رغم أن حياة المدينة تؤثر على توجهات الإنسان الفطرية، تميل الدراسة إلى تأكيد أن محبي الطبيعة سيسعون إلى زيارة الأماكن الخضراء على أي حال بغض النظر عن مدى تقدم المدينة التي يعيشون فيها.

من منا لا تخلب لبه الأزهار والأشجار ويطرب لسماع الطيور ورؤية الأنهار، ومن منا لا يشعر بالبهجة في الحدائق الغناء والتطلع إلى صفحة السماء الصافية أو أمواج البحر؟. لا شك أن الإنسان يسعد برؤية الأشجار والنباتات والمسطحات الخضراء، والبشر جميعهم يشتركون في حب الطبيعة الخلابة ويشعرون بالسعادة عند زيارتها وقضاء وقت في رحابها.

غير أن العلم يثبت أن ذلك لا يرجع للذائقة الشخصية لكل إنسان، بل هو جزء أصيل من تكويننا الوراثي وحمضنا النووي، ورثناه عن آبائنا وأجدادنا.

مسؤولية الجينات

وكشفت دراسة علمية هي الأولى من نوعها نشرتها دورية “بلوس بيولوجي” (PLOS Biology) أن الجينات مسؤولة إلى حد كبير عن تفاوت البشر في حبهم للطبيعة وميلهم لزيارتها واستمتاعهم بالوجود في أحضانها، تماما مثل مسؤوليتها عن تفاوتهم في سائر صفاتهم الشكلية والنفسية.

وأشار تقرير موقع “فارسيتي” (Varsity) إلى أن الدراسة كانت بإشراف الدكتورة تشيا تشين تشانغ أستاذة العلوم البيولوجية بجامعة سنغافورة الوطنية بمعاونة فريق يضم 10 باحثين من عدة جامعات ومراكز بحثية في بريطانيا وأستراليا وسنغافورة.

الجينات مسؤولة عن تفاوت البشر في حبهم الطبيعة وميلهم لزيارتها (شترستوك)

استطلعت الدراسة آراء 1153 زوجا من التوائم المتطابقة وغير المتطابقة من قاعدة بيانات توائم المملكة المتحدة بسؤالهم حول مدى ميولهم للوجود بالطبيعة ومفهومهم لها وشعورهم بالانسجام معها، ومدى تكرار زياراتهم للأماكن الطبيعية كالمساحات الخضراء والحدائق والشواطئ، ومدى استمتاعهم بزيارة الأماكن الطبيعية، وطول الفترة التي يقضونها فيها.

بمقارنة التوائم المتطابقة الذين يشتركون في 100% من الحمض النووي تقريبا مع التوائم غير المتطابقة الذين يشتركون فقط في نصف الحمض النووي، غير أنهم يتشابهون في النشأة والتربية، توصل فريق البحث إلى أن التوائم المتطابقة أقرب للاشتراك في الميول النفسية المتعلقة بحب الطبيعة من التوائم غير المتطابقة، لتجزم الدراسة بأن جينات الإنسان الوراثية مسؤولة عن 46% من ميوله وتوجهاته نحو الطبيعة.

كما قارنت الدراسة بين الفريقين في معدل زيارات الحدائق والمساحات الخضراء وطول مدة الزيارة، وخلصت إلى أن التوائم المتطابقة تتشابه بهذا الصدد أكثر من التوائم غير المتطابقة، وهو ما يعني أنه حتى رغبة الإنسان في ارتياد الأماكن الطبيعية والذهاب إليها ليست من محض إرادة الإنسان بالكامل فهي جزئيًا نابعة من جيناته التي ورثها عن آبائه وأجداده.

العمر وتأثيرات البيئة

وقد تناول الباحثون صفات مثل العمر، إذ تراوحت أعمار التوائم المشاركة بالدراسة بين 19 و89 عاما، وتوصل الباحثون إلى أن أي صفات وراثية تتعلق بالتوجهات والميول والخبرات تقل كلما تقدم الإنسان في العمر، وذلك بسبب التأثير المتراكم للعوامل البيئية، واختلاف تجارب الحياة والظروف الاقتصادية والعوائق الصحية. فالذين يعانون من صعوبات بالحركة مثلا يقل ارتيادهم للأماكن الطبيعية.

محبو الطبيعة يسعون لزيارة المناطق الخضراء بغض النظر عن مدى تقدم المدينة التي يعيشون فيها (شترستوك)

ووجد فريق دكتور تشانغ أن النصف الآخر من الفروق الفردية بين التوائم المشاركة في تجارب الطبيعة يرجع إلى الاختلافات في العوامل البيئية مثل الحياة بالمدينة، فالذي يعيش فيها لا تتشابه خبراته مع الطبيعة مثل الذي يسكن المناطق الريفية.

ورغم أن حياة المدينة تؤثر على توجهات الإنسان الفطرية نحو الطبيعة الخضراء المفتوحة، فإن الدراسة تؤكد الرأي الذي يقول إن محبي الطبيعة سيسعون إلى زيارة الأماكن الطبيعية على أي حال بغض النظر عن مدى تقدم المدينة التي يعيشون فيها، وأنهم يحصلون على فوائد نفسية أكبر من زيارات الأماكن الطبيعية مقارنة بغيرهم.

ورغم التأثير الكبير للعوامل البيئية، قدمت هذه الدراسة الأدلة العلمية الأولى التي تشير إلى أن جيناتنا مسؤولة جزئيا عن مدى تفاعلنا مع الطبيعة وحبنا لها بل ومدى استشعارنا لبهجتها وجمالها.

المصدر: وكالات + الجزيرة نت

Share.

صحفية عراقية من اربيل خريجة وزارة الاعلام في اربيل سنة 2004

Comments are closed.