاني اللورد ألكسندر هوم.

حظرت المعاهدة تجارب الأسلحة النووية في الغلاف الجوي، وفي الفضاء الخارجي وتحت الماء. ولم تمنع الدول من ممارسة التجارب النووية تحت الأرض، لكنها منعت انتشار تأثير التجارب خارج الحدود الإقليمية للدولة الممارسة للتجربة.

السياق التاريخي لمعاهدة الحظر الجزئي

مثّل القصف الذري الذي دمر هيروشيما وناغازاكي في 1945 نهاية الحرب العالمية الثانية وانطلاقة العصر النووي، حيث طوّر عدد من علماء الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفياتي تجارب لأسلحة نووية أكثر فتكا.

اجتمعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا والاتحاد السوفياتي في مايو/أيار 1955 بطلب من هيئة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة لبدء مفاوضات إنهاء تجارب الأسلحة النووية.

نشب صراع بشأن عمليات التفتيش التي فرضت للتحقق من الاختبارات النووية تحت الأرض، والتي بثت الذعر في الاتحاد السوفياتي من أن يفضح هذا التحقيق خطط السوفيات بشأن عدد الأسلحة النووية من خلال عمليات التجسس التي قد تحدث أثناء التحقيق.

وأثناء التفاوض حظرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي التجارب النووية من نوفمبر/تشرين الثاني 1958 إلى سبتمبر/أيلول 1961 بسبب عثور العلماء على رواسب مشعة في القمح والحليب في شمال الولايات المتحدة عام 1959.

تخوفات أميركا من تقدم السوفيات رغم الحظر

أقر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة جون كينيدي قانون حظر تجارب الأسلحة النووية عام 1956، في خطوة ظن أنها ستعيق باقي الدول من الحصول على أسلحة نووية.

تعهد كينيدي خلال حملته الرئاسية عام 1960 بوقف التجارب في الهواء وبالقيام بجهود دبلوماسية متواصلة لإقرار معاهدة حظر التجارب قبل بدء الاختبار تحت الأرض، كخطوة أولى نحو نزع السلاح النووي.

لكن المستشارين السياسيين والعسكريين للرئيس كينيدي أصروا عليه أن يستأنف التجارب تحت الأرض خشية أن يكون الاتحاد السوفياتي قد واصل تجاربه وحقق مكاسب متقدمة في التكنولوجيا النووية.

وفي أغسطس/آب 1961، أعرب الاتحاد السوفياتي عن رغبته في استئناف التجارب في الغلاف الجوي، وأجرى 31 تجربة نووية خلال 3 أشهر بعد الإعلان، وفجّر خلالها أكبر قنبلة نووية في التاريخ تفوق 4 آلاف مرة القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية على هيروشيما.

سعى كينيدي ورئيس وزراء الاتحاد السوفياتي نيكيتا خروتشوف إلى تهدئة الأوضاع بينهما بعد أزمة صواريخ كوبا خلال الحرب الباردة في أكتوبر/تشرين الأول 1962، والتي كادت تؤدي إلى نشوب حرب نووية.

استؤنفت المفاوضات في موسكو، واتفق المجتمعون خلالها على الحد من مجال حظر التجارب عن طريق إلغاء الاختبارات السرية وعمليات التفتيش من الاتفاقية.

وبعد 12 يوما من المفاوضات في 25 يوليو/تموز 1963، اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على حظر التجارب في الغلاف الجوي والفضاء وتحت الماء.

ووقعت معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية في موسكو يوم 5 أغسطس/آب 1963، من قبل وزراء خارجية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة.

أبرز نصوص معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية 1963:

تتشكل المعاهدة من 5 مواد، أبرزها:

  • تتعهد جميع الأطراف الموقعة على حظر إجراء أي تفجير تجريبي للأسلحة النووية، أو التشجيع عليه أو المشاركة فيه بأي شكل من الأشكال في أي بلد، سواء في الغلاف الجوي أو الفضاء الخارجي أو تحت الماء.
  • يسمح لأي طرف بتقديم اقتراح وتعديل إلى الحكومات الوديعة (مصطلح في القانون الدولي يقصد به الدول الراعية للمعاهدة والساهرة على حسن تطبيقها، وغالبا ما تكون مهمتها استقبال طلبات التصديق على المعاهدة والتأكد من استجابتها للشروط والأحكام) وترسل هذه “الدول الوديعة” إلى جميع الأطراف المشاركة في المعاهدة الاقتراحات والتعديلات التي تستقبلها، وتعقد مؤتمرا لمناقشتها، ليتم العمل بها بعد التصديق عليها من جميع الأطراف.
  • يحق لأي طرف في المعاهدة أن ينسحب منها إذا لم تناسب بعض الأحداث المتعلقة بموضوع المعاهدة سيادته الوطنية ومصالحه العليا، ويجب عليه إبلاغ جميع أطراف المعاهدة قبل 3 أشهر من تاريخ الانسحاب.

معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT)

بعد الكثير من المفاوضات التي باءت بالفشل بشأن فرض حظر شامل، أسست معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية بهدف حظر التفجيرات النووية في كل مكان، ومنع تطوير الأسلحة النووية.

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة المعاهدة، وتم التفاوض عليها في مؤتمر نزع السلاح في جنيف، وأصبحت معاهدة شبه عالمية بعد أن تم التوقيع عليها في 24 سبتمبر/أيلول 1996، من قبل 182 دولة وتم التصديق عليها من طرف 154 دولة (الدول الموقعة جزء منها لم يصدق على المعاهدة).

ولم تعتمد المعاهدة في المفاوضات السابقة بسبب امتناع 44 دولة ممن يملكون منشآت نووية عن التوقيع والتصديق.

في أغسطس/آب 2011، صدّقت 35 دولة من الدول التي امتنعت سابقا على المعاهدة، لكن امتنعت 9 دول وهي: الصين، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (الشمالية)، ومصر، والهند، وإندونيسيا، وإيران، وإسرائيل، وباكستان، والولايات المتحدة.

وبناء على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية تم إنشاء نظام شامل للتحقق يتكون من نظام الرصد الدولي (IMS) ومركز البيانات الدولي (IDC) وعمليات التفتيش في الموقع (OSI)، تهدف جميعها إلى مراقبة كوكب الأرض لرصد أي تفجيرات نووية لمشاركتها مع الدول الأعضاء، ويعمل في لجنتها التحضيرية نحو 260 موظفا من الدول الأعضاء.

ويعمل نظام التحقق عن طريق:

  • محطات المراقبة: تستعمل 4 تقنيات تتمثل في تكنولوجيا استشعار الزلازل والتكنولوجيا الصوتية المائية والتكنولوجيا دون السمعية وتكنولوجيا النويدات المشعة، من أجل رصد الانفجارات النووية في باطن الأرض والمحيطات والغلاف الجوي والكشف عن النويدات المشعة الناجمة عن التفجيرات النووية.
  • تجهيز البيانات وتحليلها وتعميمها على الدول الأعضاء: تحلل البرامج الحاسوبية في فيينا البيانات المتعلقة بموقع وطبيعة الانفجار المكتشف، والذي تخضع نتائجه لمراجعة الخبراء، وتوزع على الدول الأعضاء إلكترونيا لتقييمها نهائيا.
  • عمليات التفتيش في الموقع: تقوم على تنفيذ تفتيش موقعي للانفجار بناء على طلب أحد أعضاء المعاهدة بعد التشاور، بعد أن تصبح المعاهدة جزءا من القانون الدولي.

وهناك عدة أساليب يستعملها المفتشون كالرصد البصري من الطائرات المروحية وقياسات رصد الزلازل وأخذ عينات بيئية من الموقع.

في عام 2008، أجرت منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عملية لمحاكاة التفتيش الموقعي في كازاخستان، وفي عام 2014 نفذت تمرينا ميدانيا متكاملا في الأردن.

أبرز نصوص معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية:

تشكلت هذه المعاهدة من 17 مادة، جزء كبير منها يتحدث عن تشكيل منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ويفصل في هياكلها واختصاصاتها وطريقة عملها، وتتحدث باقي المواد عن التزامات الدول الأعضاء، وأبرز ما جاء فيها:

  • تعهد جميع أطراف المعاهدة بالامتناع عن تنفيذ أي تفجير نووي أو التسبب فيه أو المشاركة في إجرائه.
  • استحداث أجهزة تابعة للمنظمة كمؤتمر الدول الأطراف، والمجلس التنفيذي، والأمانة الفنية التي تتضمن مركز البيانات الدولي.
  • يتوجب على جميع أطراف المعاهدة تسديد تكاليف سنوية لأنشطة المنظمة.
  • تشارك كل دولة بياناتها التي حصلت عليها من المحطات الوطنية إلى المنظمة والدول الأطراف باعتبارها جزءا من نظام الرصد الدولي.
  • التعاون في عمليات التشاور والتوضيح بين جميع الأطراف.
  • السماح بعمليات التفتيش الموقعي.

