القاهرة – بينما كان المصريون يستعدون للاحتفال بأول أيام عيد الفطر المبارك لهذا العام، أصدرت وزارة التضامن الاجتماعي بيانا شديد اللهجة، أعلنت فيه عن “تدشين حملة مكثفة” تستهدف ما وصفته بـ”تنظيم وتقنين التبرعات الإلكترونية”.

جاء ذلك بعد ساعات من نجاح لافت لمزاد خيري إلكتروني حاز اهتماما واسعا من عموم المصريين، مما أثار علامات استفهام لدى مراقبين حول مغزى التوجه الحكومي وتوقيته في ظل سابقة أخرى تمثلت في قرار السلطات في العام الماضي حظر التبرع النقدي من خلال صناديق المساجد.

واعتبر مراقبون تحدثوا للجزيرة نت أن إعلان وزارة التضامن يصطدم في التوجه مع ما أعلن عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن عام 2022 هو عام المجتمع المدني، محذرين من استمرار التضييق على المجتمع المدني في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية.

هذا “التقنين” جاء في أعقاب “تقنين” آخر أثار جدلا وقتها من وزارة الأوقاف المصرية عندما حظرت صناديق التبرع التي كانت توجد في المساجد خصوصا الكبرى، وجعلت أمام المواطنين طريقا واحدا هو التبرع عبر البنوك.

وثار جدل في مواقع التواصل بشأن دوافع هذا القرار، وهو ما دفع المركز الإعلامي لمجلس الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى إصدار بيان ينفي فيه إنفاق تبرعات المساجد الواردة عبر الحسابات البنكية على تمويل المشروعات الحكومية، بدلا من الأغراض المخصصة لها.

وبدوره، جدّد وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة التأكيد على حظر وضع صناديق تبرعات في المساجد، وذلك خلال لقاء رسمي مع الأئمة عقد الشهر الماضي.

تقنين بعد تقنين

وأعلنت وزارة التضامن الاجتماعي حظر استخدام منصات التواصل الاجتماعي في جمع التبرعات النقدية أو العينية، إلا بعد الموافقة الحكومية خلال 3 أيام من التقدم للحصول على تصريح موثق ومحدد به الغرض من جمع التبرعات وأوجه صرفها، مؤكدة أن الأموال التي يتم جمعها دون تصريح أو بالمخالفة للتصريح الصادر في هذا الشأن، ستؤول إلى صندوق دعم مشروعات الجمعيات والمؤسسات الأهلية.

لكن مؤسسة مرسال البارزة في العمل الخيري والتنموي الطبي، أكدت في بيان رسمي مساء أول أيام عيد الفطر، على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، أنها تملك تصريح جمع مال بوسائل تبرع مختلفة حتى يونيو/حزيران المقبل ويحمل رقم 124 لسنة 2021.

جاء ذلك عقب احتفاء المؤسسة الكبير بنجاح حملتها ليلة أول أيام عيد الفطر على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي حملت عنوان “أغلى كارت شحن في مصر”، إذ أقامت المؤسسة مزادا خيريا إلكترونيا على بطاقة شحن هاتف بقيمة 10 جنيهات، لتحصد 11 مليون جنيه من التبرعات وسط دعم مجتمعي لافت.

وفي بث مباشر، كشفت مديرة المؤسسة هبة راشد عن إحجام بعض الرموز الفنية الكبيرة -لم تسمها- عن التطوع لمؤسستها بإعلانات مجانية للظروف الاقتصادية، وعدم قدرة مؤسستها على مجاراة المؤسسات الأغنى في العمل الخيري التي تقود سنويا حملات إعلانية كبيرة بتمويلات كبيرة.

وأكدت راشد أن حملة كارت الشحن جاءت في وقتها لتحل أزمة حضانات الأطفال التي تؤرق العديد من الأسر المصرية.

 

تضييق مستمر

في هذا السياق، يوضح القانوني والحقوقي محمد أبو العزم أن بيان وزارة التضامن الاجتماعي يعبّر عن حالة التضييق المستمر على عمل المجتمع المدني، والتوظيف لقوانين ذات نصوص فضفاضة على نحو يسلب العاملين في المجتمع المدني حقهم في ممارسة العمل بحرية أو يضعهم تحت مغبة التهديد بسلب الحرية، بحسب وصفه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف أبو العزم أن الوزارة بذلك تصطدم مع ما أعلن عنه السيسي بأن عام 2022 هو عام المجتمع المدني، والذي أكد فيه على أهمية شراكة الدولة مع المجتمع المدني، مما يؤكد أن سياسة بعض مؤسسات الدولة الراهنة تجاه المجتمع المدني تقوم على فلسفة العداء تجاهه رغم احتياج مصر له، وفق تعبيره.

