القدس المحتلة – ترقب عائلة الأسير كريم يونس بمسقط رأسها في بلدة عارة بالداخل الفلسطيني يوم السادس من يناير/كانون الثاني 2023 على أحر من الجمر، لتضرب موعدا مع الحرية وإنهاء 4 عقود من الانتظار للحظة تحرر نجلها عميد الأسرى الفلسطينيين من غياهب سجون الاحتلال الإسرائيلي.

دخل الأسير يونس (66 عاما) في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي عامه الـ40 في الأسر، ويقبع في سجن “هداريم”، حيث اعتقل في الـ23 من العمر بزعم اختطاف وقتل جندي إسرائيلي والانتماء لحركة فتح والانخراط بالمقاومة المسلحة.

وفي ساحة المنزل المطل على شارع وادي عارة جلست كعادتها التسعينية والدة عميد الأسرى الفلسطينيين الحاجة صبحية يونس تنتظر الحرية واحتضان نجلها البكر الذي حرمتها سياسات الاحتلال وجدران السجن من احتضانه. 39 عاما و4 أشهر عاشتها أم كريم تتنقل بين السجون الإسرائيلية لرؤية نجلها لنصف ساعة من وراء القضبان أو من خلف جدار زجاجي، كغيرها من أمهات وعائلات الأسرى القدامى من فلسطينيي 48.

فصول المعاناة

ما عادت أم كريم تتذكر تفاصيل فصول المعاناة والحكايات التي ظلت ترويها في ساحة المنزل الذي غاب عنه كريم 39 عاما ونيفا، وإن أعياها المرض وخانتها الذاكرة ببعض تفاصيل رحلة العذاب، لكن شوقها لكريم يتعاظم وتعد بفارغ الصبر الأيام والأسابيع والأشهر حتى اليوم الموعود.

مشاعر مختلطة وموجعة عاشتها الحاجة صبحية بين زنازين السجون، أسوة بأمهات الأسرى، لكنها بدت صامدة في ساحة منزلها، حيث تحولت مسيرة العذابات إلى محطات أمل باقتراب حرية كريم، لينكسر قضبان السجون وتعود الفرحة والبهجة إلى ساحة البيت.

مع ولادة الحياة مجددا والأمل بعناق كريم للحرية كي تكتمل معاني الحياة الأسرية، سردت والدة عميد الأسرى الفلسطينيين بابتسامتها المعهودة للجزيرة نت محطة الحياة بداية من السادس من يناير/كانون الثاني 1983، يوم اعتقال نجلها إلى الآن، قائلة “طال الانتظار وأريد أن أحتضن كريم وأضمه إلى صدري”.

تخشى التسعينية ألا يتحقق حلمها وتحتضن نجلها بعد أشهر، حيث تخاف أن يفرق بينهما الموت في اللحظات الأخيرة قبل ذلك الموعد.

وقفة تضامن وإسناد لعميد الأسرى كريم يونس قبالة سجن جلبوع (الجزيرة)

يناير الأسود

لكن رغم المخاوف، سرعان ما عادت والدة عميد الأسرى لتبتسم، وتتذكر المرة الأولى والوحيدة التي سمحت لها إدارة السجون الإسرائيلية باحتضان كريم قبل سنوات طويلة، عندما كانت برفقة زوجها يوسف في زيارته، حيث سمح في حينه لجميع الأسرى بالتقاط الصور مع عائلاتهم، كان الاحتضان لنجلها شديدا وكم تمنت أن يبقى طويلا، لكن توقف لقاء المشاعر بعد دقائق بأوامر من السجان.

وفي انتظار اللقاء والاحتضان مجددا، تختلط المشاعر على أم كريم كلما اقترب “يناير الأسود” كما اختارت أن تسميه، ففي السادس من يناير/كانون الثاني 1983، اعتقل كريم وغاب عنها لعقود، وفي نفس التاريخ من العام 2013، فقدت رفيق دربها زوجها يوسف الذي توفي من دون أن تسمح السلطات الإسرائيلية لكريم بإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه.

وتجسد عائلة عميد الأسرى الفلسطينيين معاناة عائلات الأسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993، وعددهم 30 أسيرا منهم 14 أسيرا من فلسطينيي 48، حيث كان من المفترض الإفراج عنهم ضمن الدفعة الرابعة وفق التفاهمات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع الحكومة الإسرائيلية في يوليو/تموز 2013.

تفاهمات أوسلو

وقضت التفاهمات بين تل أبيب ورام الله بواسطة أميركية؛ إطلاق سراح جميع الأسرى القدامى على 4 دفعات بواقع 26 أسيرا بكل دفعة، بيد أن تل أبيب نكثت بالوعد وامتنعت عن إطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة لكون غالبيتهم العظمى يحملون الجنسية الإسرائيلية، وهو ما اعتبرته تل أبيب “شأنا إسرائيليا داخليا”.

وإلى جانب الأسرى القدامى ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية، هناك أكثر من 150 أسيرا من فلسطينيي الـ48 يقبعون بالسجون الإسرائيلية ويقضون عقوبات تتراوح بين 10 و20 سنة، لمشاركتهم ودورهم في نضال ومسيرة تحرر الشعب الفلسطيني، حيث أدينوا بتهم أمنية والمشاركة في المقاومة المسلحة وتقديم المساعدة للفصائل الفلسطينية.