أنواع التجارب النووية

تجارب الغلاف الجوي

تعرض الغلاف الجوي لعدد من التفجيرات النووية تجاوزت الألفين عبر العالم بين عام 1945 و1996، حيث تسببت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحدهما بما يزيد على 400 قنبلة.

في مارس/آذار 1954، فجّرت الولايات المتحدة القنبلة الهيدروجينية “كاسيل برافو” في جزر مارشال بالمحيط الهادي، والتي أسفرت عن تلوث بالإشعاع تأثر به عدد من المدنيين المحليين في الجزر، بالإضافة لجنود أميركيين في جزيرة رونغريك المرجانية، ومركب الصيد الياباني لاكي دراغون.

التجارب تحت المياه أو بالقرب من سطحه

تعد الولايات المتحدة أول من نفذ تجربة “عملية مفترق الطرق” النووية تحت الماء عام 1946 في محيط جزر مارشال، والذي أطلقت عليه “باسيفيك بروفينغ غراوند”، من أجل اختبار تأثيرات الأسلحة النووية المستعملة ضد السفن البحرية.

كما أجرت الولايات المتحدة تجربة “عملية ويغوام” عام 1955، على عمق 600 متر لتعيين نقاط ضعف الغواصات إزاء الانفجارات النووية.

علما أن هذه التجارب النووية تؤدي إلى انفجارات تلوث السفن والهياكل وتضر بالإنسان، بسبب كميات المياه الضخمة والبخار المشع الناجم عن الانفجارات.

التجارب تحت الأرض

يقصد بالتجارب تحت الأرض، التفجيرات التي تجرى في أعماق مختلفة تحت سطح الأرض، وهي ما تميل له الدول غالبا، حيث كانت التجارب تحت الأرض تشكل 75% من إجمالي التفجيرات النووية خلال الحرب الباردة 1945-1989.

نفذت الولايات المتحدة ما يزيد على 800 تجربة تحت الأرض من بين جميع التجارب التي أجرتها، أما الاتحاد السوفياتي فأجرى نحو 500 تجربة من إجمالي تجاربه.

وتختلف تجارب تحت الأرض عن تجارب الغلاف الجوي من حيث درجة المخلفات الإشعاعية، حيث تقل في التجارب تحت الأرض، على الرغم من أنها تنبعث نحو السطح وتفرز حطاما مشعا كبيرا.

وحظرت “تجارب تحت الأرض” بنص معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.

التجارب النووية:

كانت بدايات التجارب النووية في الولايات المتحدة عندما فجرت قنبلتها الذرية الأولى في صحراء ألاموغوردو بولاية نيومكسيكو في 16 يوليو/تموز 1945، وأطلق على الموقع اسم “ترينيتي”.

كانت هذه التجربة النووية الأولى اختبارا لبحث علمي أجري لسنوات ضمن مشروع “مانهاتن”، الذي تم العمل عليه أثناء الحرب العالمية الثانية لتصنيع الأسلحة النووية لأول مرة.

  • بين عامي 1945 و1992 أجرت الولايات المتحدة 1032 تجربة.
  • بين عامي 1949 و1990 أجرى الاتحاد السوفياتي 715 تجربة.
  • بين عامي 1952 و1991 أجرت المملكة المتحدة 45 تجربة.
  • بين عامي 1960 و1996 أجرت فرنسا 210 تجارب.
  • بين عامي 1964 و1996 أجرت الصين 45 تجربة.

ما بعد توقيع معاهدة الحظر الشامل:

وبعد توقيع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية من قبل 183 دولة وتصديقها من طرف 161 دولة، أجريت ما يقارب 6 تجارب نووية، من ضمنها:

  • تفجير نووي سلمي واحد، قامت به الهند في عام 1974، بالإضافة لتجربتين عام 1998.
  • تفجيران قامت بهما باكستان في عام 1998.
  • تفجيرات نووية في عام 2006 و2009 و2013 و2016 و2017 نفذتها كوريا الشمالية.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.