ويشير أبو العزم إلى أن الإجراءات الحكومية المتتابعة قلصت إلى حد كبير المساحة المحدودة المتبقية للجمعيات والمنظمات غير الحكومية المستقلة، لكن الحملة الناجحة التي نظمتها مؤسسة مرسال قبل أيام كشفت عن أمل جديد في إقدام الرأي العام على احتضان عمل منظمات المجتمع المدني ودعمها، إيمانا منه بدورها كأحد المكونات الرئيسية في الدولة، بشكل جعله الدرع الحقيقية للمجتمع المدني.

السوابق كاشفة

بدوره، يعرب مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان المحامي خلف بيومي عن قلقه مما جرى إعلانه من قبل وزارة التضامن، موضحا أن “سوابق النظام كلها تؤكد رغبة الدولة في الاستيلاء على كل منافذ ومصادر المال في مصر، حتى ولو كان صناديق تبرعات”، بحسب اعتقاده.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتساءل بيومي: هل كشفت وزارة الأوقاف حتى الآن عن مصير التبرعات التي تأتي لها عقب حظر التبرع في صناديق المساجد؟ وهل قدمت كشف حساب عن ذلك؟ ولماذا تصدر وزارة التضامن بيانا بهذا الشكل وفي ليلة العيد؟ ولصالح من؟

ويضيف الحقوقي المصري أن إجابات هذه الأسئلة تعزز مخاوف الحقوقيين من استمرار التضييق تحت مسمى التقنين، إذ كان ينبغي أن تنافس مؤسسات الدولة منصات القطاع الخاص الخيرية، وتقدم بما تملك من إمكانيات ما يدفع المواطن للتعامل معها وتفضيلها على الغير، ولكنها تعلم حالة عدم الثقة فيها وفي منصاتها لذلك تلجأ للمنع وزيادة القيود.

تهديد وإقصاء

من جانبه، يرى النقابي والمعارض المصري ياسر صديق أن بيان وزارة التضامن يعزز سياسة إقصاء الجميع من حلبة العمل العام في مصر، لأنه جاء في توقيت مريب بعد رصده حالة نجاح خارج السياق الرسمي، رغم التزام الجميع في مصر بالقانون، كرها أو حبا في ظل قيود تعرض مخالفيها للسجن، بحسب وصفه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف صديق أن الحكومة تعمل على استنزاف المواطنين والمجتمع المدني، فوزارة الأوقاف تجمع الأموال من المواطنين رغم سيطرتها على أوقاف تقدر قيمتها بالمليارات، ووزارة التضامن تهدد بمصادرة الأموال لمن لم يلتزم بقيود الحكومة الجديدة، رغم أنه موجود في الساحة بعد التزامه بالشروط القانونية للتأسيس والعمل.

ويعتقد النقابي المصري أن ثقافة سحب أموال المواطنين لحساب الحكومة هي الثقافة السائدة، رغم أن دور الحكومة هو دعم المواطن وتعزيز قوة المجتمع المدني، لا استنزاف المواطنين وتهديد المجتمع المدني في كل خطواته.

قلق مبالغ فيه

من الناحية الاقتصادية، يرى الباحث الاقتصادي والكاتب الصحفي إبراهيم الطاهر أن بيان وزارة التضامن يؤثر سلبا على المناخ الاقتصادي والدعم المقدم للجمعيات الخيرية، في ظل التشديد المستمر على عملها من إجراءات مباشرة إلى إجراءات غير مباشرة تتركز غالبا في مسار المدفوعات الإلكترونية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الطاهر إلى أن زيادة الإجراءات الحكومية من حين لآخر يفيد زيادة التقييد، خاصة في ظل استقرار الإجراءات القانونية القديمة، وهو ما يرسل رسائل سلبية لأي مستثمر أو راغب في زيادة الريع الاقتصادي للمؤسسات الخيرية أو حتى الاستثمار في مصر، خشية إصدار “فرمانات” (كوابح) حكومية في أي وقت تلحق به الضرر، وفق قوله.

ويؤكد الطاهر أنه بعد الاحترام للإجراءات القانونية، فإن استمرار التقنين المبالغ فيه للتمويل الخيري للجمعيات الخيرية أمر يضر بشبكة الحماية الاجتماعية للفقراء ومحدودي الدخل، والتي تعلن مؤسسات الدولة المعنية تكرارا حمايتها صونا للأمن الاقتصادي للبلاد، خاصة في ظل وجود جهات رقابية على أعمال تلك الجمعيات.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.