لا يمكن ألا يُحترم الفنان الذي يضع وقته وموهبته وماله في خدمة قضية أو مشروع يؤمن به، حتى لو أخفق في بعض المواضع، أو لم يستخدم أدواته الفنية بشكل ممتاز، وتوم كروز النجم الأميركي الستيني يكرس وقته وفنه في الوقت الحالي لتقديم أعمال عالية الجودة يمكن إدراجها تحت عنوان عريض، وهو أن السينما لشاشات العرض السينمائية، وتصنع بأيد بشرية.

يُعرض في الوقت الحالي الجزء السابع من سلسلة “المهمة المستحيلة” التي بدأ تقديمها في منتصف التسعينيات، ويصدر الفيلم الجديد تحت عنوان “المهمة المستحيلة – حساب الموتى الجزء الأول” (Mission: Impossible – Dead Reckoning Part One)، من إخراج كريستوفر ماكويري، ويشارك في البطولة ريبيكا فيرغسون وفانسيا كيربي وهايلي أتويل، وحقق خلال أسبوع  واحد من عرضه 122 مليون دولار، مقابل ميزانية 291 مليون دولار.

في حب السينما

بدأت سلسلة أفلام “المهمة المستحيلة” عام 1996، واستمرت عبر 6 أفلام، تباين مستواها، بعضها جيد للغاية، وأخرى في غاية التواضع، مع فوارق زمنية كبيرة نسبيا بين الجزء والآخر، كما لو أن كل جزء سيكون الأخير، ولكن بعد النجاح الكبير للجزء السادس عام 2018، وطّن النجم توم كروز نيته على تقديم جزأين سابع وثامن، يقدمان قصة كاملة، ويتم تصويرهما بالتزامن مع بعضهما البعض، بفارق عام واحد في العرض، ولكن انتشار وباء كوفيد-19 أجّل عرض الفيلم عدة مرات.

يمكن اعتبار أن النجاح الكبير للجزء السادس من “المهمة المستحيلة” النقطة التي سمحت للممثل بإعادة رسم مسيرته، وتحويلها من مجرد محاولات سينمائية، بعضها ناجح وآخر فاشل إلى ترسيخ صورته كنجم أفلام الأكشن العابر للأجيال، الذي يستطيع النجاح في التسعينيات وبعد ذلك بـ30 عاما بذات المقدار وربما أكثر.

العام الماضي عُرض لتوم كروز فيلم “توب غن: مافريك” (Top Gun: Maverick)، الذي حقق نجاحا تجاريا جعل الكثيرين ومنهم المخرج ستيفن سبيلبرغ يعتبرونه السبب الرئيسي في إنعاش السينما المحتضرة بعد الوباء، وابتعاد الجمهور عن الحضور إلى دور العرض في عصر المنصات الإلكترونية، وبتأكيد الممثل المرة تلو الأخرى أن فيلمه يجب مشاهدته على شاشة السينما للاستمتاع به بالشكل الأمثل.

وجسّد فيلم “توب غن: مافريك” رسالة توم كروز المعارضة للمنصات، ولكنه يأخذ هذا الخطاب عدة خطوات للأمام في أحدث أفلامه، فهو ليس فقط معارض للعرض الإلكتروني ولكن كذلك للذكاء الاصطناعي، واستخدام تقنيات الـ “سي جي آي” (CGI) التي تمثل بالنسبة له العدو الذي يدمر أصالة الأفلام.

وتعد تقنية “سي جي آي” من أهم المؤثرات البصرية الحديثة، وهي صور ورسوم ثنائية أو ثلاثية الأبعاد أو كائنات أو محاكاة لشخص ما، وتستخدم في أفلام الخيال العلمي والأعمال الدرامية لخلق وهم بصري لمشهد أو لشخص غير موجود بالفعل أو إجراء بعض التغييرات عليه.

وفي “المهمة المستحيلة 7” ظهر موقف توم كروز في جانبين أساسيين، الأول عملية صناعة الفيلم نفسه، والثاني قصته.

