عاد المفكر الشهير وعالم النفس السريري الكندي جوردان بيترسون لإثارة الجدل، بعد رسالة على قناته بموقع “يوتيوب” (YouTube) وجهها للمسلمين في أنحاء العالم، وتطرق فيها لمسائل الطائفية والانقسام الديني، ووصفها منتقدوه بالمتعالية والمليئة بالصور النمطية الاستشراقية.

وبدا بيترسون سعيدا بقوله إن جمهورا من المسلمين يتابع نشاطاته وكتاباته، وقال في رسالته “أيها الشيعة والسنة.. الشيعة: ابحثوا عن صديق سني بالمراسلة. السنة: قوموا بالشيء نفسه”.

وأشاد بيترسون بـ”اتفاقات أبراهام”، داعيا بنبرة عالية المسلمين في العالم الإسلامي للتوقف عن القتال بينهم واعتبار المسيحيين واليهود أعداءهم، وأضاف أستاذ علم النفس في جامعة تورنتو ​​”أفضل مكان للعثور على الشيطان، هو بداخلك. إذا كنت تعتقد أن العدو الحقيقي هو قلب شخص آخر، فإنك لم تفكر طويلا بما فيه الكفاية”.

انتقادات

على وسائل التواصل الاجتماعي، أثارت تعليقات بيترسون ردود فعل حادة من نشطاء مسلمين انتقدوا نصائحه “المتعالية والسطحية” بشأن كيفية حل المشكلات في العالم الإسلامي.

وكتب عثمان بدر -الأكاديمي بجامعة غرب سيدني الأسترالية- مخاطبا بيترسون، وقال “إن نيتك التي يُفترض أنها صادقة لإيجاد حلول لمشاكل العالم أمر مثير للإعجاب، لكنك تبحث في المكان الخطأ. إن قلة وعيك بالتطورات في الحضارة الغربية التي عادة ما تمجدها أمر مثير للقلق”.

وأضاف بدر “حدث شيء يسمى العلمانية منذ حوالي قرنين من الزمان؛ فأُخضع الدين ونزل إلى هوامش كل ما هو مهم ومؤثر في السياسة والحياة العامة. لقد أُجبر البابا على التقاعد في الفاتيكان وأصبح حاشية على متن السياسة العالمية، تم تعميم نمط الحياة المستنير هذا على فوهة البندقية وفي آسيا وأفريقيا. جميع الدول هناك الآن علمانية أيضًا”.

وأردف “إن تشخيصك الضمني للنزاعات والمشكلات السائدة باعتبارها إحدى تبعات الصراع بين الأديان يعد جهلا ساذجا لكل هذا، لا يلعب الإيمان مثل هذا الدور المهم في الشؤون العالمية للعصر العلماني. الأيديولوجيات العلمانية هي ما يفعل ذلك وتتلاعب بالإيمان عندما يكون ذلك مناسبا”.

وتابع “تأمّل أيضا الأمثلة الرئيسية للصراعات العالمية الأخيرة: الحروب في أفغانستان والعراق، والعدوان الروسي في أوكرانيا، والعدوان الإسرائيلي على غزة، والحرب على الإرهاب التي أعطتنا خليج غوانتانامو وداعش. ما علاقة أي من هؤلاء بالصراع بين الأديان؟ هل الولايات المتحدة دولة دينية مسيحية؟ أم ديمقراطية ليبرالية علمانية (مع بعض الخطاب المسيحي في بعض الأحيان)؟ هل روسيا دولة دينية أرثوذكسية؟ أم نظام اشتراكي علماني؟ وهلم جرا”.

وأكمل “حقيقة الأمر هي أن الدول العلمانية الليبرالية هي الجهات الفاعلة الأكثر تأثيرا على المسرح العالمي، وهي بدورها مسؤولة بشكل أساسي عن الفوضى التي نراها على ذلك المسرح، إنه مجاز علماني قديم لتفسير المشاكل على أنها ناشئة عن الصراع/ الكراهية الدينية واقتراح المزيد من الحوار/ الانسجام بين الأديان ليكون حلا. هذا يعد نزع السياسة من الصراع وتفريغه من التاريخ لجعله أصوليا دينيا (أو عرقيًا/ ثقافيًا). ويجب على المرء أن يكون ضحلا حتى يقتنع به”.

وفي تعليقه على موقع تويتر، كتب الإعلامي مهدي حسن أن رسالة بيترسون إلى المسلمين “متعصبة وجاهلة ومثيرة للغثيان”.

وفي تعليقه على رسالة بيترسون، قال الناشط ضد الإسلاموفوبيا سي جيه ويرلمان، في رسالة مرئية على يوتيوب إن “بيترسون يريد أن يعتقد أن المسلمين متخلفون وبربريون، بينما الرجال البيض مثله متعلمون ومستنيرون ومتحضرون”.

وأضاف ويرلمان أن بيترسون يتحدث عن إصلاح الطائفية من دون أن يعرف أن هذه الظاهرة في العالم الإسلامي “تم تسخيرها وتغذيتها من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية، التي سعت إلى نهب أراضي المسلمين عن طريق تقسيم وقهر السكان المسلمين الأصليين”، حسب تعبيره.

وكان بيترسون قد أجرى مؤخرا لقاءات فكرية عميقة مع مثقفين مسلمين بينهم الداعية البريطاني محمد حجاب، والداعية الأميركي حمزة يوسف، وأثارت تلك اللقاءات المرئية ردود فعل كبيرة.

وسبق أن اعتبر بيترسون أنه لا يعتقد أن الإسلام يمكن أن يكون متوافقا مع الديمقراطية، مفترضا أنه فشل في “فصل الكنيسة عن الدولة”.

واشتهر جوردان بيترسون بوصفه ناقدا لسياسات الهوية الغربية وتيارات “الصوابية السياسية” واليسار الليبرالي من موقع محافظ، واكتسبت آراؤه النقدية والداعمة للأسرة التقليدية، وكذلك أفكاره عن أهمية المحاسبة الشخصية وفضائل الأمومة والأبوة وغيرها من القضايا الاجتماعية، الكثير من الأنصار بما في ذلك جمهور مسلم، لدرجة دعوته للحديث في أحد المؤتمرات الإسلامية في كندا، قبل التراجع عنها.

ويقول نقاد بيترسون إن تيارات اليمين الغربي تستخدم نقد الإسلام أحيانا، لاكتساب شرعية وبناء أرضية لهم وتشتيت الانتباه عن أنفسهم، عبر صرف الاتهامات التي توجه لهم من النشطاء اليساريين والليبراليين إلى العالم الإسلامي باعتباره “مثالا أكثر تطرفا”.

وسبق أن انتقد بيترسون تعاطي المسلمين مع الأقليات، مستشهدا بتدمير طالبان للآثار البوذية في أفغانستان، بينما قال ناقدون له إنه تناسى أن هذه الآثار (وغيرها من الكنائس والمعابد) ظلت سليمة تحت الحكم الإسلامي لأكثر من ألف عام.


المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.