بوتين: التطهير الطبيعي والضروري للمجتمع لن يؤدي إلا إلى تقوية بلدنا وتضامننا وقدرتنا على الاستجابة لجميع التحديات.

مدة الفيديو 03 minutes 00 seconds

في أوكرانيا اليوم، كما كان في سوريا من قبل، يعد تدمير روسيا للبنية التحتية المدنية أو المدارس أو الملاجئ أو المستشفيات، جزءا من قرار على أعلى مستوى، يهدف إلى ترويع السكان وتركهم أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الاستسلام أو النزوح.

هذا ما سلط عليه الضوء البروفسور الفرنسي الخبير في علوم السياسة جان بيير فيليو في مقال له بصحيفة لوموند الفرنسية، حذر في بدايته من أن تعثر الهجوم الروسي في أوكرانيا يفاقم الآثار المدمرة المترتبة عليه، إذ يؤجج لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرغبة المنهجية في طرد السكان المدنيين تماما كما فعل في سوريا.

ففي ماريوبول وميكولايف ومدن أوكرانية أخرى تعرضت لقصف مكثف من قبل الجيش الروسي، يقول فيليو، غالبًا ما يقارن المراقبون ما يحدث هناك بالسابقة المأساوية لحصار حلب في عام 2016 فيصفون ما يجري بأنه “كابوس”، بل حتى “جحيم” يعاني ويلاته السكان المدنيون.

وما صورة عازف التشيلو وهو يعزف وسط أنقاض مدينة خاركيف، إلا تجليا للمقاومة الشرسة للأوكرانيين، وهي تذكر، حسب الكاتب، بصور عازف البيانو الذي ارتجل السيناريو نفسه عام 2015 في قلب حي اليرموك المنكوب بضواحي دمشق.

وها هم معارضو الرئيس السوري بشار الأسد يلوحون الآن بالعلم الأوكراني إلى جانب علمهم، حيث تتحدى نجوم استقلال سوريا الثلاث نجمي حزب البعث، المستحوذ على السلطة في دمشق منذ عام 1963.

وهذا ما حدث بالذات في 15 مارس/آذار، خلال مظاهرات إحياء ذكرى الانتفاضة السلمية السورية التي انطلقت في عام 2011 ضد الدكتاتورية السورية.

وخلال هذه التظاهرة ينسب فيليو لطبيب من إدلب تقديمه نصيحة ثمينة للأوكرانيين قائلا “حصنوا مستشفياتكم بكتل إسمنتية، فالعدو بوتين لا يميز بين المدنيين والجرحى والمقاتلين”.

وتؤكد الرسائل في المسيرات الداعمة للثورة السورية في الداخل والخارج، وفقا للكاتب، على التضامن الفعال للثوار السوريين مع الشعب الأوكراني، وتشجيعه على “رفض التنازل” سواء عن أرضه أو قضيته، لأن “من سوريا إلى أوكرانيا، العدو هو نفسه”.

ومن جانب نظام الأسد، يقول فيليو، هناك تماهي مع الموقف الروسي، إذ كان الأسد قد استقبل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قبل وقت قصير من غزو أوكرانيا، وقدم له بطبيعة الحال دعمًا غير مشروط، حتى أنه حشد جيشه وشرطته السياسية لتنظيم تجنيد مرتزقة لدعم القوات الروسية في أوكرانيا.

وفي 11 مارس/آذار الحالي، وافق بوتين على حشد حوالي 16 ألف “متطوع” من الشرق الأوسط، لكن وجود هؤلاء السوريين المساعدين ليس مهماً حتى الآن في أوكرانيا، وفقا للكاتب، غير أن تعثر الهجوم الروسي، مع الخسائر الفادحة التي نجمت عنه، سيجعل روسيا تدفع بهؤلاء إلى الجبهة خصوصا عندما تصل الحرب إلى معارك الشوارع، وهو أمر يبدو حتميا مع إصرار الكرملين على احتلال بعض المراكز الحضرية وتصميم المقاومة الأوكرانية على الاستماتة في الدفاع عنها.

ومن ناحية أخرى، أدت الضربات التي استهدفت ترويع المدنيين ودفعهم إلى الفرار بالفعل، خلال شهر واحد، إلى نزوح جماعي، أسرع بكثير في أوكرانيا منه في سوريا، حسب فيليو.

فبالإضافة إلى 3.7 ملايين أوكراني، من أصل حوالي 45 مليون نسمة، وجدوا ملاذًا خارج حدود بلادهم، اضطر ما يقرب من 6.5 ملايين أوكراني آخرين إلى مغادرة منازلهم ولكنهم ظلوا داخل الأراضي الأوكرانية.

وبالمقارنة، فقد استغرق الأمر عدة سنوات من الصراع بالنسبة للسكان السوريين، الذين يبلغ عددهم نصف عدد الأوكرانيين، لتجربة نزيف بهذا الحجم الكبير.

ويذكر الكاتب هنا ما قاله الأسد في عام 2017 “فقدنا أفضل شبابنا وبنيتنا التحتية”، لكنه أكد في المقابل “أننا اكتسبنا مجتمعًا أكثر صحة وتجانسًا”، وبالمنطق نفسه قال بوتين في 16 مارس/آذار الجاري إن “كل الناس، وخاصة الشعب الروسي، قادرون على التمييز بين الوطنيين الحقيقيين وبين الحثالة والخونة، وبإمكانهم لفظ تلك الحثالة تماما كما يلفظون بعوضة سقطت بطريق الخطأ في فم أحدهم، وأنا مقتنع بأن هذا التطهير الطبيعي والضروري للمجتمع لن يؤدي إلا إلى تقوية بلدنا وتضامننا وقدرتنا على الاستجابة لجميع التحديات”.

وهنا علق الكاتب بالقول إن إنقاذ سوريا وشعبها كان يتطلب القبض على الأسد عندما كان لا يزال هناك وقت، “ولم يعد الأمر يتعلق بإنقاذ أوكرانيا وشعبها فقط، ولكن ربما حتى روسيا وشعبها، ويجب القبض على بوتين، قبل فوات الأوان”، وفق تعبير فيليو.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.