بكين – انتشرت مقاطع فيديو لتدفق عشرات المواطنين على محطات مترو الأنفاق في مدينة تشونغتشينغ الصينية، هربا من موجة الحر التي شهدتها المدينة في شهر أغسطس/آب الماضي، إذ اشتكى السكان من انقطاع للتيار الكهربائي دام بضع ساعات يوميا على مدار أسبوع تقريبا.

وتعرضت مناطق في الصين لأسوأ موجة حر منذ أن بدأت السجلات في عام 1961، وأثرت الحرارة الشديدة من سيتشوان في الغرب إلى شنغهاي شرقا، وتسبب الجفاف في خفض مستويات المياه في خزانات الطاقة الكهرومائية.

استدعى ذلك فرض قيود على استخدام الطاقة في جميع أنحاء البلاد، لا سيما في المنطقة الجنوبية الغربية، في حين وعدت الحكومة الصينية بتكثيف دعمها لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم وعمال المناجم؛ لضمان استقرار إمدادات الطاقة.

لماذا تجددت أزمة الطاقة في الصين؟

تسببت الحرارة المرتفعة خلال ذروة الصيف في زيادة استهلاك الكهرباء بنسبة 6.3% على أساس سنوي في يوليو/تموز الماضي، حيث قفز الاستهلاك السكني بنسبة 26.8%، وفق إدارة الطاقة الوطنية الصينية.

وكانت مقاطعة سيتشوان الجنوبية الغربية ومدينة تشونغتشينغ على الروافد العليا لنهر اليانغتسي (أطول أنهار الصين) الأكثر تضررا.

وتشتهر سيتشوان بالطاقة المائية التي توفر 80% من طاقتها، لكن الجفاف قلّل من قدرة توليد الكهرباء بنسبة 50% على أساس سنوي في أغسطس/آب، وفق حكومة المقاطعة.

وأثر انخفاض توليد الطاقة الكهرومائية في سيتشوان أيضا على إمدادات الكهرباء الإجمالية للبلاد، حيث تعدّ سيتشوان واحدة من المقاطعات الرئيسة المصدرة للطاقة في الصين. وحسب الحكومة المحلية، فإن الكهرباء المولدة في المقاطعة تُرسل إلى الروافد الوسطى والدنيا لنهر اليانغتسي ضمن “مشروع نقل الكهرباء بين الغرب والشرق”.

الطقس القاسي هو السبب المباشر لنقص الكهرباء في الصين (شترستوك)

هل يتأثر قطاع التصنيع؟

يرى خبراء أن قطاعات التصنيع المختلفة تأثرت بالقيود المفروضة على الطاقة، حيث تعمل مراكز التصنيع على طول نهر اليانغتسي على تقييد الاستهلاك لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.

ويسهم الجنوب الغربي في سمعة الصين كمصنع عالمي، ينتج السيارات والتكنولوجيا والسلع الاستهلاكية.

يقول وي جون هو، كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة “ماكواري” (Macquarie) للخدمات المالية، إن مقاطعة سيتشوان قد تحملت العبء الأكبر من انقطاع التيار الكهربائي هذه المرة، وتمثل 4% فقط من الإنتاج الصناعي في الصين.

وتوقع في مذكرة بحثية حصول بعض الاضطرابات في سلاسل التوريد للمواد الخام مثل الليثيوم، بالنظر إلى أن سيتشوان تنتج نحو 20% من الليثيوم و5% من الألمنيوم و13% من البولي سيليكون في الصين.

وقد يؤثر ذلك على تصنيع بطاريات المركبات الكهربائية والمكونات الإلكترونية لأشباه الموصلات والألواح الشمسية وأجهزة الكمبيوتر، وفق ما قاله الصحفي الاقتصادي تشاو تسي ون.

ويضيف تشاو -للجزيرة نت- أن ذلك يمكن أن يُترجم إلى تكاليف أعلى للمنتجات الإلكترونية، مثل بطاريات السيارات الكهربائية، “لكن التأثير يجب أن يكون قصير الأجل”.

كما توقع تشاو أن تؤدي أزمة الطاقة إلى بقاء العديد من مشتري المركبات الكهربائية المحتملين بعيدا في الوقت الحالي نظرا لعدم اليقين بشأن إمدادات الكهرباء.

ما الذي تفعله الحكومة؟

في ضوء أخطر أزمة طاقة عانتها الصين منذ عقود، شددت بكين على عدم تكرار أزمة الكهرباء التي هزت البلاد العام الماضي، بدءا من الرئيس شي جين بينغ الذي تعهد بعدم السماح لانقطاع الكهرباء على نطاق واسع، ورئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ الذي وعد ببذل جهود حثيثة لتجنب أزمات مستقبلية.

وشهدت أزمة الطاقة تحوّل بكين في خطابها السياسي وإعلان أمن الطاقة كمهمة وطنية أكثر إلحاحا من الانتقال إلى الطاقة الخضراء. نتيجة لذلك، تستمر مشاريع الفحم في الصين -أكبر مستهلك للوقود الأحفوري في العالم- في التوسع على نحو يقوّض الجهود المبذولة لمعالجة تغير المناخ.

وأوصى مجلس الكهرباء الصيني بأن تصل البلاد إلى 1300 غيغاوات من الطاقة التي تعمل بالفحم في عام 2030 لتلبية الطلب المتزايد وتعزيز أمن الطاقة، وذلك يعني بناء ما يزيد على 300 مصنع جديد.

وتفيد معطيات رسمية بأن سعة الطاقة المعتمدة حديثا التي تعمل بالفحم زادت في الربع الرابع من عام 2021 بنسبة 36.3% على أساس سنوي، في حين قفزت في الربع الأول من هذا العام بنسبة 103.1%.

Organised media tour to Schneider Electric factory in Beijing
قطاعات التصنيع المختلفة في الصين تأثرت بالقيود المفروضة على الطاقة (رويترز)

هل الأزمة قصيرة أم طويلة الأمد؟

على الرغم من أن الطقس القاسي هو السبب المباشر لنقص الكهرباء، فإن خبراء يعتقدون أن الصين تواجه تحديات طويلة الأجل.

فتأثرها الشديد بتغير المناخ، وخاصة الرياح الموسمية، يترافق مع مشكلات هيكلية تواجه قطاع الطاقة في الصين، إذ تفيد الإحصاءات بأن الاستثمار متخلف عن النمو في استهلاك الكهرباء.

وفي عام 2021، انخفض معدل النمو المركب للاستثمار في البنية التحتية للكهرباء في الصين بنسبة 2.7% مقارنة بعام 2018، في حين نما استهلاك الكهرباء بمعدل مركب مرتفع بلغ 6.7%، وفقا لشركة “إيسنس سيكيوريتيز” (Essence Securities) المالية الصينية.

في الوقت ذاته، يرى المحلل الاقتصادي وانغ يي شان أن التأثير الإجمالي لهذه الجولة من تقليص الطاقة على الإنتاج الصناعي سيكون محدودا، إذ إن جولة تقليص الطاقة إجراء موسمي ومؤقت وإقليمي في ظل درجات الحرارة المرتفعة وقلة الأمطار.

وأضاف وانغ -للجزيرة نت- أن التأثير على الناتج المحلي الإجمالي في النصف الثاني من العام لن يكون كبيرا في ظل تحسين الطلب على الفحم الحراري، مع توقعات باضطراب طفيف في النمو الاقتصادي.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.