لفيف- لم تعد مدينة لفيف غرب أوكرانيا كما يعرفها مئات الآلاف من السياح العرب والأجانب الذين زاروها خلال العام الماضي، بل إن السياحة باتت آخر ما يفكر به زائروها اليوم.
المدينة التاريخية استبدلت السياح بالنازحين الأوكرانيين عن مناطق التوتر، فباتت ملاذا لهم، ومقرا لمعظم البعثات الدبلوماسية العاملة في أوكرانيا، لأنها كانت -ولا تزال- تعتبر “الأكثر أمنا” منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا.

إدارة المدينة تتحدث عن وجود 200 ألف نازح فيها، لكن هذه الأعداد ضئيلة جديدة إذا ما قورنت مع حجم التدفق اليومي على محطة قطارات لفيف، وعبر الطرق البرية المؤدية إليها.
ومع أيام الحرب الأولى، التي بدأت في 24 فبراير/شباط الماضي، كانت أعداد النازحين إلى لفيف تقدر بنحو 60 ألفا يوميا، نصفهم تقريبا عبر القطارات، وكثير منهم كان ينطلق منها إلى دول الجوار الأوروبي، وخاصة بولندا.

وسائل إعلام محلية تقدر عدد من استقر في لفيف من النازحين بما لا يقل عن مليون نسمة، مشيرة إلى أن “الأعداد الرسمية تعبر عن النازحين الذين سجلوا أنفسهم لدى السلطات المحلية بهدف الحصول على مأوى ومعونات”.

وفي هذا الإطار، يمكننا فهم ما صرح به عمدة المدينة، أندري سادوفي، حول أن “لفيف حاليا تضم مدينة في مدينة”؛ علما أن عدد سكانها كان يقدر بنحو 725 ألف نسمة قبل الحرب.

إجراءات ونداءات استغاثة

وقد اتخذت إدارة المدينة إجراءات للتعامل مع الزيادة الحادة والطارئة في عدد السكان، ودعت سكان المدينة الأصليين إلى حسن التعامل مع “الضيوف”، لكنها وجهت أيضا تحذيرات تتعلق بالقدرة على التحمل.

وفي هذا الإطار خصصت بلدية لفيف كثيرا من المدارس والمباني الحكومية لإيواء النازحين، في داخل المدينة، وفي 6 بلدات محيطة بها، تشرف عليها الدولة، بمساعدة رئيسية من قبل الكثير من الحملات التطوعية المنتشرة.

المتطوعون مسؤولون عن استقبال النازحين وإيصالهم إلى المستقر المؤقت، حيث منعت السلطات المحلية خدمات سيارة الأجرة من الاقتراب، خشية “استغلال النازحين ماليا”.

وفي هذا الصدد أيضا، حذرت أصحاب الشقق والفنادق والمطاعم وغيرها من رفع الأسعار على النازحين، مهددة برد حازم، لكن هذا لم يحل دون أن تقفز أسعار الإيجارات إلى مستويات قياسية في المدينة وضواحيها.

ووجه عمدة المدينة سادوفي نداء استغاثة إلى الدول الأوروبية، دعا فيه إلى مساعدة المدينة على تحمل أعباء النزوح، مشيرا إلى أنه يكلف ميزانية البلدية نحو مليون دولار يوميا.

مبنى دار الأوبرا التاريخي الشهير وسط كييف (الجزيرة)

ازدحام في كل مكان

وبسبب الزيادة الحادة في أعداد السكان، تنتشر في المدينة مظاهر الازدحام المروري والطوابير أمام البنوك وفي بعض المتاجر، لا سيما في أوقات الذروة.

ومن ذلك انتشار أعداد كبيرة من سيارات النازحين عن مناطق أخرى حول الفنادق، وخاصة في وسط المدينة، حيث صار ركن السيارة أمرا في غاية الصعوبة؛ وقد حذرت المدينة من “مصادرة” السيارات التي يركنها أصحابها ويغادرون خارج البلاد، خاصة إذا كان ذلك في أماكن ممنوعة، هذا بالإضافة إلى أن كثيرا من المحلات تشهد نقصا في عدد البضائع اللازمة لتلبية حاجة جميع الأعداد، وخاصة من المواد الغذائية.

هل تستهدَف؟

ورغم أن المدينة صنفت على أنها “الأكثر أمنا”، كما ذكرنا سابقا، فإن استهداف محيطها مؤخرا أثار مخاوف من أن تكون هدفا لاحقا لروسيا في حربها على أوكرانيا.

وقد شهد الأسبوع الماضي استهداف مركز دولي للسلام والأمن في منطقة يافوريف غرب لفيف ومبنى للصيانة في مطارها الدولي القريب، إضافة إلى دوي متزايد الوتيرة لصفارات الإنذار في المدينة.

وعزز المخاوف أيضا تلميح هيئة الأركان العامة للقوات الأوكرانية إلى احتمال أن تدخل بيلاروسيا إلى جانب روسيا في الحرب، وأن يكون ذلك نحو منطقة فولين الحدودية مع بيلاروسيا وبولندا، الواقعة إلى الشمال من منطقة لفيف.

ويبدو أن بلدية لفيف تتحسب فعلا لهذا التطور المحتمل في الأحداث، فالحواجز الأمنية تنتشر على مداخلها وفي شوارعها الرئيسية، وبدأت البلدية فعلا بتأمين وتحصين بعض المقتنيات الأثرية في المدينة.

وتعدّ لفيف عاصمة أوكرانيا الثقافية، وتحتل مكانة تاريخية كبيرة بالنسبة لبولندا المجاورة أيضا، لا سيما أنها كانت جزءا من مملكتها في القرون الوسطى.

وفي هذا السياق يقول رومان ماتي المسؤول في بلدية لفيف للجزيرة نت “استهداف لفيف يعني أنه لم يبق مكان آمن للأوكرانيين في بلادهم، وهذا يعني موجات نزوح جديدة أكبر بكثير من تلك التي نشهدها منذ بداية الحرب”.

وأضاف أن ملايين الأوكرانيين -تقدرهم إحصائيات حكومية بنحو 6.5 ملايين- قد ينزحون إلى لفيف ومناطق الغرب بدلا من اللجوء، خشية أن يفرقهم عن بعضهم بحكم أن الرجال ممنوعون من السفر”.

وتابع “وصول زخم الحرب إلى مناطق الغرب الأوكراني سيدفع الملايين من هؤلاء إلى تغيير تفكيرهم، وهذا تطور آمل ألا يحصل، لأنه سيمهد لإفراغ البلاد من ساكنيها، وإلى تداعيات محلية وعالمية خطيرة”، على حد قوله.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.