وقد اعتمد الترويج للفيلم بالأساس على إيضاح المجهود الذي قام به البطل والمخرج في تقليل استخدام الـ “سي جي آي” للحدود الدنيا، والاعتماد بشكل أساسي على أداء توم كروز لكل المشاهد الخطرة بنفسه، واهتمامه الشديد بعرض الفيلم بتقنية “الإيماكس” (IMAX) للاستمتاع بالتصوير المميز في الأماكن الخارجية.

بينما تدور أحداث الفيلم حول برنامج للذكاء الاصطناعي استطاع تطوير نفسه ليصبح غير معتمد على وجود البشر، بل صار معاديا لهم بشكل كبير، ولا يمكن التحكم به أو إبطاله إلا بواسطة مفتاح من جزأين، وتسعى جهات حكومية وغير حكومية كثيرة لإيجاد هذين المفتاحين لتتحول إلى الأقوى عالميا، بينما بطلنا “إيثان هانت” الوحيد الذي يرغب في إيجاد هذا المفتاح بهدف تدمير البرنامج نهائيا.

صورة حديثة بسيناريو قديم

من الوهلة الأولى يُعرّف فيلم “المهمة المستحيلة 7” نفسه بأنه سيقدم صورة سينمائية رائعة، تصوير خارجي بين عدة أماكن مميزة من صحراء الربع الخالي وحتى روما وفينيسيا وجبال الألب، واستخدام مميز للإضاءة، ومشاهد أكشن مصممة بدقة لتبدو مبهرة للغاية، والبطل يهرب من مطاردة سيارات، وقطار يكاد يدعسه، وآخر يحاول الركوب فيه وهو مسرع هابطا على ظهره بالمظلة بعد قفزه بدراجة نارية من أعلى الجبل.

ولكن ما يجمع بين مشاهد الأكشن والإثارة في النهاية هو السيناريو الذي شارك في كتابته المخرج بنفسه، والذي امتلأ بالكثير من الحوارات المباشرة للغاية بين أفراد فريق “المهمة المستحيلة” عن أهمية الصداقة والحب البشري، وخطورة الذكاء الاصطناعي، رغم أن هذه الأفكار واضحة للغاية بدون التوكيد اللفظي، الذي بدا مباشرا للغاية، بل قديما يشبه أفلام التسعينيات وما قبلها عندما كان الأبطال يسردون رسالة الفيلم قرب النهاية ليتأكدوا من استيعاب المشاهدين لها.

بالإضافة إلى استخدام الصدفة أكثر من مرة، وبطريقة مبالغ فيها، أهمها في المشاهد النهائية والتي فيها ينقذ البطل زميلته في المهمة بدخول القطار من النافذة التي تقف عندها خلال محاولة قتلها، الأمر الذي يوحي بأن الاهتمام كان منصب بالأساس على مشاهد الحركة، التي يتم الترويج للفيلم باستخدامها بدون اهتمام كاف بالسيناريو.

والتكنولوجيا بالنسبة لتوم كروز هي العدو الذي حاول هزيمته بكل قوته، وفي ظل ثورة كتّاب هوليود على استخدام الذكاء الاصطناعي في الأعمال الفنية، وانضمام الممثلين للإضراب؛ يبدو الفيلم كما لو أنه اختار الوقت المناسب لعرضه، ليصبح جزءا من الخطاب العالمي الحالي في مواجهة خطر الذكاء الاصطناعي.

وقد حقق فيلم “المهمة المستحيلة 7” معدل 96% على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes) مثيرا إعجاب الكثيرين بالتجربة السينمائية التي تحاول إعادة المشاهدين لدور العرض، وبالتأكيد؛ الكثير من الناس في انتظار عرض الجزء الثاني الذي سيكمل القصة، ولكن متى سُيعرض في ظل الإضراب الحالي، هذا ما لا يعلمه أي شخص حتى صنّاعه.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.