وأعادت أحداث هبة الكرامة في مايو/أيار 2021 والتي شهدتها فلسطين التاريخية، إلى الأذهان سيرة ومسيرة الحركة الأسيرة التي تشكلت في أراضي الـ48 بعد احتلال الأراضي العربية عام 1967، وكانت عنصرا جوهريا في الحركة الوطنية ومشروع النضال والتحرر الفلسطيني.

جدرية تذكارية عند مدخل منزل عائلة يونس التي تتوق لحرية كريم وماهر.
جدارية تذكارية عند مدخل منزل عائلة يونس (الجزيرة)

هبة الكرامة

وخلال العام الذي أعقب هبة الكرامة اعتقلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية 3100 فلسطيني (من القدس وأراضي الـ48)، يحملون الجنسية أو الإقامة الإسرائيلية، حيث سجلت ألفا حالة اعتقال من بينهم اعتقال 291 طفلا لدى فلسطينيي 48.

وقدمت النيابة العامة الإسرائيلية ضد المئات منهم لوائح اتهام، كما صدرت بحق غالبيتهم أحكام انتقامية تشمل السجن مع وقف التنفيذ وغرامات مالية باهظة، وفق “عدالة” (المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية).

وفي ظل تصاعد التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتنفيذ عمليات مسلحة في عمق المدن الإسرائيلية، صعدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من استخدام سياسة الاعتقال الإداري، حيث وقع وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس على نحو 200 أمر اعتقال إداري لفلسطينيين من الداخل والقدس.

كما نفذت السلطات الإسرائيلية 56 اعتقالا إداريا خلال مارس/آذار الماضي، وذلك بذريعة “تنفيذ أنشطة استباقية لإحباط تنفيذ عمليات”، وفق ما أفاده مركز الدفاع عن الفرد “هموكيد”.

وسجلت الحركة الأسيرة منذ العام 1967 أكثر من مليون حالة اعتقال لأسرى فلسطينيين وعرب، وضمنهم آلاف من فلسطينيي 48 الذين اعتقلوا ودينوا بدعم النضال الفلسطيني وقضوا عقوبات متفاوتة، إضافة إلى آلاف منهم الذين اعتقلوا بعد النكبة وخلال فترة الحكم العسكري الذي استمر حتى نهاية عام 1966.

بوصلة النضال

وفي العودة إلى مسيرة الحركة الأسيرة التي واكبت تطور وتوسع نشاط الحركة الوطنية بالداخل الفلسطيني يستذكر المحامي تميم يونس الشقيق الأصغر لعميد الأسرى الفلسطينيين، 4 عقود من المعاناة والصبر والانتظار للقاء كريم، حيث كان تميم في الـ16 من العمر عندما اعتقل شقيقه مع أبناء عمه سامي وماهر يونس.

سار تميم على درب الوطن وسخر تعليمه وحياته لنصرة الأسرى والحركة الأسيرة ليترافع عنها أمام المحاكم الإسرائيلية.

ويقول يونس إن الأسرى القدامى وجميع الأسرى من فلسطينيي 48 هم جزء لا يتجزأ من الحركة الأسيرة وكانوا جميعا وعلى رأسهم عميد الأسرى يونس في جل اهتمامات فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية في صفقات التبادل، وبموجبها تحرر الكثير من الأسرى من الداخل.

لكن التعنت الإسرائيلي حال دون تحرر كريم والأسرى القدامى في صفقات التبادل ولم يتم حتى تخفيف عقوبة السجن مثلما يجيز القانون الإسرائيلي، قائلا إن “خيبة الأمل الوحيدة كانت لعدم إتمام الدفعة الرابعة للأسرى القدامى بموجب التفاهمات بين السلطة الفلسطينية المقيدة باتفاقيات أوسلو وإسرائيل”.

ولم يخف تميم يونس -وقد تجاوز الـ56 عاما من العمر- في حديثه للجزيرة نت، وجعه وألمه واختلاط مشاعره وهو يسرد بهدوء موعد السادس من يناير/كانون الثاني المقبل، قائلا “كريم لم يغب عن وجداننا وكان حاضرا فينا جميعا وغرس في وجدان وعقول جميع أولادنا الذين لم يشاهدوه وتربوا على سيرته ومسيرته ويفتخرون بأنه عمهم وخالهم”.

وأشاد يونس بالشعب الفلسطيني واحتضانه لعائلات الأسرى ودعمه خاصة لعائلات الأسرى القدامى والأسرى المرضى، قائلا إن “الأسرى بمثابة قلب القضية الفلسطينية وبوصلة النضال ودماء شريان الشعب الفلسطيني، وهي تحظى بإجماع شعبي وتعتبر خطا أحمر لا يمكن لأي كان تجاوزه، وعلى هذا الأساس تسعى السلطات الإسرائيلية لملاحقة الحركة الأسيرة والانتقام من عائلات الأسرى”.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.